علماء يكشفون أسرار الكثبان النجمية الغامضة في المغرب

3 دقيقة
منطقة عرق الشبي بصحراء المغرب. تشتهر المنطقة بكثبان "لالا العالية" النجمي. جيوفاني ميريغيتي / UCG / مجموعة الصور العالمية عبر جيتي إيماجز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تُعد الكثبان النجمية الضخمة في الصحراء تكوينات غامضة. توجد هذه الكثبان الرملية في بعض أكبر الصحاري الحديثة على وجه الأرض، وكذلك على كوكب المريخ وأكبر أقمار كوكب زحل، تيتان. الكثبان النجمية هي كثبان رملية عملاقة اكتسبت اسمها من الأذرع الرملية والصخرية التي تمتد نزولاً من قمة مركزية؛ إذ إنها يمكن أن تشبه النجوم عند رؤيتها من الأعلى.

لالا العالية: أقدم الكثبان النجمية على كوكب الأرض

تمكّن العلماء، للمرة الأولى، من تحديد عمر أحد أقدم الكثبان النجمية على كوكب الأرض. تشير التقديرات إلى أن الكُثيب الرملي النجمي “لالا العالية” في جنوب شرق المغرب قد تشكّل قبل 13,000 عام، وفقاً لدراسة نُشرت في 4 مارس/آذار في مجلة ساينتفيك ريبورتس (Scientific Reports).

اقرأ أيضاً: بحث جديد يزيح الستار عن أدلة جديدة تثبت أن الصحراء الكبرى كانت غابة

توجد الكثبان النجمية في الصحاري الرملية الواسعة في إفريقيا وشبه الجزيرة العربية والصين وأميركا الشمالية. يُعتقد أن هذا النوع من الكثبان هو الأعلى على وجه الأرض؛ إذ يصل ارتفاع الكثبان النجمية في صحراء “بادين جاران” (Badain Jaran) في الصين إلى 300 متر.

لم يُعثر على دليل على وجود الكثبان النجمية في السجل الجيولوجي للأرض على الرغم من انتشارها على نطاق واسع في عصرنا الحالي. يشبه السجل الجيولوجي كبسولة زمنية تتكون من طبقات صخرية ورسوبية تتيح لعلماء الجيولوجيا إلقاء نظرة على شكل الأرض قبل آلاف السنين. أثار غياب الكثبان النجمية في السجل الصخري حيرة العلماء، لأن الصحاري القديمة كانت منتشرة في التاريخ الجيولوجي للأرض، لكنّ الدلائل على وجود الكثبان النجمية المنتشرة حالياً لا تظهر في تلك السجلات الجيولوجية. اكتُشف كُثيب نجمي قديم واحد فقط محفوظاً في الحجر الرملي، ويعود تاريخ هذا الكُثيب إلى نحو 250 مليون عام، وعُثر عليه في اسكتلندا الحالية.

الكُثيب النجمي “لالا العالية” في منطقة عرق الشبّي في المغرب. حقوق الصورة: تشارلي بريستو

يقول عالم الجيولوجيا والأرض في جامعة أبيريستويث (Aberystwyth University) في ويلز، جيف دولر (Geoff Duller)، في بيان صحفي: “يمثّل هذا البحث في الواقع حلاً للغز الكُثيب الرملي المفقود، إذ كان من المُحيّر عدم وجود أي أثر للكثبان النجمية في السجل الجيولوجي، لكن بفضل التكنولوجيا الجديدة يمكننا الآن الكشف عن أسرار الكثبان النجمية التي كانت غامضة سابقاً”.

الكشف عن أسرار الكثبان النجمية

استخدمت هذه الدراسة الجديدة راداراً يخترق الأرض لاستكشاف البنية الداخلية لكُثيب “لالا العالية” النجمي، الذي يعني اسمه “أعلى نقطة مقدسة” في اللغة الأمازيغية، وتقع الكثبان الرملية في منطقة عرق الشبّي بالصحراء الكبرى بالقرب من الحدود مع الجزائر.

وجد الباحثون أن هذا الهرم الرملي وصل إلى ارتفاعه الحالي الذي يبلغ نحو 73 متراً وعرضه 700 متر بسبب النمو السريع للكثبان الرملية خلال الألفية الماضية مع تحركه ببطء نحو الغرب. يبلغ عمر أقدم طبقات الكُثيب نحو 13,000 عام.

