هناك ما يكفي من دواعي القلق في حياتنا. من الحرب النووية إلى التغيّر المناخي وحتى ما إذا كان ينبغي تنظيف الأسنان بشكل صحيح أم لا. أما بالنسبة لدوران الأرض حول نفسها بسرعة أكبر، فإنها آخر شيء ينبغي أن تقلق بشأنه نظراً لأنها لن تحدث قريباً على الأرجح -وحتى لو حدث ذلك- لن تدرك ذلك حين حدوثه، ولن تقلق بالتالي بشأنه. ومع ذلك، تحدثنا إلى بعض الخبراء لنرى ما الذي يمكن أن يحدث إذا ما تسارع دوران الأرض حول نفسها.
كيف تُقاس سرعة دوران الأرض؟
لنبدأ بالأساسيات: على سبيل المثال، ما مدى سرعة دوران الأرض حالياً؟ يعتمد ذلك على موقعك، لأن الكوكب يدور بأقصى سرعة عند خط الاستواء، وبسرعة أقل كلما اتجهنا شمالاً أو جنوباً. في الواقع، محيط الأرض هو أوسع ما يمكن عند خط الاستواء، وبالتالي ستقطع أي نقطة تقع عليه مسافةً أكبر بكثير خلال 24 ساعة من أي نقطةٍ -لنقل مدينة شيكاغو على سبيل المثال- تقع على مقطع عرضي أضيق من الأرض. ولكي نفسر من أين جاء هذا الفرق في المسافة، فإن أي نقطة على خط الاستواء تدور بسرعة 1677 كيلومتر في الساعة، بينما تدور شيكاغو بسرعة أقل عند نحو 1208 كيلومترات في الساعة (يمكنك استخدام هذه الآلة الحاسبة لمعرفة السرعة الدقيقة لموقعك بإدخال إحداثيات خط العرض الذي توجد عنده حالياً).
يتغير تسارع الأرض بالفعل بين الحين والآخر، ولكن بشكلٍ تدريجي فقط وليس على نحو مفاجئ. على سبيل المثال، فقدت الأرض 1.59 ميللي/ ثانية هذا الصيف من وقت دورانها المعتاد، ما جعل يوم 29 يونيو/ حزيران أقصر يوم على الإطلاق. وتقول إحدى الفرضيات إن السبب يعود إلى انزياح محور دوران الأرض جراء تغيرات في الضغط، ولكن هذا الانزياح ضئيل جداً ولا يمكن للبشر الشعور به مطلقاً.
وبغض النظر عن التقلبات الصغيرة في سرعة الدوران، إذا ما قُدّر للأرض أن تدور فجأة بسرعة أكبر، من المرجح أن تحدث بعض التغييرات الدراماتيكية في المشهد. لنفترض أن سرعة دوران الأرض زادت بمقدار 1.6 كيلومتر في الساعة، سيؤدي ذلك حينها إلى انتقال المياه من القطبين وارتفاع مستوى سطح البحر حول خط الاستواء بالتالي بضع سنتيمترات. يقول المحلل في شركة "إيزري" (ESRI) التي تُصنّع برمجيات نُظم المعلومات الجغرافية، ويتولد فرازيك: «قد نحتاج إلى بضع سنوات لملاحظة حدوث ذلك».
اقرأ أيضاً: كيف تبدو الأرض من الأجرام السماوية البعيدة في الفضاء؟
ماذا لو زادت سرعة دوران الأرض؟
ما سيكون ملحوظاً بشكل أكبر هو انحراف بعض الأقمار الصناعية عن مسارها بالنسبة للأرض. الأقمار الصناعية مصممة كي تدور حول كوكبنا بسرعة تتناسب مع سرعة دوران الأرض وفي مدارات متزامنة معها، وبالتالي تبقى ثابتة بالنسبة للأرض طوال الوقت. إذا زادت سرعة دوران كوكب الأرض بمقدار 1.6 كيلومتر في الساعة، لن تبقى هذه الأقمار الصناعية في مواقعها الصحيحة، ما يعني احتمال تعطل الاتصالات عبر الأقمار الصناعية والبث التلفزيوني والعمليات العسكرية والاستخباراتية، مؤقتاً على الأقل.
