تقنية جديدة للتعديل الوراثي تتفوق على كريسبر وتفتح الآفاق أمام علاجات وراثية جديدة

الباحثون يكتشفون آلية تعديل وراثي جديدة قد تكون أكثر كفاءة من تكنولوجيا كريسبر
خريطة أنشأها الباحثون باستخدام التصوير بالتجميد الإلكتروني لبروتين فانزور (بالألوان الرمادي والأصفر والأزرق الفاتح والوردي) في بنية معقدة مع جزيئات الرنا أوميغا (باللون الأرجواني) والحمض النووي (DNA) المستهدَف (باللون الأحمر). يبدو الحمض النووي (DNA) غير المستهدف باللون الأزرق. بإذن من مختبر جانغ، معهد برود التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة هارفارد/ معهد ماكغافرن لأبحاث الدماغ في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

اكتشف فريق من الباحثين نظام تعديل حيويّ جديد قد يكون أدق من تكنولوجيا كريسبر (CRISPR) لتعديل المورثات. يعتمد هذا النظام على بروتين يحمل اسم بروتين فانزور (Fanzor protein)، وهو يمثّل أول نظام موجَّه بالحمض النووي الريبي (الرنا) قابل للبرمجة يُكتشف في حقيقيات النوى. وُصف نظام التعديل الوراثي الجديد المعتمد على الرنا في دراسة نُشرت بتاريخ 28 يونيو/ حزيران 2023 في مجلة نيتشر (Nature).

استخدام بروتينات فانزور

تشمل حقيقيات النوى الفطريات والنباتات والحيوانات التي تحتوي خلاياها على النوى. اكتُشفت آلية كريسبر لتعديل المورثات لأول مرة في كائنات تحمل اسم بدائيات النوى، وهي كائنات وحيدة الخلية ولا تحتوي على النوى. قد يؤدي اكتشاف نظام تعديل وراثي كهذا لدى حقيقيات النوى إلى توسيع نطاق تطبيق آليات التعديل الحيوي وربما دقتها أيضاً.

بيّن المؤلفون كيف تستخدم بروتينات فانزور الرنا على أنه دليل لاستهداف الحمض النووي (DNA) بدقة، وكيف يمكن إعادة برمجة هذه البروتينات لتعديل جينوم خلايا البشر. يؤدي الرنا عدة وظائف في الجسم، مثل ترميز المورثات وفك ترميزها وتنظيمها والتعبير عنها. يمكن أيضاً إدخال بروتينات نظام فانزور إلى أنسجة الجسم وخلاياه على أنها علاجات بسهولة أكبر من إدخال أنظمة كريسبر.

آليات قطع الحمض النووي

تبيّن الدراسة الجديدة أن آليات قطع الحمض النووي (الدنا) التي يرشدها الرنا تُطبّق في كل من بدائيات النوى، وحيدات الخلية التي تفتقر إلى النوى، وحقيقيات النوى، متعددة الخلايا التي تحتوي على النوى.

قال عالم الكيمياء الحيوية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا والمؤلف المشارك للدراسة الجديدة، فينغ جانغ، في بيان صحفي: “الأنظمة المعتمدة على آلية كريسبر فعالة ومستخدمة على نطاق واسع لأنها قابلة لإعادة البرمجة بسهولة لاستهداف مواقع مختلفة في الجينوم. يمثّل النظام الجديد طريقة أخرى لإجراء تغييرات دقيقة في الخلايا البشرية، وهو يكمّل أدوات تعديل الجينوم التي نستخدمها بالفعل”.

اقرأ أيضاً: باستخدام تقنية كريسبر: علماء يمنحون الفراشة الملكية قوة خارقة

تطوير الأدوية الوراثية

يتمثّل أحد الأهداف الأساسية لمختبر جانغ في تطوير الأدوية الوراثية التي يمكن استخدامها لتعديل الخلايا البشرية من خلال تحديد المورثات والعمليات الدقيقة التي يجب استهدافها. يحاول الباحثون في هذا المختبر دراسة آليات تتجاوز كريسبر لمعرفة ما إذا كانت الأنظمة الأخرى القابلة للبرمجة بالرنا موجودة في العالم الطبيعي.

يعتمد الفريق في عمله على اكتشاف تم في عام 2021 لفئة من الأنظمة القابلة للبرمجة بالرنا والتي تحمل اسم أوميغا (OMEGA) وتوجد في بدائيات النوى. سلّط هذا البحث الضوء على بعض أوجه التشابه بين أنظمة أوميغا في بدائيات النوى وبروتينات فانزور في حقيقيات النوى، وأشار مؤلفوه إلى أنه من المحتمل أن إنزيمات فانزور تطبّق آلية دليلها الرنا لاستهداف الدنا وقطع سلاسله.

عزل مؤلفو الدراسة الجديدة بروتينات فانزور من أنواع من الفطريات والطحالب والأميبا، ومن نوع شائع من البطلينوس يحمل اسم القواقع الشمالية (Northern Quahog). بيّنت عملية تحديد الخصائص الكيميائية الحيوية لبروتينات فانزور أنها إنزيمات نوكلياز داخلية تقطع الحمض النووي (الدنا) وتستخدم نوعاً من الرنا غير المرمِّز يحمل اسم الرنا أوميغا (ωRNA). يستهدف هذا النوع من الرنا مواقع معينة في الجينوم، ووفقاً للمؤلفين، هذه هي المرة الأولى التي تُكتشف فيها هذه الآلية في حقيقيات النوى مثل البطلينوس.

قال زميل ما بعد الدكتوراة في مختبر جانغ والمؤلف المشارك للدراسة الجديدة، ماكوتو سايتو، في بيان صحفي: “يمكن اعتبار أنظمة أوميغا هذه على أنها أسلاف نظام كريسبر، وهي من بين البروتينات الأكثر وفرة في الأرض. لذلك، فمن المنطقي أنها قادرة على التنقل بين بدائيات النوى وحقيقيات النوى”.

بيّن الفريق، بهدف دراسة قابلية استخدام بروتينات فانزور على أنها أداة لتعديل الجينوم في المستقبل، أن هذه البروتينات قادرة على إجراء عمليات الإدخال والحذف في مواقع الجينوم المستهدفة داخل الخلايا البشرية، تماماً مثل أداة القص واللصق في المستندات. لاحظ الباحثون أن نظام فانزور كان أقل كفاءة في قطع الحمض النووي (DNA) من أنظمة كريسبر في البداية، ولكنهم تمكّنوا من زيادة نشاطه بدرجة كبيرة من خلال إدخال مجموعة متنوعة من الطفرات في البروتينات.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن يساعد التعديل الكيميائي للنباتات على تعافيها من الأضرار؟

وفقاً للفريق، تمكن إعادة برمجة نظام فانزور لاستهداف تكنولوجيا محددة لتعديل الجينوم بهدف إجراء الأبحاث وتطوير العلاجات في المستقبل، تماماً كما تُستخدم الأنظمة الحالية المعتمدة على تكنولوجيا كريسبر. تحتوي الطبيعة أيضاً على المزيد من الأنظمة المماثلة التي لم تُكتشف بعد.

يقول جانغ: “الطبيعة مذهلة. وهي تتمتع بتنوّع كبير. من المرجّح أن يكون هناك المزيد من الأنظمة القابلة للبرمجة بالرنا، ونحن نواصل البحث ونأمل أن نكتشف المزيد”.