الدول العربية تتبنى تقنية استمطار السحب بهدف مكافحة الجفاف

5 دقائق
الدول العربية تتبنى تقنية استمطار السحب بهدف مكافحة الجفاف
حقوق الصورة: شترستوك.

أدت التغيرات المناخية التي تشهدها الأرض إلى شح بمصادر المياه العذبة على الكوكب، لذلك باتت الدول من حول العالم تتبنى تقنية تعتمد على إطلاق مواد كيميائية على السحب، تحفزها على هطول المطر؛ تسمى هذه العملية بتقنية "استمطار السحب". ومع ارتفاع درجات الحرارة العالمية، تبنت الدول العربية التي تعاني من الجفاف هذه التقنية أيضاً. 

ما المقصود باستمطار السحب؟

تتكون السحب من قطرات ماء صغيرة أو بلورات ثلجية تتشكل عندما يبرد بخار الماء في الغلاف الجوي ويتكثف حول جزيء من الغبار أو الملح. بدون هذه الجزيئات، المعروفة باسم "نوى التكثيف"، لا يمكن أن تتشكل قطرات المطر أو بلورات الثلج ولن تهطل على الأرض.

تقنية استمطار السحب هي تقنية لتعديل الطقس، تعمل على تحسين قدرة السحابة على إنتاج المطر أو الثلج عن طريق إضافة نوى تكثيف مصطنعة إلى الغلاف الجوي، ما يوفر أساساً لتكوين بلورات الثلج أو قطرات المطر. بعد ذلك، تتساقط الأمطار أو الثلوج من السحب إلى سطح الأرض.

مُبتَكِر تقنية استمطار السحب والمواد المستخدمة فيها

أجرى الكيميائي وعالم الأرصاد الجوية الأميركي "فينسينت جيه شايفر" التجارب الأولى للاستمطار السحابي عام 1946، فقد وجد أن إضافة حبيبات صغيرة من ثاني أكسيد الكربون الصلب المُسمى بـ "الثلج الجاف" إلى المجمِّد الذي يحتوي على قطرات ماء فائقة التبريد أدى إلى تكاثر بلورات الجليد، وأسقط شايفر الجليد الجاف المسحوق من طائرة في سحب طبقات فائقة التبريد، ما أدى إلى تساقط شلالات طويلة من الثلج من قاعدة السحابة.

ومنذ ذلك الحين، توالت التجارب لتحديد الطريقة الأمثل ومادة نوى التكثيف الأكثر فعالية، فقد تم إجراء الاستمطار بواسطة الطائرات والصواريخ والمدافع والمولدات الأرضية. وتمت تجربة العديد من المواد، بالإضافة إلى الجليد الجاف، ومنها يوديد الفضة (AgI) الذي جرب استخدامه لأول مرة في المختبر عالم الغلاف الجوي "برنارد فونيغوت"، وثبُت لاحقاً أنه الأكثر فعالية في تكوين بلورات الجليد عند استخدامه في السحب الحاوية على قطرات ماء لها درجات حرارة أقل من درجة التجمد. يوجد يوديد الفضة في البيئة بتراكيز منخفضة، ولا يُعرف له ضرر على الإنسان أو الحياة البرية.

في السحب التي تزيد درجات حرارتها عن درجة التجمد، توفر جزيئات كلوريد الكالسيوم (CaCl2) نوى التكثيف التي تتشكل حولها قطرات المطر. وقد بُذلت محاولات لاستخدام هذه المواد في عمليات الاستمطار السحابي التي تقلل من الأضرار التي قد تلحق بالمحاصيل والمباني.

كيف تحدث عملية استمطار السحب؟

الدول العربية تتبنى تقنية استمطار السحب بهدف مكافحة الجفاف
حقوق الصورة: شترستوك.

يمكن استمطار السحب بإحدى الطريقتين: المولدات الأرضية أو الطائرات. مهما كانت الطريقة المُتَبعة، نحتاج إلى نوى تكثيف، والتي غالباً ما تكون مركب يوديد الفضة في السحب الباردة.