تحمل بعض الأقمار الصناعية الوقود، ويمكنها تعديل موقعها وسرعتها وفقاً للتغير الحاصل، ولكن قد يتعين استبدال بعضها الآخر، الأمر الذي سيكون مكلفاً جداً. يقول فرازيك في هذا الصدد: «قد يؤثر ذلك على نظام حياة بعض الأشخاص وراحتهم، ولكن لن يكون أثره كارثياً بنفس القدر على الجميع».
لكن التغييرات ستصبح كارثية أكثر إذا ما زادت سرعة دوران الأرض أكثر من ذلك.
ستفقد الوزن، ولكن ليس الكتلة
تحاول القوة الطاردة المركزية الناجمة عن دوران الأرض قذفك باستمرار عن سطح الأرض، على غرار الطفل الذي يكون على حافة لعبة الدوامة السريعة في مدينة الملاهي. في الوقت الحالي، الجاذبية أقوى من قوة الطرد المركزية وتبقيك على الأرض. ولكن إذا زادت سرعة دوران الأرض حول نفسها، ستزيد قوة الطرد المركزي كما يقول عالم الفلك في ناسا ستين أودنوالد.
إذا كان وزنك حالياً نحو 68 كيلوغراماً في الدائرة القطبية الشمالية، فسيكون وزنك 67.5 كيلوغرام عند خط الاستواء، ويرجع ذلك إلى قوة الطرد المركزية الإضافية المتولدة نتيجة الدوران الأسرع عند خط الاستواء، والتي تزيد من مقاومة الجاذبية. وإذا زادت هذه السرعة أكثر، سينخفض وزنك أكثر أيضاً.
ووفقاً لحسابات أودنوالد، إذا وصلت سرعة الدوران عند خط الاستواء في النهاية إلى 28390 كيلومتراً في الساعة، فإن القوة الطاردة المركزية ستكون كافية كي ينعدم وزنك تماماً. (في حال كنت لا تزال على قيد الحياة).
سيعاني الجميع دائماً من اضطراب ساعته الداخلية
كلما زادت سرعة دوران الأرض، تصبح الأيام أقصر. ستؤدي زيادة السرعة بمقدار 1.6 كيلومتر في الساعة إلى تقصير اليوم نحو 1.5 دقيقة، وربما لن يؤثر هذا التغيير الضئيل على ساعاتنا الداخلية التي تعمل وفقاً لنظام زمني صارم من 24 ساعة.
ولكن إذا زادت سرعة دوران الأرض بنحو 160 كيلومتراً في الساعة عن المعتاد، سيصبح طول اليوم 22 ساعة، وسيكون أثر ذلك على أجسامنا أسوأ من تأثير تغيير التوقيت الصيفي. إذ بدلاً من إعادة الساعة إلى الوراء لمدة ساعة، سيكون الأمر أشبه بإرجاعه لمدة ساعتين دون إعطاء فرصة لجسمك ليتكيّف مع هذا التغيير. ومن المرجح أيضاً أن يؤثر هذا التغيير على الحيوانات والنباتات أيضاً.
ولكن لن يحدث كل ذلك إلا إذا تسارعت الأرض فجأة. يقول أودنوالد: «إذا زادت سرعة الأرض تدريجياً عبر ملايين السنين، سيكون بمقدورنا التكيّف مع ذلك».
