وفقاً لبحث أجراه العالم آلان باريكا من جامعة كاليفورنيا، منشور في دورية ديموغرافي (Demography) عام 2018، يقلل الطقس الحار فرص الحمل ومن المتوقع أن تزداد المشكلة سوءاً بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري، حيث أشارت عدة تقارير حديثة أخرى عن تراجع معدلات الخصوبة عالمياً لدى الرجال والنساء. فما السبب في ذلك؟ وهل بالفعل سيكون مستقبل البشرية الإنجابي على المحك؟ هل التغير المناخي هو السبب فعلاً أم ثمة عوامل مختلفة؟ تابع المقال لمعرفة الإجابة عن هذه الأسئلة.
هل يؤثر التغير المناخي على الخصوبة؟
لما كان تراجع الخصوبة عالمياً، فمن المنطقي توجيه أصابع الاتهام نحو التغير المناخي الذي يؤثر على جميع الناس، لكن على الرغم من سهولة إرجاع قلة الخصوبة المتزايدة إلى عامل واحد هو المناخ، فثمة الكثير من العوامل المرتبطة بالموضوع، ومن المرجح أن يؤثر تغير المناخ على الخصوبة تأثيراً غير مباشر.
مثلاً؛ قد تؤدي التغيرات المناخية إلى هجرة اليد العاملة إلى مناطق أقل تضرراً وتسبب زيادة الانفصال بين الأزواج، ما يرتبط عكسياً بالخصوبة، وقد يزيد معدل الطلب على العمالة مع زيادة ساعات العمل، ما سيقلل ساعات الراحة المرتبطة إيجاباً بزيادة الخصوبة.
اقرأ أيضاً: ما علاقة الخصوبة عند الرجال بالمهن التي يزاولونها؟
هل سيعاني كل السكان فعلاً من تراجع الخصوبة نتيجة التغير المناخي؟
وفق بحث منشور في دورية إينفيرومنتال ريسيرش عام 2019، أجراه باحثون باستخدام نموذج تنبؤي، ستشهد المناطق القريبة من خط الاستواء، حيث يقع العديد من البلدان الفقيرة، آثاراً سلبية أكبر على الزراعة نتيجة للتغير المناخي، ما سيرفع الأسعار والأجور الزراعية مع انخفاض حاجة القطاع الزراعي إلى استخدام عمال زراعيين، وسيزيد الفقر ويقلل مستوى تعليم الأطفال والتوعية الإنجابية ويرفع معدلات الخصوبة.
بينما في الدول المتوضعة في خطوط العرض الأعلى ينعكس هذا التأثير، ما يشير إلى أن تغير المناخ قد يؤدي إلى تفاقم عدم المساواة من خلال خفض الخصوبة وزيادة التعليم في بلدان الشمال الأكثر ثراء، في حين ستزيد الخصوبة وينخفض مستوى التعليم في البلدان الاستوائية الأشد فقراً.
كيف يؤدي التغير المناخي إلى تراجع خصوبة الرجال؟
وفقاً لدراسة نشرت في دورية هيومن ريبرودكشن أبديت (Human Reproduction Update) عام 2017 وسُلط الضوء عليها مؤخراً، تبين أن أعداد الحيوانات المنوية في جميع أنحاء العالم قد انخفضت إلى النصف بين عامي 1973 و2018، ويعكس هذا الانخفاض أزمة عالمية تتعلق ببيئتنا الحديثة وأسلوب حياتنا، مع ما يترتب على ذلك من آثار واسعة النطاق على بقاء الجنس البشري.
عدد الحيوانات المنوية هو مؤشر على خصوبة الإنسان وصحة الرجال، حيث يرتبط انخفاض مستوياته بزيادة خطر الإصابة بالأمراض المزمنة وسرطان الخصية وانخفاض متوسط العمر.
وتُظهر هذه الدراسة انخفاضاً متسارعاً بتعداد الحيوانات المنوية بعد عام 2000، وقد يكون السبب في ذلك تغيير نمط الحياة والمواد الكيميائية في البيئة التي تؤثر سلباً على نمو الجنين والتغير المناخي.
اقرأ أيضاً: أمل جديد في علاج ضعف الخصوبة عند البشر
ويعد الانخفاض المثير للقلق في تركيز الحيوانات المنوية لدى الرجال وإجمالي عدد الحيوانات المنوية بنسبة تزيد عن 1% كل عام مؤشراً على تراجع الصحة العامة والإصابة باضطرابات صحية خطيرة، مثل سرطان الخصية والاختلال الهرموني، والعيوب الخلقية في الأعضاء التناسلية وانخفاض الصحة الإنجابية للإناث.
