ما هي فرضية الشجرة الأم؟ وكيف يمكن الاستفادة من تأثيراتها المحتملة في إنعاش النظم البيئية؟

ما هي فرضية الشجرة الأم؟ وكيف يمكن الاستفادة من تأثيراتها المحتملة في إنعاش النظم البيئية؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ KhunYing
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تؤكد سلسلة من الدراسات أُجريت خلال العقود الثلاثة الماضية أن الأشجار الكبيرة والقديمة في غابات مقاطعة كولومبيا البريطانية؛ التي تسببت الحرائق الأخيرة فيها بانبعاث الدخان وعبوره الحدود وخفوت الضوء في سماء الصيف الزرقاء، ترسل المياه والمغذيات إلى الشتلات من حولها، وأنها “تربّي” صغارها.

تبدو هذا الفكرة وكأنها مستوحاة من حكايات الأطفال عن الأشجار القديمة والغابات المسحورة التي ترعاها هذه الأشجار، وتهدف إلى تأكيد صحة المعتقدات حول الأنواع المختلفة من الكائنات التي ترعى صغارها والدفاع عن الفكرة التي تنص على أن الخير كامن في الطبيعة؛ حيث يتغلّب التعاون بين الكائنات على المنافسة بينهم.

لكن شكك العلماء في ورقتين بحثيتين نُشرتا مؤخراً في الأدلة التي تدعم فرضية “الشجرة الأم” هذه. هل تؤدي هذه الأشجار القديمة دور الرُّعاة بالنسبة إلى الأجيال الجديدة وتحميها من الجفاف والأمراض؟ أم أن العلاقة بين الأشجار القديمة والجديدة أعقد من ذلك بكثير؟

اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن يساعد التعديل الكيميائي للنباتات على تعافيها من الأضرار؟

ما هي “الشجرة الأم”؟

ابتكرت العالمة الكندية، سوزان سيمارد التي نشأت في عائلة من الحطابين في جبال موناشي في مقاطعة كولومبيا البريطانية، مصطلح “الشجرة الأم” في العقد الأول من القرن الجاري. دعمت الغابات البدائية في سلسلة جبال موناشي الكندية إنشاء قطاع مزدهر للأخشاب الصناعية لأكثر من قرن.

وتصف سيمارد في كتابها بعنوان “إيجاد الشجرة الأم” (Finding the Mother Tree) طفولتها التي قضتها في التجول عبر الغابة؛ ما ساعدها على التوصل إلى فهم عميق للروابط الحميمية بين الأشجار المسنة مثل تنُّوب دوغلاس والصنوبر الثقيل الخشب والنظم البيئية التي تعيش فيها. درست سيمارد الغابات في وقت لاحق، وعملت باحثة في وزارة الغابات الكندية، وهي الآن تدرّس في جامعة بريتش كولومبيا وتدير مختبراً فيها.

قادتها تجارب طفولتها والعقود من إجراء الأبحاث العلمية إلى تكوين ارتباط ثوريّ إلى حد ما في مجال إدارة الغابات وطريقة التفكير التقليدية في مجال علم الأحياء، التي تنص على أن الأنواع يجب أن تتنافس من أجل البقاء. اقترحت سيمارد أن الأشجار الكبيرة التي يبلغ عمرها مئات أو حتى آلاف السنين ترسل المغذيات والمياه لصغارها عبر شبكة من الفطريات تحت الأرضية. تصف سيمارد هذه الأشجار بأنها “أمهات” في كتاباتها ومقابلاتها، وتجادل بأنها تؤدي دوراً مهماً في حماية غابات العالم من التغيّر المناخي.

قالت سيمارد في إحدى جلسات تيد في عام 2016: “يجب علينا إنقاذ هذا الإرث؛ أي الأشجار الأم والشبكات والخشب والمورثات، وذلك حتى تتمكن هذه الأشجار من نقل حكمتها إلى الجيل التالي من الأشجار؛ ما سيمكّنها من تحمّل الضغوط المستقبلية. يجب علينا أن نحافظ على البيئة”.

ماذا تقول الأدلة العلمية؟

يحذر بعض الباحثين في مجال الغابات من غياب الأدلة العلمية على فرضية الشجرة الأم. راجع العلماء في ورقة بحثية نُشرت في فبراير/ شباط 2023 في مجلة “نيتشر إيكولوجي آند إيفولوشن” (Nature Ecology & Evolution)، 26 دراسة نظرت في قدرة الشبكات الفطرية تحت الأرضية على نقل الموارد، وما إذا كانت الأشجار الأم ترسل الموارد إلى صغارها.

غطت الدراسات عدة قارات وشملت أنواعاً مختلفة من الغابات والتربة، وقد اعتمد بعضها على طريقة التصميم التجريبي (إجراء الأبحاث على نحو موضوعي ومضبوط بما يضمن التوصل إلى أدق نتائج ممكنة واستخلاص استنتاجات محددة فيما يتعلق بالفرضيات المدروسة). وجد المؤلفون أن الأشجار الكبيرة والمسنة لم توفّر أي فوائد للأشجار المحيطة بها في نحو 80% من الدراسات، وبيّنت النتائج أن الشتلات استفادت من هذه الأشجار في 18% من الدراسات؛ بينما أضرت الأشجار الكبيرة والمسنة بالشتلات في مجموعة جزئية صغيرة من الدراسات.