اقرأ أيضاً: ما تأثير تغيير التوقيت العالمي على الساعة البيولوجية وكيف نخفف منه؟
ستزداد قوة الأعاصير
إذا ازدادت سرعة دوران الأرض ببطء، ستزيد من سرعة دوران الغلاف الجوي مع دورانه معها، ولكننا لن نلاحظ بالضرورة اختلافات كبيرة في أنماط الرياح اليومية والطقس نتيجة لذلك. يقول أودنوالد: «ستبقى الفروقات الحرارية العامل المحرك الأساسي للرياح». ولكن الظواهر الطقسية المتطرفة ستصبح أكثر تدميراً كما يقول: «ستزيد شدة دوران الأعاصير، وستصبح الطاقة التي تحملها أكبر».
ويرجع السبب في ذلك إلى تلك الظاهرة الغريبة التي ذكرناها آنفاً؛ الأرض تدور أسرع عند خط الاستواء وحوله.
لو قُدر للأرض ألا تدور مطلقاً، فستهب الرياح في مسار مستقيم من القطب الشمالي إلى خط الاستواء، والعكس صحيح. ولكن بسبب الدوران، ينحرف مسار الرياح شرقاً، ويُدعى ذلك بتأثير كوريوليس (Coriolis effect)، وهو ما يكسب الإعصار حركته الدورانية. بينما لو دارت الأرض بشكل أسرع، فإن الرياح ستنحرف أكثر شرقاً، ويقول أودنوالد إن ذلك سيزيد من شدة دوران الأعاصير أكثر.
اقرأ أيضاً: كيف استطاع العلماء تحديد عمر الزلازل والبراكين التي حدثت في الماضي؟
ستغطي المياه العالم
ستؤدي زيادة سرعة دوران الأرض عند خط الاستواء إلى تجمع مياه المحيطات حوله. إذا زادت هذه السرعة بمقدار 1.6 كيلومتر في الساعة، سيرتفع منسوب المياه حول خط الاستواء نحو بضعة سنتيمترات فقط في غضون أيام قليلة،
أما إذا زادت سرعة دوران الأرض بمقدار 160 كيلومتر في الساعة، ستغرق منطقة خط الاستواء بالكامل تحت المياه. يقول فرازيك في هذا الصدد: «أعتقد أن حوض الأمازون وشمال أستراليا، ناهيك عن الجزر في المنطقة الاستوائية، ستغرق جميعها تحت الماء. ولكني لست متأكداً إلى أي عمق، ولكن يمكن القول إنه بين 9 و20 متراً تقريباً».
إذا تضاعفت السرعة عند خط الاستواء، لنقل أصبحت أكبر بنحو 1600 كيلومتر في الساعة مما هي عليه، ستقع كارثة بالتأكيد. ستؤدي قوة الطرد المركزية المتزايدة إلى سحب المزيد والمزيد من الماء نحو خط الاستواء، كما يقول فرازيك: «باستثناء الجبال العالية، مثل كالمينجارو وأعلى قمم جبال الأنديز، أعتقد أن كل شيء في المنطقة الاستوائية سيُغمر بالمياه. ستأتي المياه الزائدة من المناطق القطبية، حيث تكون قوة الطرد المركزية أقل، وسيغدو المحيط المتجمد الشمالي أكثر ضحالة بكثير».
في غضون ذلك، ستؤدي زيادة قوة الطرد المركزية الناتجة عن الدوران بهذه السرعة عند خط الاستواء إلى تقليل تأثير قوة الجاذبية على الماء، الأمر الذي من شأنه، وفقاً لما يتوقعه فرازيك، زيادة رطوبة الهواء بشكلٍ كبير في هذه المناطق، حيث سيلف الضباب والغيوم الكثيفة هذه المناطق، وقد تكون الأمطار فيها مستمرة على الرغم من وفرة المياه فيها بالأصل.
