عندما تزداد إزعاجات العالم الخارجي، سترغب في وضع سماعات الأذنين والاستماع إلى بعض الأغاني بصوت مرتفع، والانعزال لبعض الوقت؛ من أجل تحقيق تركيز أفضل، ولكن إذا رفعت الصوت كثيراً فقد تتسبب في ضرر سمعي دائم لأذنك. إليك كيفية المحافظة على أذنيك لكيلا تندم بعد حوالي عشر سنوات.
لماذا يتسبب الصوت المرتفع في فقدان السمع؟
تقول تريشا آشبي مديرة علم السمعيات في المؤسسة الأميركية للكلام وسماع اللغة (اختصاراً: "آشا ASHA"): "يعد التعرض للضجيج من الأسباب الشائعة لفقدان السمع"؛ فعندما تعرض أذنيك للصوت المرتفع، تزداد حركة السائل في الأذن الداخلية، ما يمكن أن يؤذي الخلايا الشعرية التي ترسل الإشارات إلى الدماغ.
يؤثر هذا التعرض على الأذن بشكل تراكمي، حيث سيتعاظم هذا التأثير على السمع مع ازدياد تعريض الأذن للأصوات المرتفعة، فقد تلاحظ -على سبيل المثال- انزياحًا في "عتبة السمع" بعد حفل موسيقي صاخب؛ أي أن أذنك ستلاقي صعوبة في التقاط بعض الأصوات التي كانت مسموعة بسهولة من قبل.
تقول آشبي: "إذا تعرض الشخص للضجيج بشكل متكرر، فإن هذا الانزياح المؤقت في عتبة السمع قد يدوم إلى الأبد؛ ولهذا يجب أن تحمي سمعك عند القيام بنشاطات تتضمن أصواتاً مرتفعة". ومن هذه النشاطات جز العشب في فِناء المنزل، وحضور الحفلات الموسيقية، وصولاً إلى ممارسة الجري مع ارتداء السماعات، كما ذكرنا من قبل. وكلما بدأت في العناية بسمعك في وقت أبكر، ستجد نتائج أفضل لاحقاً.
متى نعتبر الصوت مرتفعاً أكثر من اللازم؟
لا تشكل السماعات المرتداة على الرأس أو في الأذنين أي خطر في حد ذاتها، فنحن نستعملها منذ عقود كاملة، ورغم عدم وجود إحصاءات حول فقدان السمع بسبب هذه الأجهزة تحديداً، إلا أنه في الواقع تقول الأرقام إن نقص السمع بشكل عام قد شهد هبوطاً على مدى السنوات الماضية، كما أن بعض الخبراء -مثل خبراء منظمة الصحة العالمية- يعتقدون أن هذه الأدوات قد تكون ذات علاقةٍ ما بتزايد انتشار الأذى السمعي بين اليافعين والشباب.
ووَفقاً لآشا، فإن الأصوات بشدة 85 ديسيبل مُوزَن (dBA: ديسيبل بقيمة معدلة وفقاً لكيفية سماعنا للأصوات، وتساوي شدة 85 تقريباً ضجيجَ حركة مرور نشطة، أو صوت دراجة نارية تمر بقربك بسرعة)، يمكنها أن تكون مؤذية إذا استمعت إليها لأكثر من 8 ساعات متواصلة في كل مرة، قد لا يبدو هذا سيئاً للغاية، ولكن المدة الآمنة للاستماع تتناقص مع ارتفاع شدة الصوت أضعافًا مضاعفة، وعندما نصل إلى 91 ديسيبل موزن، فسيمكنك أن تستمع لساعتين فقط قبل أن تصاب بالأذى.
وإن كثيراً من السماعات يمكنها تجاوز هذه الشدة بسهولة، وبالتالي إذا كنت تحاول طمس بعض الأصوات الخارجية المزعجة، مثل حركة المرور، فقد تصل سريعًا إلى المجال الضارِّ دون أن تدرك ذلك. تقول آشبي: "يعتبر تقليل زمن التعرض للضجيج هو الخيار الأفضل في هذا العصر التقني الذي نعيشه، ويجب ضبط ومعايرة مستوى الصوت بحيث يستطيع الشخص سماع الإشارة المرغوبة، لكن دون أن تحجب الأصوات الأخرى".