عندما تهب الرياح في المنطقة المراد استمطار السحب فيها، يُحرق محلول يحتوي على كمية صغيرة من يوديد الفضة من المولدات الأرضية أو يُطلق من الطائرات. يصل المركب إلى السحابة، ويعمل كنواة تكثيف للمساعدة في تكوين بلورات الثلج.

تُطبّق عملية استمطار السحب بشكل عام خلال أشهر فصل الشتاء، في وقت هبوب الرياح، وعلى الغيوم الباردة. يراقب عادةً خبراء الأرصاد الجوية الطقس عبر الأقمار الاصطناعية طوال الموسم لمعرفة الظروف المناسبة لاستمطار السحب. أي أن عملية الاستمطار تتطلب نوعاً مناسباً من السحب ذات رطوبة كافية ودرجة حرارة مناسبة وظروف رياح مواتية.

بالإضافة إلى ذلك، لا يحدث استمطار السحب في الأوقات التي يشكل فيها هطول الأمطار مشكلة، مثل الأوقات التي ترتفع فيها خطورة حدوث الفيضانات أو أثناء فترات السفر في العطلات المزدحمة.

كان ذلك في السحب الرطبة، لكن ماذا عن السحب في المناطق الدافئة والجافة؟ في هذه الحالة تُستَخدم مواد مثل جزيئات الملح (كلوريد البوتاسيوم وكلوريد الصوديوم). تمتص هذه الجسيمات بخار الماء، وتصبح أكبر لتتساقط بشكل أسرع.

فعالية تقنية استمطار السحب

منذ ابتكار تقنية استمطار السحب في الأربعينيات من القرن الماضي، استمرت جهود الباحثين الرامية لتطبيقها خارج حدود المختبرات، لكن لم يكن لديهم الأدوات المناسبة لقياس حجم قطرات الماء في السحب في الوقت الفعلي، لذلك لم يكونوا متأكدين من فعالية التقنية، لكنها أثبتت فعاليتها في الطبيعة قبل بضع سنوات فقط، وأصبحت تُستخدم تقنية استمطار السحب كطريقة لتعزيز تساقط الثلوج في فصل الشتاء وزيادة كتلته في الجبال، ما يكمل إمدادات المياه الطبيعية المتاحة لمجتمعات المنطقة المحيطة. 

تختلف فعالية التقنية من مكان إلى آخر في العالم، ولكن ثبت أنها تزيد من الكتلة الثلجية الإجمالية في المناطق المستهدفة بنسبة 10% أو أكثر سنوياً، كما حدث فوق جبال نيفادا الأميركية وأجزاء أخرى من العالم. وفي أستراليا، فقد أدى أحد مشاريع الاستمطار لمدة 5 سنوات إلى زيادة تساقط الثلوج بنسبة 14% في منطقة المشروع. وقد ازداد تساقط الثلوج بفعل الاستمطار بنسبة 15% عند تطبيقه في كل من "وايومنغ" ومنطقة غرب مونتانا الأميركيتين أيضاً. 

تبدو هذه النتائج مشجعة، لكن يرى بعض الخبراء أن هذه التقنية لم تصل بعد إلى المستوى المطلوب، ومن غير المعروف حتى الآن ما إذا كان هذا النهج اقتصادياً، وكافياً لتأمين حاجة بعض المناطق من الماء. 

اقرأ أيضاً: بكتيريا الغلاف الجوي قد تحفز هطول الأمطار

تجارب الدول العربية في استمطار السحب

دفع الجفاف وقلة هطول الأمطار وتزايد الطلب على المياه حكومات بعض الدول العربية إلى تبني تقنيات استمطار السحب اصطناعياً، من بين هذه الدول: 

الإمارات العربية المتحدة 

تدرك الإمارات العربية المتحدة ضرورة تطوير علم الاستمطار في الدولة، واستغلاله بما فيه منفعة لها، لذلك كانت من أوائل الدول في منطقة الخليج العربي التي لجأت إلى استخدام أحدث الاستراتيجيات والتقنيات المبتكرة والإمكانات المتوفرة على مستوى عالمي. وبدأت تُجري الأبحاث المتعلقة بالاستمطار في المركز الوطني للأرصاد الجوية والزلازل.

