كيف يمكن أن يساعد التعديل الكيميائي للنباتات على تعافيها من الأضرار؟

4 دقائق
تعديل النباتات كيميائياً قد يساعدها في التعافي بسرعة أكبر
تم تعديل نبتة «رشاد ذيل الفأر» وراثياً، وهي نبتة تُستخدم كثيراً في الأبحاث، بهدف إطالة قدرتها على تجديد نفسها. حقوق الصورة: ديبوزيت فوتوز.

كما يمكن أن يؤكّد العديد من هواة الحدائق، فإن قدرة بعض النباتات على إعادة إنماء أجزاء من نفسها هو أمر مذهل. يمكن أن يؤدي قطع جزء من الساق ووضعه في كوب من الماء إلى الحصول على نبات جديد تماماً. لكن على المستوى الميكروبيولوجي، وجد علماء النبات أن النباتات يمكن أن تستجيب للتعرّض للقطع بطريقتين: التجديد والدفاع. تستكشف دراسة جديدة نُشرت في دورية «ديفيلوبمينتال سيل» ما إذا كان يمكن تحفيز النباتات على التجدد بدلاً من الدفاع للمساعدة في تعزيز النمو السريع.   

عندما تتعرض النباتات للضرر بطريقة ما، يمكنها أن ترمم نفسها أو تدافع عن نفسها بعدة طرق باستخدام المواد الكيميائية فيها. لكن كما أشار مؤلفو الدراسة الجديدة، فإن هاتين الاستجابتين متشابهتان. على سبيل المثال، يمكن لنبتة إما إعادة إنماء أحد أطرافها أو حماية نفسها عن طريق إنتاج السموم التي تنفّر الحيوانات.   

لاكتشاف ما إذا كان هذان التفاعلان يحدثان بشكل تسلسلي أو ما إذا كان الدفاع يحصل دائماً قبل التجديد، حاول الباحثون التلاعب بالنبات كيميائياً لتوجيه استجابته باتجاه واحد. من خلال التلاعب بالاستجابات الكيميائية، حاول الباحثون إطالة المدة التي يخصصها نبات «رشاد ذيل الفأر» ونبات الذرة للتجديد. 

ما هي الآلية التي تحدد رد فعل النبات؟

وفقاً لـ «كينيث بيرنباوم»، أستاذ علم الأحياء في جامعة نيويورك، وأحد مؤلفي الدراسة الجديدة، بدأ العمل ببعض الأسئلة الأساسية. كيف يعرف النبات أنه مصاب؟ وما هي الخطوات الأولى التي تربط الإصابة بالتجدد؟ لمعالجة هذه الاستفسارات، ركز فريق بيرنباوم على الحمض النووي للنبات لمعرفة كيف كان يتغير في الساعات القليلة الأولى بعد تعرضه للإصابة.    

من خلال التركيز على ثنائيات الفلقة، وهي مجموعة نباتية ذات سيقان مثل نبات رشاد ذيل الفأر وأحاديات الفلقة، والتي لها ساق واحد مثل الذرة، تمكن فريق العلماء من تقديم نتائج تعود لطائفتين رئيسيتين من النباتات. بدأ الباحثون بنبات رشاد ذيل الفأر، وهو نبات قادر على التجديد يستخدمه علماء الأحياء المجهرية بكثرة (كان هذا النبات أول نبات تتم سلسلة جينومه بالكامل). وفقاً لـ «ليفين دي فيلدر»، أستاذ التكنولوجيا الحيوية النباتية في جامعة غينت في بلجيكا، والذي لم يشارك في الدراسة، إن جذور هذا النبات رقيقة وشفافة ومتباعدة، ما يسهل دراسته.  

وجد بيرنباوم أن البروتينات الشبيهة بمستقبلات الغلوتامات، والموجودة في هذا النبات بدأت في تجهيز نفسها للدفاع، كما لو كانت تستعد للمعركة، حسب تعبيره. تستشعر هذه الجزيئات، والتي تشبه مستقبلات الغلوتامات الموجودة في الدماغ البشري، الأحماض الأمينية بهدف بدء عملية الاستقلاب وعمليات أخرى. تمد هذه الجزيئات أيضاً النظام الدفاعي للنبات بالطاقة اللازمة عند تعرضه لإصابة.  

تعمل البروتينات الشبيهة بمستقبلات الغلوتامات في النباتات عن طريق غمر الخلايا بالكالسيوم، ما ينبّه النبات للتصرف بسرعة عندما يتم اختراق دفاعه بواسطة مسببات الأمراض مثل البكتيريا أو الفطريات. بينما اعتقد الباحثون في البداية أن الكالسيوم كان يرسل إشارات للخلايا لبدء التجدد، وجدوا أن التعليمات التي تصل للخلايا تفيد بتعزيز الدفاعات. 

