يزخر مجال علم الروبوتات الحديث بآلات من صنع الإنسان تحاكي عالم الحيوان. من الكلاب الآلية التي تتفحص الملاعب إلى روبوتات الاستكشاف المستوحاة من عناكب الأقباء وكل ما بينهما تقريباً، هناك الكثير من الحيوانات الآلية التي تجوب العالم. أدت التطورات في أنظمة الذكاء الاصطناعي والمواد الاصطناعية الجديدة والطباعة الثلاثية الأبعاد إلى تحسين قدرة هذه الآلات على الركض والتسلق وتجاوز العقبات، غالباً باسم الاستكشاف العلمي أو للصالح العام.
لكن حتى مع هذه التطورات التقنية والاستثمارات التي تبلغ مليارات الدولارات التي ضُخّت في مجال صناعة الروبوتات في السنوات الأخيرة، ما تزال الآلات الميكانيكية متخلفة إلى حد كبير عن نظرائها البيولوجية في السباقات المباشرة. هذه الحقيقة هي أساس دراسة جديدة أجرتها مجموعة من الباحثين المتعددي التخصصات نُشرت في أواخر شهر أبريل/نيسان 2024 في مجلة ساينس روبوتكس (Science Robotics).
اقرأ أيضاً: كيف تساعد قدرة الحيوانات على التخفي في تطوير التشخيص الطبي؟
نظر مؤلفو الدراسة في 5 "أنظمة فرعية" مختلفة مرتبطة بالجري وقارنوا تلك التي تتمتع بها الحيوانات بتلك التي تتمتع بها نظيراتها من الروبوتات. يبدو للوهلة الأولى أن أداء الحيوانات، التي تعتمد على مزيج من العظام والأنسجة الحساسة، سيكون أسوأ من أداء الآلات في كل نظام فرعي. لكن اكتشف الباحثون أن الأفضلية الحقيقية التي تتمتع بها الحيوانات تكمن في تحكّمها المعقد والمترابط بأجسادها. تجعل قابلية التشغيل البيني السلسة هذه قدرة الحيوانات الناجمة عن تكامل أعضائها أكبر من قدرة كل عضو على حدة.
قال كبير مهندسي الأبحاث في شركة إس آر آي إنترناشونال (SRI International) والمؤلف المشارك للدراسة الجديدة، توم ليبي، في بيان صحفي: "اتضح أن الأنظمة الفرعية الهندسية تفوقت في الأداء على نظيراتها البيولوجية مع استثناءات قليلة، كما أنها تفوقت جذرياً أحياناً". لكن ما اتضح على نحو جلي أيضاً هو أن الحيوانات مذهلة إذا قارناها بالروبوتات على مستوى النظام بأكمله من حيث الحركة. كما أن الروبوتات ما تزال متخلفة عن الحيوانات".
أفضلية التعقيد البيولوجي وزمن التطور الطويل
ركز كل باحث من الباحثين الخمسة على نظام فرعي محدد مرتبط بالجري في دراسة كل من الحيوانات والآلات. كانت الأنظمة الفرعية هي نظام الطاقة ونظام الإطار ونظام التنفيذ ونظام الاستشعار ونظام التحكم. تفوقت الآلات إفرادياً على الحيوانات في هذه الفئات جميعها تقريباً. في حالة الإطارات مثلاً، استطاعت الروبوتات ذات الهياكل الخفيفة الوزن ولكن القوية المصنوعة من ألياف الكربون أن تدعم بُنى ذات كتل أكبر دون أن تلتوي على عكس عظام الحيوانات.
بالمثل، استنتج الباحثون أن نظام التحكم المدعوم بالكمبيوتر لدى الروبوتات يتفوق على الجهاز العصبي للحيوانات من حيث زمن الاستجابة الكلي وعرض النطاق. لكن على الرغم من أن الروبوتات تتمتّع بمكونات فردية أقوى وأمتن، فإن الحيوانات أمهر في جعل هذه المكونات تعمل معاً بسلاسة كأنها "كل" مترابط. يتجلّى هذا الاختلاف عندما تُختبر الحيوانات والروبوتات في بيئات العالم الحقيقي. على الرغم من أن الروبوتات الحديثة تستطيع التسارع بمعدل مرتفع بطريقة يمكن التحقق منها، كما أنها تؤدي بعض الحركات البهلوانية، فإن أداءها أضعف بكثير من أداء الحيوانات من حيث السلاسة والقدرة على التكيّف. تستطيع الروبوتات أحياناً عبور التضاريس الوعرة، ولكن الحيوانات قادرة على تجاوز العقبات مثل الطين والثلج والنباتات والركام على نحو آلي.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن تفيد دراسة آلية التكاثر عند قنافذ البحر في تصميم الروبوتات ذاتية القيادة؟
قال الأستاذ في قسم الفيزيولوجيا الطبية الحيوية وعلم الحركة في جامعة سايمون فريزر، ماكس دونيلان: "تستطيع حيوانات النو أن تهاجر قاطعة آلاف [الكيلومترات] عبر تضاريس وعرة، ويستطيع الماعز الجبلي تسلق المنحدرات القاسية والعثور على مواطئ قدم لا تبدو موجودة، كما تستطيع الصراصير الحفاظ على سرعتها حتى إذا فقدت ساقاً من سيقانها. لا توجد روبوتات تتمتع بهذه المرونة والقوة والقدرة على التحمل".
استفادت الحيوانات أيضاً من أفضلية أخرى كبيرة، وهي الزمن. على عكس الروبوتات المتقدمة التي قطع العلماء أشواطاً كبيرة في تطويرها خلال العقود القليلة الماضية فقط، مرت الحيوانات بملايين السنين من التطور، وبالمليارات في بعض الحالات. يشير الباحثون في الدراسة الجديدة إلى أن الحيوانات تمتع بأفضلية كبيرة على "الروبوتات المصممة هندسياً لأنها سبقتها بكثير". من ناحية أخرى، أحرز العلماء الكثير من الإنجازات المثيرة للإعجاب لسد هذه الفجوة بسرعة مذهلة. يقول الباحثون إنهم "متفائلون" بأن الروبوتات ستتفوق على الحيوانات يوماً ما.
تطور الروبوتات موجه
قال الأستاذ المشارك في قسم الهندسة الكهربائية وهندسة الكمبيوتر في جامعة واشنطن، سام بوردن: "سيتحرك [التقدم في الروبوتات] بسرعة أكبر لأن تطور الحيوانات غير موجه. هناك طرق تمكننا من جعل التقدم الذي نحرزه عند تصميم هذه الروبوتات هندسياً أسرع بكثير مما يمكننا فعله من خلال التطور، لكن التطور له أسبقية كبيرة". يأمل الباحثون أن تساعد المكتشفات الجديدة على تطوير الروبوتات القادرة على الجري في المستقبل.
بالاستفادة من هذه المكتشفات، يستطيع صانعو الروبوتات أن يخصصوا المزيد من وقتهم وجهدهم لتحسين تكامل المكونات بدلاً من صنع أجهزة أعلى جودة وأقوى فقط. كتب الباحثون في الدراسة: "الدرس الذي نستخلصه من علم الأحياء هو أنه على الرغم من أن تحسين المكونات والأنظمة الفرعية مفيد، فإن الطريق الأفضل نحو تحسين الروبوتات القادرة على الجري هو الاستفادة من الأجزاء الموجودة بكفاءة أكبر".