وقد يبدو هذا سهلاً، ولكن إذا كنت تحاول حجب الضجيج بالموسيقى، فقد تكون الأصوات التي تستمع إليها أعلى مما تظن. تقول آشبي إنه يمكن اعتبار الموسيقى صاخبة أكثر من اللازم إذا:
- لم تستطع سماع نفسك دون رفع صوتك.
- لم تستطيع أن تسمع أو تفهم شخصاً يقف على بعد متر منك.
- بدت الأصوات البشرية حولك مكتومة أو ضعيفة بعد إزالة السماعات من أذنيك.
- سمعت رنيناً في أذنيك.
قد يبدو البندان الأخيران مبالغاً فيهما بعض الشيء، ولكن الكثيرين منا جربوا البندين الأولين. وقد يبدو من المثير للشفقة أن تسمع الموسيقى بصوت منخفض إلى درجة أن تسمع كل ما هو حولك، ولكنه بالتأكيد أفضل من أن تفقد سمعك بالتدريج.
انتبه إلى الصوت
ظاهرياً، يبدو الحل بسيطاً: أخفِض من صوت الموسيقى (وأبعِد هؤلاء الأطفال المشاغبين عن فناء منزلك). ولكننا جميعاً نعرف سهولة رفع صوت الموسيقى درجة واحدة لكي نحجب صوت ذلك المزعج الجالس على الطاولة المجاورة، ومن ثم رفعه درجة ثانية لطمس صوت عمليات البناء القريبة، وهكذا دواليك، حتى تعود إلى مستوى الصوت الخطير الذي حاولت تجنبه.
تتمتع معظم الهواتف الذكية بمحدداتٍ تسمح لك بتغيير أقصى قيمة آمنة للصوت؛ إذا كان لديك جهاز آيفون، افتح الإعدادات > الموسيقى > تحديد الصوت، وحرك المنزلقة إلى المقدار المطلوب، ومن سوء الحظ أن هذا التغيير سيؤثر فقط على تطبيق الموسيقى الافتراضي من نظام التشغيل، وبالتالي إذا كنت تفضل استخدام تطبيق خارجي، مثل سبوتيفاي، فلن تستطيع فعل شيء إلا بوجود محدد مماثل ضمن التطبيق نفسه.
أما إذا كان جهازك يعمل بنظام أندرويد، فافتح الإعدادات > الصوت > مستوى الصوت، وتأكد من وجود محدد في جهازك، ويوجد على سبيل المثال محدد مخبأ ضمن قائمة النقاط الثلاثة لهذه الصفحة في أجهزة سامسونج. وربما لا تجد محددًا مماثلًا في الأجهزة الأخرى، ولكن يمكنك أن تنصب تطبيقاً مثل "Volume lock" لتحديد المدى الآمن للصوت.
كما يمكنك أن تلجأ إلى حل أكثر فعالية وأناقة، وأكثر تكلفة أيضاً، وذلك باستخدام السماعات التي تخفف الضجيج، لا سيما تلك السماعة المزودة بوظيفة الحذف الفعال للضجيج؛ حيث تقوم هذه السماعات بحجب الضجيج الخارجي، مما يتيح لك تخفيض مستوى الصوت وسماع الموسيقى بشكل مريح، ولكن لا تستخدمها أثناء الجري أو أية أوضاع أخرى تتطلب منك الانتباه إلى الوسط المحيط؛ حتى تتجنب الأخطار المحتملة. وأخيراً، أعطِ أذنيك إجازة بين الحين والآخر؛ فإن احتمال إصابتك بضرر دائم فيها يزيد كلما استمعت إلى الموسيقى الصاخبة، أزل السماعات كل ساعة تقريباً حتى تُريح أذنيك.
وإن آشبي تنصح -رغم كل هذه الاحتياطات- بإجراء اختبارات دورية للسمع؛ حتى تتمكن من تجنب الآثار السلبية لضعف السمع، تقول آشبي: "يزداد انعزالنا عن الأشخاص من حولنا مع تناقص سمعنا تدريجياً؛ فمن المهم إجراء اختبارات منتظمة للسمع -ربما كل 5 سنوات- للتأكد من سلامة السمع من بداية المجال السمعي. وإن الناس الذين عالجوا فقدان السمع يتمتعون مع الوقت بنتائج إدراكية وقدرات تواصل أفضل، مقارنةً بالذين لم يخضعوا للعلاج".