يقول بيرنباوم إنهم افترضوا سابقاً أن كلا الاستجابتين مرتبطتان ارتباطاً وثيقاً ببعضهما بعضاً. لكن من خلال التلاعب بالمستقبلات في هذه الدراسة، وجد الباحثون أن النباتات يمكنها بالفعل فصل هذين التفاعلين.  

لاختبار ذلك، قام الباحثون بتنشيط المستقبلات من خلال عمليتين مختلفتين. تضمنت إحدى الطرق استخدام مستقبلات تم التلاعب بها وراثياً يعمل عليها «خوسيه فيجو» من جامعة ماريلاند. قارن الباحثون استجابة النباتات العادية للإصابات بالعينات التي تم تعديل 4 من مورثاتها البروتينية الشبيهة بمستقبلات الغلوتامات بطريقة تجعل التفاعلات مثبّطة. نتيجة لذلك، أظهر النبات «الطافر الرباعي» زيادة في التجدد.    

يقول بيرنباوم إن العمل باستخدام الطفرات الوراثية يأتي مصحوباً بعدد كبير من الأشياء المجهولة. لتأكيد النتائج التي توصلوا إليها، استخدم الفريق علاجاً كيميائياً مقتبساً من أبحاث علم الأحياء العصبي البشري لتثبيط استجابات مستقبلات النبات.  

اقرأ أيضاً: لماذا تنمو النباتات بشكل مستقيم؟

تفاعل العلاج الكيميائي مع المستقبلات

وجد بيرنباوم أنه من خلال منع المستقبلات من إرسال الكالسيوم كيميائياً، تمكّن الباحثون من تقليل الاستجابة الدفاعية وزيادة استجابة التجديد لفترة قصيرة. تمكن الباحثون من مضاعفة مدة التجديد في كلا نوعي النبات في الدراسة. تم قياس نجاح التجديد باختبارات مثل القدرة على إعادة إنماء الجذور أو بنى من الخلايا الجذعية تسمى «الكالس».  

لكن الاختبار الأكبر كان لمعرفة ما إذا كان تثبيط المستقبلات سيعمل على كل من أحاديات وثنائيات الفلقة. يقول بيرنباوم: «لدهشتنا، كان التثبيط يعمل بشكل جيد في كلا الطائفتين». بالنسبة له، هذا يعني أن إشارات الدفاع تعمل بنفس الطريقة عبر أنواع النباتات. يضيف بيرنباوم: «يبدو الأمر وكأننا وجدنا سمة محفوظة عبر البشر والطيور على سبيل المثال».   

اقرأ أيضاً: كيف يؤثر تلوث الهواء على إنتاج النباتات وأمننا الغذائي؟

ما هي التطبيقات المحتملة لهذه الطريقة؟

من الناحية النظرية، يمكن استخدام القدرة على زيادة التجدد لتعزيز قدرة المحاصيل الأساسية على مقاومة تغير المناخ. يقول بيرنباوم إنه نظراً لأن نسبة كبيرة من المحاصيل مثل الذرة أو السكر معدلة وراثياً بالفعل، فستكون هذه طريقة أخرى لتعديلها بهدف جعلها أكثر مقاومة.  

المشكلة هي أن بعض أهم المحاصيل مثل الذرة والذرة الرفيعة سيئة نسبياً في التجدد. إن زيادة مدة التجديد لتلك النباتات ستسمح لها بزيادة قدرتها على التجديد في حالة تعرضها لمزيد من الضرر. 

يشير دي فيلدر إلى أن هناك العديد من الأسباب المحتملة التي تجعل الذرة أضعف في إعادة التجديد، ومنها الاختلافات في التركيب الكيميائي للخلايا، وهو أمر قد يجعل التجديد أصعب. بالمقارنة مع الأشجار، يقول دي فيلدر إن هناك العديد من الأنواع التي لا يمكن أن تتجدد بعد إصابتها بجروح. إذا تغير ذلك، فمن المحتمل أن يجني البشر العديد من الفوائد، مثل زيادة التنوع الحيوي، وزيادة المحاصيل، وزيادة الأمن الغذائي، وزيادة كفاءة احتجاز الكربون.   

لكن يحذر دي فيلدر أيضاً من التسرّع في الحكم، خاصة فيما يتعلق بتعميم هذه النتائج على أنواع أخرى من المحاصيل. يقول دي فيلدر: «يحاول معظم الناس فقط فهم المكونات التي نحتاجها للابتكار»، ويضيف: «أعتقد أن البحث في هذا المجال لا يزال حديثاً. يجب علينا أولاً التأكد من النتائج قبل تطبيقها على المحاصيل».   

المحتوى محمي