ما هي الأمواج الثقالية التي تنبأ بها أينشتاين منذ أكثر من 100 عام؟

ما هي الأمواج الثقالية التي تنبأ بها أينشتاين منذ أكثر من 100 عام؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Festa
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

منذ ما يقارب 100 عام، تنبأ ألبرت أينشتاين في نظرية النسبية العامة عام 1916، بوجود تموجات في نسيج الزمكان، سُميت بالأمواج الثقالية (Gravitational waves). وقد افترض أينشتاين أن هذه التموجات تنتج عن أحداث أو كوارث كونية شديدة القوة، وتكون صغيرة جداً ويكاد يكون من المستحيل اكتشافها.

ومع ذلك، لا مستحيل مع العلم. ففي عام 2016، استطاع فريق من الباحثين رصد تموجات الأمواج الثقالية، مؤكدين بالتالي النظرية النسبية العامة لأينشتاين، وممهدين الطريق لمشاهدة الكون بطريقة جديدة. وسنحاول في هذا المقال أن نشرح الجاذبية والأمواج الثقالية بأبسط طريقة ممكنة.

اقرأ أيضاً: تعرّف إلى مكونات الطيف الكهرومغناطيسي

العلاقة بين الجاذبية والأمواج الثقالية

بدايةً ولتوضيح الفكرة جيداً لا بُدّ من العودة قليلاً في الزمن إلى مفهوم الجاذبية أساساً. ففي عام 1687، نشر عالم الرياضيات والفيزياء الإنجليزي السير إسحق نيوتن نظريته عن الجاذبية، التي أثبتت أن قوة الجاذبية بين جسمين تتناسب طرداً مع كتلتيهما، وعكساً مع مربع المسافة بينهما. يعني هذا أنه كلما زادت كتلة الأجسام واقتربت من بعضها بعضاً، زادت قوة الجاذبية التي تؤثر فيها على بعضها بعضاً.

ومع ذلك، وعلى الرغم من أن نظرية نيوتن صحيحة، فثمة بعض الأسئلة البسيطة التي لم تستطع أن تجيب عنها، فهي تخبرنا عن مقدار قوة الجاذبية التي يمارسها جسمان على بعضهما بعضاً، ولكنها لم تأخذ بعين الاعتبار اتجاه القوة بين الأجسام، أي هل يتحركان تجاه بعضهما بعضاً أم بعيداً عن بعضهم بعضاً؟ ولا تشرح أيضاً من أين أتت الجاذبية من الأساس. بالمختصر، يمكننا أن نستنتج أن هناك شيئاً مفقوداً في نظرية نيوتن.

اقرأ أيضاً: لماذا توجد الجاذبية؟

ثم جاء أينشتاين، ونشر عام 1915 نظرية جديدة عن الجاذبية تسمى النظرية النسبية العامة، حيث نظر إلى الجاذبية بطريقة مختلفة تماماً، وقدم حلولاً للأسئلة التي عجزت نظرية نيوتن عن تفسيرها. والآن، وإذا أردنا تبسيط فكرة أينشتاين عن الجاذبية، فلنتخيل لعبة الترامبولين المطاطية، تلك التي يحب الأطفال القفز عليها. من المفهوم أنك إذا وضعت كرة مطاطية صغيرة على طرف الترامبولين فإنها تبقى ثابتة، أما وفي حال وضعت كرة بولينغ ثقيلة وكبيرة في وسط الترامبولين فإن الكرة المطاطية الصغيرة سوف تتحرك باتجاه كرة البولينغ، لماذا؟

العلاقة بين الجاذبية والأمواج الثقالية
حقوق الصورة: shutterstock.com/ vchal

اقرأ أيضاً: كيف يتم قياس سرعة الضوء؟

لأن كرة البولينغ الكبيرة التي وضعت وسط الترامبولين قد جعلت نسيجه أو شبكته تنحني، أي أنها شوّهت المساحة التي تشغلها من الترامبولين بطريقة جعلت الكرة المطاطية الصغيرة تتحرك حول كرة البولينغ وفق حركة دائرية، كما لو كانت تنجذب إليها. إذاً، يمكن القول إنه ووفقاً لنظرية أينشتاين، فإن وجود أي جسم بكتلة ضخمة سوف يشوّه المساحة المحيطة به بطريقة تخلق جاذبية بين الكتل المحيطة به.

تجيب نظرية أينشتاين عن السؤال الذي لم يستطع نيوتن الإجابة عنه وهو لماذا وكيف تخلق الجاذبية قوة جاذبة؟ كما أنه حل المشكلة المتعلقة بالزمن (حيث لم تستطع نظرية نيوتن تفسير الزمن الذي ينقضي ما بين حصول الحدث ورصده) لأن النظرية النسبية تأخذ سرعة الضوء في الاعتبار. ومن التنبؤات الأساسية لنظرية النسبية العامة هي أن الجاذبية تسبب تشكل أمواج ثقالية. وهنا نبدأ من جديد.