ومن المحتمل أن يؤدي التغير المناخي دوراً سلبياً على خصوبة الرجال، حيث يشير العديد من الدراسات التي أجريت على الحيوانات المنوية إلى أنها تفقد جودتها في البيئات الحارة، فقد وجدت دراسة أجريت عام 2022 ونُشرت في الدورية الإيرانية للصحة العامة أن ارتفاع درجة الحرارة المحيطة بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري أو العمل في بيئة حارة يؤثر سلباً على جودة الحيوانات المنوية، وكذلك وجدت دراسة منشورة عام 2021 في دورية نيتشر (Nature) أن الوصول لحدود الحرارة التي تتحملها ذكور الحيوانات نتيجة الاحتباس الحراري يؤدي إلى تراجع الخصوبة وانقراض بعض الأنواع الاستوائية.
بالمقابل أشارت ورقة بحثية أجراها باحثون من جامعة هارفارد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا عام 2021 إلى أن الوقت لم يفت بعد على إنقاذ خصوبة البشرية، واقترحوا فرضية " التباين الحيوي لعدد الحيوانات المنوية" على أنها طريقة للموازنة ضد فرضية انخفاض عدد الحيوانات المنوية، وقالوا إن افتراض تناسب خصوبة الرجال مع عدد الحيوانات المنوية لا تدعمه أي أدلة متاحة، وتنوع تعداد الحيوانات المنوية الإجمالي وتباينها قد ينشأ عن الفروق بالسن والوزن والعوامل البيئية لدى الرجال.
اقرأ أيضاً: متلازمة الخيمرية: هل يمكن أن ينكر اختبار الحمض النووي نسبك لأبويك؟
كيف يعمل التغير المناخي على تراجع خصوبة النساء؟
يمكن للتغير المناخي أن يؤثر على خصوبة المرأة من خلال التلوث الجوي بصورة أساسية، وعلى الرغم من فصل المصطلحين، لكنهما وجهان لعملة واحدة، ومن أبرز الآثار الصحية للتلوث الهوائي المرتبط بالتغير المناخي الناجم عن النشاط البشري، يُذكر ما يأتي:
- الصداع.
- الدوخة.
- الغثيان.
- الالتهاب الرئوي والتهاب الشعب الهوائية.
- السرطان.
- تراجع خصوبة المرأة وصحتها الإنجابية.
وتتأثر الصحة الإنجابية للمرأة من خلال تعطيل الدورة الشهرية واختلال التوازن الهرموني، حيث تحتوي الملوثات الجوية على مواد كيميائية تُحدث اختلالاً للغدد الصماء (EDCs) وتسمماً تنتج عنه الآثار التالية:
- خلل في الإباضة.
- انخفاض الخصوبة.
- عدم انتظام الدورة الشهرية.
- تراجع جودة البويضات.
- الولادة المبكرة.
- متلازمة موت الرضيع المفاجئ (SIDS).
- سرطانات الجهاز التناسلي.
وتحدث هذه الآثار الصحية بصورة أساسية من خلال الآليات الفيزولوجية التالية:
- ارتباط المواد الكيميائية الملوِثة بمستقبلات الأريل الهيدروكربونية (AhR) أو مستقبلات هرمون الأستروجين (ERs) والإخلال بالاستجابة.
- إحداث الإجهاد التأكسدي وموت الخلايا المبرمج.
- التأثير في مسارات الإشارات البيولوجية، ما يؤثر على الخصوبة.
- التنظيم الأيبيجيني (فوق المورثي)، ويشمل مثيَلة الحمض النووي وتعديل الهيستون.
لا يمكن الجزم بأن التغير المناخي هو السبب الوحيد الذي يُحدث تراجعاً في خصوبة الرجال والنساء، فالمؤشرات المعتمدة ما زالت غير متفق عليها، والتأثيرات البيئية التي يُعزى إليها تراجع الخصوبة غير مدروسة بدرجة كافية. فمثلاً، ثمة دول حرارتها مرتفعة مثل الهند لكنها من أكثر البلدان تعداداً للسكان، والأبحاث مستمرة لكشف الارتباط وآلية عمله.