غالباً ما ننظر للنسيان على أنه ظاهرة سلبية تؤثّر في كفاءة الإنسان في أداء مهامه المختلفة، ومن الممكن أن تقلل بشكلٍ خاص من قدرة الطلاب على التحصيل الدراسي، لكن من جهةٍ أخرى، يعد النسيان آلية ضرورية يستخدمها الدماغ ليعمل بأفضل شكلٍ ممكن، فما أسباب النسيان وما فوائده؟
أنواع النسيان
يمكن تصنيف أنواع النسيان حسب أسبابها إلى ما يلي:
- عدم تحفيز الذاكرة جيداً: وهذا يحدث عندما تدرس فقرة صعبة من خلال القراءة فقط.
- أسباب نفسية: مثل النسيان الدفاعي.
- الإهمال: تتلاشى الذكريات بسرعة عند عدم مراجعتها أو استخدامها.
- الإشارات المتغيرة: يمكن للمعلومات المختلطة المتشابهة أن تسبب نسيان المحتوى الذي تقوم بدراسته أو تعلمه.
اقرأ أيضاً: ما هو السبب الذي يجعل دماغك ينسى كلمات السر الجديدة؟
فوائد الذاكرة
لمعرفة فوائد النسيان يجب تحديد أهم فوائد الذاكرة، ويمكن تلخيص أهم فوائد الذاكرة بما يلي:
1. فهم الأحداث الحالية
قد نميلُ إلى التفكير في الذاكرة باعتبارها القدرة على الاحتفاظ بالماضي واسترجاعه فقط، لكن الفائدة الفعلية للذاكرة تنبع من قدرتها على السماح لنا بفهم اللحظة الحالية والتخطيط للمستقبل بشكلٍ إبداعي ومرن، فالذاكرة تجعل الإنسان قادراً على التأقلم مع البيئة التي يوجد بها، وتسهّل عليه التعامل مع الظروف المتشابهة، مثلاً عندما تكون في مطار بلد معين تدخله لأول مرة، ستتذكر التعليمات والخطوات التي تقوم بها في مطار بلدك، وستقوم بالأمور الروتينية كالمعتاد.
2. رسم تصور عن المستقبل
لو لم تكن لدينا ذكريات عرضية للأحداث الماضية، سيصبح من الصعب علينا تخيل السيناريوهات المستقبلية المحتملة للأحداث التي يمكن أن نواجهها، فالتخطيط ورسم السيناريوهات والاستراتيجيات العامة في الحياة أو العمل ينطلق من ذاكرة الخبرات السابقة التي مررنا بها، ونوعية النتيجة التي ستصدر عن القيام بهذا التصرف أو ذاك.
اقرأ أيضاً: كم من المعلومات يمكننا نسيانها إذا دربنا الآلات على التذكر؟
فوائد النسيان
أمّا بالنسبة للنسيان، فهو فقدان أو تغيير في المعلومات التي تم تخزينها مسبقاً في الذاكرة القصيرة المدى أو الطويلة المدى، ويمكن أن يحدث فجأة أو تدريجياً مع فقدان الذكريات القديمة، ويمكن تصنيف النسيان كآلية طبيعية يستخدمها الجسم بشكلٍ مستمر لتحقيق الفوائد التالية:
1. إهمال التفاصيل غير المهمة
يُتيح لنا النسيان تكوين تمثيلات مجرّدة ومبسّطة عن الواقع، فالنسيان يساعدنا على إهمال التفاصيل المعقدة التي ستشتت الدماغ عن اتخاذ قرار بسرعة، مثلاً؛ تخيل أنك وصلت إلى نهاية غابة وتريد العودة إلى نقطة البداية، لو كانت ذاكرتك تحتفظ بكل التفاصيل، ستتذكر كل ورقة شجر مررت بها وكل تفصيل ممل واجهته في أثناء عبورك، بينما بالوضع الطبيعي يساعد النسيان على رؤية الصورة الشاملة للغابة مع التركيز على نقاط معينة أو علامات مميزة تفيدك لخوض الطريق.
2. زيادة مساحة التخزين لدى الإنسان
ويمكن تصنيف النسيان على أنه من الطرق التي يستخدمها الإنسان "لإدارة موارد الذاكرة" الموجودة لديه، إذ يقوم بنسيان المعلومات المخزنة التي لا يستفيد منها ليفتح المجال لحفظ معلومات جديدة وحفظها.
3. تحديد الأولويات
يؤدي النسيان دوراً مهماً في تحديد الأولويات واتخاذ القرارات المناسبة، إذ يسمح النسيان بإهمال بعض المهام غير المستعجلة لوقتٍ لاحق، وبالوقت ذاته تحفّز الذاكرة التركيز على الأمور الضرورية والاضطرارية فقط.
اقرأ أيضاً: ما مدى دقة الاختبارات التي تقيس معدل الذكاء IQ؟
4. الصحة النفسية
هناك نوعٌ من النسيان يُسمّى "النسيان الدفاعي"، وهو نوع من النسيان يسمح للشخص بأن ينسى الحوادث الصادمة التي مرّ بها مسبقاً ليسمح له بالحياة والتفكير بالمشكلات اليومية الاعتيادية والحفاظ على الصحة النفسية والعقلية وعدم تذكر الأحداث التي قد تضع الشخص في أزمة أو ضعف نفسي.
آلية حدوث النسيان
هناك عدة نظريات تحاول تفسير ظاهرة النسيان لدى الإنسان، وحالياً تهتم عدة أبحاث بالكشف عن وجود "آلات نانوية" جزيئية منفصلة داخل الخلايا العصبية، أحد أنواع هذه الآلات يختصُّ بعملية الذاكرة والآخر يقوم بدور النسيان.
تقوم معظم حالات النسيان بالتخلي عن معلومات تم الاحتفاظ بها سابقاً للسماح لمعلومات جديدة بالتخزين، لكن هناك عدداً جيداً من الحالات التي لا يتم فيها التخلص من المعلومات في النسيان إنما يتم فقدان طريقة الوصول إليها. وللتوضيح، يمكن تشبيه الظاهرة بشخصٍ يعرف الغرفة التي توجد بها المعلومات لكنه لا يملك مفتاح هذه الغرفة، وما يحدث فعلياً هو أن الذكريات تُخزَّن في مجموعات من الخلايا العصبية التي تدعى "خلايا إنغرام" ولكي يحصل الاستدعاء الناجح للذكريات يجب إعادة تنشيط هذه المجموعات العصبونية، ويحدث النسيان في بعض الحالات عندما لا تمكن إعادة تنشيط خلايا إنغرام، فالذكريات نفسها لا تزال موجودة، ولكن لا يمكن استرجاعها.
اقرأ أيضاً: الربط بين الحواس: ما هو الحس المرافق وأسبابه؟
يعد النسيان الطبيعي مختلفاً عن فقدان الذاكرة، وهو حالة مرضية ناجمة عن أذية أو خلل فيزيولوجي بالدماغ مثل الإصابة بألزهايمر أو التعرض لصدمة وغيرها.