وفقاً للدراسة، من المحتمل أن يكون الكُثيب النجمي تشكّل في الوقت الذي وقع فيه حدث “درياس الأصغر” (Younger Dryas)؛ إذ شهدت هذه الفترة انخفاضاً حاداً في درجات الحرارة على مستوى العالم بصورة مفاجئة منذ نحو 11,600 إلى 12,900 عام، ما أدى إلى عودة بعض المناطق إلى ظروف شبيهة بالعصر الجليدي، ثم تلت هذه الفترة مرحلة حدث فيها ارتفاع سريع في درجات الحرارة.

كشف الاختبار أيضاً أن الكُثيب توقف عن النمو مدة 8,000 عام. يشير بعض الأواني الفخارية التي عُثر عليها بالقرب من تلك المواقع إلى أن البشر كانوا يعيشون في تلك المنطقة التي كانت أقل جفافاً مما هي عليه في الوقت الحاضر. تشير الدلائل إلى أن المنطقة شهدت فترة هطل أمطار غزيرة أو نشاطاً أكبر للرياح الموسمية، ما ساعد على استقرار الكُثيب قبل حدوث جفاف كبير.

لماذا يتحرك كُثيب “لالا العالية”؟

أظهر الرادار الذي يخترق الأرض بنية طبقات الكُثيب الرملي وكشف عن كيفية تكوّنه بفعل التغيرات الطبيعية في البيئة مثل هطل الأمطار وهبوب الرياح على مر الزمن. ساعد هبوب الرياح من عدة اتجاهات على الأرجح في تكوين الكثبان الرملية العملاقة. باستخدام هذه البيانات الهيكلية، توصل الباحثون إلى أن كُثيب “لالا العالية” يتحرك غرباً بسرعة تبلغ نحو 50 سنتيمتراً سنوياً. نظراً لأن الكُثيب تشكّل بفعل الرياح القادمة من اتجاهين مختلفين، فإن رياحاً ثالثة تهب من الشرق تتسبب في تحركه ببطء نحو الغرب.

استخدم الفريق تقنيات التأريخ بالتلألؤ لتحديد آخر مرة تعرضت فيها المعادن الموجودة في الرمال لأشعة الشمس، وذلك بهدف تحديد عمر الكُثيب النجمي. لم يركز الفريق على وقت تكوّن الرمال نفسها، بل على وقت ترسبها على الكُثيب الرملي.

اقرأ أيضاً: دليل أحفوري من لبنان يكشف أن ذكور البعوض كانت تلسع أيضاً

يقول دولر لصحيفة الغارديان: “تتمتع حبيبات معدن الكوارتز بخاصية تشبه بطارية صغيرة قابلة لإعادة الشحن؛ إذ يمكنها تخزين الطاقة التي تحصل عليها من النشاط الإشعاعي الطبيعي الموجود في البيئة، وعند إعادة حبيبات الكوارتز إلى المختبر، يُمكننا تحفيزها على إطلاق الطاقة المخزّنة فيها، التي تخرج على هيئة ضوء، ويمكننا قياس ذلك؛ إذ يشير سطوع الضوء إلى آخر مرة تعرضت فيها حبيبات الرمال لأشعة الشمس”.

من خلال دراسة كمية الطاقة الموجودة في حبيبات الرمل، توصل الباحثون إلى أن عملية تكوين كُثيب “لالا العالية” استغرقت نحو 900 عام، ويتراكم نحو 6,400 طن متري من الرمال سنوياً، وذلك بفعل الرياح التي تحرّك الرمال عبر الصحراء.

يمكن تطبيق التقنيات المستخدمة في هذه الدراسة على الكثبان الرملية الأخرى لمعرفة مزيد من المعلومات عن تاريخ الأرض المناخي. استُخدمت تقنية التأريخ بالتلألؤ بالفعل لاكتشاف أقدم هيكل خشبي معروف في العالم في عام 2023.

يقول المؤلف المشارك في الدراسة وعالم الرسوبيات في كلية لندن الجامعية، تشارلي بريستو (Charlie Bristow): “أتاح لنا استخدام الرادار، الذي يخترق الأرض لدراسة هذا الكُثيب النجمي، فهم كيفية تشكل هذه الكثبان الرملية الضخمة، بالإضافة إلى تطوير نموذج جديد يساعد علماء الجيولوجيا على تحديد دلائل وجود هذه الخصائص الصحراوية المذهلة في سجلات الصخور الرسوبية”.