ما هي الأمواج الثقالية؟

حسناً، تخيل أن الكون هو ترامبولين هائل الحجم، سيكون الزمكان هو النسيج أو الشبكة الذي يحمل كل شيء، والزمكان هو دمج لمفهومي المكان والزمان، وهو الفضاء بأبعاده الأربعة أي الطول والعرض والارتفاع والزمن، بالتالي فإن أي جسم ذي كتلة سوف يؤدي إلى انحناء نسيج الزمكان، وكلما زادت كتلة الأجسام كان الانحناء في النسيج أكبر.

والآن، وفي حال تحرك جسمان فائقا الكتلة بشكل متسارع حول بعضهما بعضاً، سوف تتشكل تموجات أو اضطرابات في نسيج الزمكان، وسوف تنتشر من المركز نحو الخارج. هذه هي الأمواج الثقالية. يمكن تشبيه الأمر برمي حجر في بحيرة هادئة، ما يسبب تشكّل تموجات تتحرك على سطح الماء من المركز إلى الخارج، وذلك حتى عندما يكون الحجر قد استقر أساساً في قاع البحيرة.

الأمواج الثقالية: تموجات نسيج الزمكان الناتجة عن دوران ثقبين أسودين
حقوق الصورة: shutterstock.com/ zombiu26

لكن وبما أن الجاذبية هي قوة ضعيفة جداً بالنسبة لبقية القوى الموجودة في الكون، لذلك فحتى يتم تشكيل أمواج ثقالية قابلة للرصد، ينبغي أن تتحرك أجسام فائقة الكتلة بسرعة هائلة جداً حول بعضهما (أو تتباطأ الأجسام فائقة الكتلة في الفضاء) مثل دوران نجمين نيوترونين حول بعضهما بعضاً، أو اصطدام ثقبين أسودين، أو انفجار نجم هائل كمستعر أعظم (سوبرنوفا). تؤدي هذه الأحداث الكونية الهائلة إلى انتشار موجات في الزمكان مثل الموجات على سطح البركة، وتنتشر مبتعدة عن النظام في كل الاتجاهات.

اقرأ أيضاً: مفارقة كمومية جديدة تلقي بظلال الشك على أسس الواقع المرصود

اكتشاف الأمواج الثقالية

بقيت الأمواج الثقالية مجرد تنبؤات لعالم عبقري حتى عام 2016، عندما استطاع فريق من العلماء في مرصد الأمواج الثقالية بالتداخل الليزري (Laser Interferometer Gravitational Wave Observatory)، اختصاراً ليغو (LIGO)، بالتعاون مع الباحثين من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ومعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، رصد أمواج ثقالية باستخدام الأدوات على الأرض. ليس ذلك فقط، بل استطاع العلماء أيضاً فك شيفرة هذه الأمواج وتحديد مصدرها؛ إذ ووفقاً لحساباتهم، فإن الموجة الثقالية المرصودة هي نتيجة تصادم بين ثقبين أسودين ضخمين على بعد 1.3 مليار سنة ضوئية من الأرض، وهو حدث لم يرصد أبداً قبل ذلك.

اقرأ أيضاً: اكتشاف شكل جديد من الجليد على الأرض قد يكون موجوداً في كواكب أخرى

أهمية اكتشاف الأمواج الثقالية

الكون كما نعرفه، أو كما يعرفه علماء الفلك هو الكون المرئي، الذي استطاعوا ملاحظته من خلال الضوء، بالتالي، فإن اكتشاف الأمواج الثقالية يعطي العلماء أذناً صاغية لما يحدث هناك في الأعلى. أي هي طريقة أخرى لدراسة الكون. على سبيل المثال، إن اكتشاف الأمواج الثقالية ومراقبتها، قد يساعد في التفريق بين دلالات الأمواج الثقالية والظاهرة التي ولّدتها؛ فقد تشير النبضة المفاجئة من الأمواج الثقالية على أنها نتجت من انفجار مستعر أعظم، في حين أن الإشارة التذبذبية المستمرة قد تشير إلى وجود ثقبين أسودين يدوران بالقرب من بعضهما بعضاً قبل اندماجهما.

بشكل عام، يمكن القول إن الظواهر التي يأمل العلماء برصدها بفضل الأمواج الثقالية، هي:

  • تصادم واندماج الثقوب السوداء.
  • انفجار النجوم.
  • معدل تمدد الكون.
  • دليل على أصل الانفجار الأعظم الذي سبب نشوء الكون.
  • احتمالات أخرى لا نعلم بها حتى.