اقرأ أيضاً: ماذا سيحدث للمناخ إذا استبدلت مزارع الماشية بالغابات؟

تقول المؤلفة الرئيسية للورقة البحثية والأستاذة في جامعة ألبرتا، جاستين كارست: “تؤدي الأشجار الكبيرة الكثير من الأدوار البيئية المهمة في الغابة؛ ولكن لا توجد أدلة علمية حقيقية تدعم الفكرة المروَّجة المتعلقة بدورها وكيف تعمل مع الفطريات التي تؤدي دور قنوات مستترة في التربة وتتصرف بإرشاد من الأشجار”.

يكمن جزء من المشكلة في أن نتائج الدراسات الـ 26 متفاوتة للغاية؛ ما يجعل استخلاص الاستنتاجات حول الأشجار الأم، أو الأشجار القديمة الكبيرة كما تفضّل كارست تسميتها، صعباً عموماً.

تقول كارست: “تتضمن العوامل وراء تفاوت النتائج اختلاف الغابات التي أُجريت فيها التجارب وبعد الشتلات عن الأشجار الناضجة ونوع البذور أو نوع التربة، وما إذا كانت هناك وفيات في الطبقات العليا من الغابات. هناك الكثير من الخصائص الخفية لدرجة أن صياغة التعميمات مستحيلة، وسبب التفاوت في النتائج هو أمر علينا أن نفهمه في المستقبل”.

وفقاً لعالمة بيئة التربة في مَشجَر مورتون، ميغان ميدجلي التي لم تشارك في دراسة المراجعة الجديدة؛ تتمثل إحدى المشكلات الأخرى في أن أغلبية الأبحاث التي تدعم نظرية الشجرة الأم أُجريت في المختبرات. تقول ميدجلي: “لم نتمكن من رصد ظاهرة الشجرة الأم في الغابات؛ حيث نرغب بالفعل في رؤية هذا النوع من العلاقات بين النباتات”.

من المحتمل أن العلماء انحازوا إلى هذه الفكرة لأنها جذابة للغاية. تقول كارست: “هناك تفسيرات بديلة لم تؤخذ في الاعتبار في الدراسات التي راجعناها”. على سبيل المثال؛ يعزّز أحد التصميمات التجريبية الشائعة الذي يعتمد على استخدام كيس شبكي أنواعاً مختلفة من نمو الفطريات ما قد يؤدي إلى توليد نتائج منحازة.

تواصل موقع “بوبساي” (PopSci) مع “سيمارد” (Simard) و”مشروع الشجرة الأم” (The Mother Tree Project) لطرح أسئلة حول هذه الشكوك العلمية لكنه لم يتلقَّ رداً بحلول وقت نشر هذا المقال.

ما الدور الذي تؤديه الفطريات؟

أحد جوانب الجدل حول فرضية الشجرة الأم الذي يتفق عليه الخبراء هو أن العلاقة بين الفطريات والأشجار فريدة. تدرس ميدجلي هذه المجموعة الجزئية التكافلية من الكائنات الحية التي تنمو على نظام جذور الأشجار وتساعدها على الوصول إلى المياه والمغذيات في أعماق التربة. في المقابل، تحصل الفطريات من هذه العلاقة على الكربون الذي لا تستطيع تركيبه بنفسها. تقول ميدجلي: “تشكّل الأشجار علاقة مع الفطريات في مختلف أنحاء العالم، من المناطق الاستوائية إلى الغابات الشمالية، واستمرت هذه العلاقة خلال أغلبية التاريخ التطوري.

لهذه الفطريات التعاونية تأثير مفيد للنباتات عموماً، وتبين المئات من الدراسات أن جودة نمو النباتات ترتفع بوجود الفطريات وتنخفض بغيابها. يبين بعض الأدلة أيضاً أن الفطريات يمكن أن تحمي النباتات من مسببات الأمراض تحت الأرضية أو من اللافقاريات تحت الأرضية التي تتغذّى عليها؛ لذلك تؤدي الفطريات مجموعة متنوعة من الأدوار التي تفيد النبات”.

اقرأ أيضاً: فطريات تقتات على حرائق الغابات تثير فضول العلماء

على ضوء هذه المعلومات، قد تأخذ الجهات التي تدير الغابات الاستفادة من الفطريات والأشجار الكبيرة القديمة في الاعتبار عند ترميم الأنظمة البيئية بعد الحرائق الهائلة. مع ذلك، تقول ميدجلي إنه لا يوجد حالياً ما يكفي من الأدلة العلمية التي تبين فعالية بعض الاستراتيجيات المحددة؛ مثل إدخال الفطريات في الغابات التي تضررت بسبب الحرائق.

تقترح ميدجلي وكارست إجراء المزيد من الأبحاث التي من شأنها أن تساعد العلماء على فهم التفاوتات بين الأشجار الناضجة وعلاقاتها بالفطريات والنباتات الأخرى في الغابات. تقول كارست: “لماذا تُظهر الشتلات استجابة إيجابية للأشجار الأكبر سناً أحياناً واستجابة سلبية في أحيان أخرى؟ ولماذا لا تتأثر أبداً أحياناً؟ لا نعلم أجوبة هذه الأسئلة ولكني أعتقد أنه من الضروري الإجابة عنها”.