تعتمد الإمارات على الطائرات والمولدات الأرضية في تجاربها، وتستخدم الأملاح الطبيعية غير الضارة، مثل كلوريد البوتاسيوم وكلوريد الصوديوم كنوى للتكثيف. عززت عمليات الاستمطار في الإمارات هطول الأمطار بنسبة 10 إلى 25%، وشهدت نهاية عام 2021 وبداية عام 2022 أعلى كمية مسجلة لهطول الأمطار في الدولة بفضل هذه التقنية، وتتطلع الدولة حالياً إلى الذكاء الاصطناعي، والجزيئات النانوية لمضاعفة الهطول 3 مرات.

تتركز معظم عمليات استمطار الإمارات في المناطق الجبلية والشرقية بسبب تكرار تكوّن السحب الركامية على طول السلاسل الجبلية، وهو الحال ذاته لدى المولدات الأرضية التي يتم وضعها على قمم الجبال، نظراً لكون القمم موقعاً رئيسياً لالتقاء التيارات الهوائية المتجهة من الشرق والغرب.

المملكة العربية السعودية

تعاني المملكة العربية السعودية من ندرة المياه، حيث لا يوجد فيها أنهار أو بحيرات دائمة، كما أن معدل هطول الأمطار فيها قليل جداً، وتعتمد بشكل كبير على المياه الجوفية ومياه البحر المحلاة لتلبية الطلب المتزايد على المياه العذبة، لذلك ترى في تقنية استمطار السحب أحد الحلول الواعدة في المملكة.

في بداية عام 2020، أصدر مجلس الوزراء السعودي، قراراً بالموافقة على برنامج استمطار السحب صناعياً، ومن المتوقع أن يبدأ البرنامج الوطني للمطر الاصطناعي التابع لمبادرة "السعودية الخضراء" هذا العام 2022، ويستمر لمدة 5 سنوات، بهدف زيادة هطول الأمطار بنسبة تصل إلى 20% عن المعدل الحالي الذي لا يتجاوز 100 ميلي متر سنوياً.

ولكون السحب جافة في السعودية مثل الإمارات، ستتبع المملكة تقنية استمطار السحب باستخدام مشاعل الملح (كلوريد البوتاسيوم، وكلوريد الصوديوم، والمغنيسيوم) لاستهداف أنواع معينة من السحب وتحفيز هطول الأمطار.

المغرب العربي

دفع الجفاف أيضاً حكومة المغرب لتطبيق الاستمطار الصناعي، وقد اختِيرت منطقة الأطلس، وسط البلاد، لتنفيذ هذه العملية عبر 3 مناطق هي بني ملال والحاجب وأزيلال (في الأطلس المتوسط)، على اعتبار أنها تشهد تشكل السحب المناسبة للعملية.

ومن المخطط أن يُطلق المغرب برنامج "الغيث" الهادف إلى رفع نسبة الأمطار أو الثلوج باستعمال تقنية استمطار السحب، في إطار سعي الحكومة لإيجاد حلول بديلة لشح التساقطات المطرية التي تعرفها المملكة. وسيستمر البرنامج إلى أبريل/ نيسان من كل سنة، وتستعمل فيه مادة يوديد الفضة بالنسبة للسحب الباردة التي تقل فيها الحرارة عن 5 درجات تحت الصفر، وملح كلوريد الصوديوم بالنسبة للسحب الدافئة.

أيضاً، كان لدول عربية أخرى تجربتها في مجال الاستمطار الاصطناعي للسحب، ففي مصر على سبيل المثال، تم تطبيق التقنية بالاستعانة بتقنيات ألمانية، بينما استعانت الأردن بتقنيات تايلندية.  

المحتوى محمي