أخيراً، إذا ما وصلت سرعة دوران الأرض إلى 27358 كيلومتر في الساعة، تتساوى قوة الطرد المركزية عند خط الاستواء مع قوة الجاذبية. بعد ذلك، يتوقع فرازيك أن تشهد المنطقة أمطاراً عكسية، حيث يمكن أن تبدأ قطرات الماء بالصعود للأعلى في الغلاف الجوي. عند هذه النقطة بالتحديد، ستكون سرعة دوران الأرض حول نفسها أسرع بـ 17 مرة مما هي عليه الآن، ومن المرجح ألا يكون هناك الكثير من البشر ليتأملوا هذه الظاهرة العجيبة في المنطقة الاستوائية.
يقول فرازيك: «إذا بقي هؤلاء القلة التعساء من البشر بعد انتقال معظم مياه الأرض إلى الغلاف الجوي والفضاء، من البديهي أن عليهم الهرب من منطقة خط الاستواء بأقصى سرعة إلى المناطق القطبية، أو على الأقل إلى دوائر العروض المتوسطة».
اقرأ أيضاً: كيف يتم التنبؤ بحالة الطقس؟ ولماذا تختلف دقة التنبؤات؟
سيزداد النشاط الزلزالي
في السرعات العالية جداً لدوران الأرض حول نفسها، لنقل 38 ألف كيلومتر في الساعة مثلاً، وعلى مدى آلاف السنين، ستنتقل قشرة الأرض أيضاً في النهاية، حيث ستصبح الأرض مفلطحة عند القطبين ومنتفخةً حول خط الاستواء.
يقول فرازيك: «سوف نشهد زلازل هائلة. ستتحرك الصفائح التكتونية بسرعة وسيكون ذلك كارثياً على الحياة على الكرة الأرضية».
ما السرعة التي ستدور بها الأرض في المستقبل؟
صدق أو لا تصدق، تتذبذب سرعة الأرض باستمرار كما يقول أودنوالد. في الواقع، يمكن لكل من الزلازل والتسونامي والكتل الهوائية الكبيرة وذوبان الصفائح الجليدية أن تغير معدل دوران الأرض بأجزاء من رتبة الميللي ثانية. على سبيل المثال، إذا ابتلع زلزال جزءاً صغيراً من الأرض، سيؤدي ذلك إلى تقليل محيط الكوكب بشكلٍ ضئيل جداً، وسيؤثر ذلك بدوره على الفور على سرعة دوران الأرض. بينما يمكن أن يكون للكتل الهوائية تأثير معاكس، حيث تعمل على إبطاء دوران الأرض بمقدار ضئيل على غرار ما يفعل متزلج الجليد عندما يفتح ذراعيه لتقليل سرعته بدلاً من ضمهما إلى جسده.
تتغير سرعة دوران الأرض بمرور الوقت أيضاً. منذ نحو 4.4 مليار سنة، تشكل القمر بعد اصطدام جسم ضخم بالأرض. في ذلك الوقت، ووفقاً لأودنوالد، ربما كان كوكبنا على شكل قدرة قدم مفلطحة تدور بسرعة كبيرة إلى درجة أن طول اليوم كان نحو 4 ساعات فقط.
يقول أودنوالد: «غيّر هذا الحدث بشكل كبير شكل الأرض وشوهها، وكاد أن يفتتها بالكامل. هل سيحدث هذا مرة أخرى؟ نأمل ألا يتكرر ذلك».
اقرأ أيضاً: كيف ستكون الأرض بعد 500 سنة؟
منذ تشكل القمر، كان دوران الأرض يتباطأ بمعدل 6.11 كيلومتر في الساعة كل 10 ملايين سنة، ويرجع ذلك غالباً إلى تأثير قوة جاذبية القمر على كوكبنا، لذلك من المرجح أن يستمر دوران الأرض في التباطؤ في المستقبل، وليس العكس».
يقول أودنوالد: «ليس هناك شيء يمكن تصوره قد يؤدي لزيادة دوران الأرض بشكلٍ كبير. فلكي تدور بشكلٍ أسرع، يجب أن تتلقى ضربة مباشرة بجسم وفي مكان مناسبين، وهذا من شأنه تسييل قشرة الأرض وموتنا جميعاً بطبيعة الحال».