لماذا لا تعمل الآلات بكفاءة في درجات الحرارة الشديدة؟ دراسة تفسّر الأسباب

لماذا لا تعمل الآلات بكفاءة في درجات الحرارة الشديدة؟ دراسة تفسّر الأسباب
يمكن أن تؤثر الحرارة الشديدة سلباً على أداء الآلات، كما أن وجود حرارة متولدة من الآلات نفسها يؤدي إلى تفاقم المشكلة. ديبوزيت فوتوز

في فصل الصيف الذي يشهد تسجيل موجات حرارة قياسية، لا تقتصر الحاجة إلى البرودة على الناس فقط؛ إذ تتأثر الآلات والأجهزة، مثل الهواتف المحمولة ومراكز البيانات والسيارات والطائرات، بصورة سلبية أيضاً وتصبح أقل كفاءة وتتلف بسرعة أكبر في درجات الحرارة الشديدة. تولد الآلات أيضاً حرارة في أثناء عملها، ويمكن أن تسهم هذه الحرارة في زيادة درجات الحرارة المحيطة أيضاً.

نحن باحثون في مجال الهندسة، ندرس كيفية تعامل الآلات مع الحرارة ووسائل استعادة هذه الحرارة المهدرة وإعادة استخدامها على نحو فعال. ثمة طرائق يمكن أن تؤثر الحرارة الشديدة من خلالها على الآلات.

لا توجد آلة تتمتع بالكفاءة الكاملة؛ إذ تتعرض الآلات جميعها لبعض عمليات الاحتكاك الداخلي في أثناء التشغيل، ما يسبب توليد حرارة إضافية. تُبدد الآلات بعض الحرارة الناتجة عن الاحتكاك الداخلي إلى البيئة المحيطة، لذلك، كلما زادت درجة الحرارة في البيئة المحيطة، أصبحت الآلة أكثر حرارة، وبالتالي، تزداد احتمالية أن يتراجع أداؤها.

اقرأ أيضاً: كم من المعلومات يمكننا نسيانها إذا دربنا الآلات على التذكر؟

تتوقف الهواتف المحمولة والأجهزة المماثلة المزودة ببطاريات ليثيوم أيون (lithium ion) عن العمل أيضاً عندما تتجاوز درجات الحرارة 35 درجة مئوية، وذلك لتجنب حدوث السخونة الزائدة وزيادة الضغط على الأجزاء الإلكترونية.

يمكن أن تساعد تصاميم التبريد المبتكرة، التي تستخدم سوائل تتغير حالتها بتأثير الحرارة، في الحفاظ على برودة الآلات، لكن في معظم لحالات، يكون الهواء المصدر النهائي لامتصاص الحرارة وتبديدها بغض النظر عن التقنيات المستخدمة في عملية التبريد. لذلك، كلما ارتفعت درجة حرارة الهواء المحيط، زادت صعوبة تبريد الآلة بما يكفي للحفاظ على أدائها بكفاءة.

بالإضافة إلى ذلك، كلما كانت الآلات قريبة بعضها من بعض، زادت كمية الحرارة المتبددة في المنطقة المحيطة.

تغيّر خصائص المكونات وتلفها

يمكن أن تؤدي درجات الحرارة المرتفعة، سواء بسبب الطقس أو بسبب الحرارة الزائدة المنبعثة من الآلات، إلى تغير خصائص مكونات هذه الآلات. لفهم ذلك، تجب دراسة ما تعنيه درجة الحرارة على المستوى الجزيئي.

على المستوى الجزيئي، درجة الحرارة هي مقياس لمدى اهتزاز الجزيئات. لذلك، كلما ارتفعت درجة الحرارة، زادت حركة اهتزاز الجزيئات، التي تشكل كل شيء، بدءاً من الهواء وصولاً إلى الأرض والمكونات الموجودة في الآلات.

عند تسخين المعدن، تزداد سرعة اهتزاز جزيئاته كما تزداد المسافة بينها. ما يؤدي إلى تمدد المعدن.

مع ارتفاع درجة الحرارة وزيادة اهتزاز الجزيئات، يزداد متوسط المسافة بينها، ما يؤدي إلى تمدد معظم المواد عند تسخينها. تمكن رؤية التأثيرات الناتجة عن التمدد الحراري على الطرق؛ إذ يتسبب ارتفاع درجة الحرارة في تمدد الخرسانة وتقلصها، ما يؤدي في النهاية إلى تشققها. يمكن أن تحدث هذه الظاهرة في الآلات أيضاً؛ إذ تمثل الضغوط الحرارية جزءاً صغيراً من المشكلات الناجمة عن التغيرات الحرارية في الآلات.

اقرأ أيضاً: البوليمرات: ما هي وما أنواعها وما هي استخداماتها؟ 

تأخيرات السفر ومخاطر السلامة

يمكن أن تؤدي درجات الحرارة المرتفعة أيضاً إلى تغيير خصائص الزيوت الموجودة في محرك السيارة ووظائفها، ما يزيد من احتمالية حدوث خلل في المحرك. على سبيل المثال، إذا ارتفعت درجة الحرارة بسبب موجة حرارة بمقدار 16.7 درجة مئوية عن المعتاد، يمكن أن يتغير سمك زيوت محرك السيارة العادية أو لزوجتها بمقدار 3 أضعاف في ظل هذه الظروف الحرارية.

تصبح السوائل مثل زيوت المحرك أقل سمكاً عند ارتفاع درجة الحرارة، لذلك، إذا أصبحت ساخنة جداً، ربما لا تكون مناسبة تماماً لتشحيم أجزاء المحرك وحمايتها من التآكل والاهتراء المتزايد.

بالإضافة إلى ذلك، تؤدي درجات الحرارة المرتفعة إلى تمدد الهواء داخل الإطارات، ما يزيد من ضغط الهواء فيها، وبالتالي، تزداد احتمالية تآكلها ويتضاعف خطر الانزلاق.

من جانب آخر، تُصمم الطائرات عادة لتشغيلها في ظروف الحرارة المعتدلة، فهي غير مجهزة للإقلاع في درجات الحرارة المرتفعة جداً. مع ارتفاع درجة حرارة الجو، يتمدد الهواء ويشغل مساحة أكبر من ذي قبل، وبالتالي، يصبح أقل كثافة وسمكاً. يؤدي انخفاض كثافة الهواء إلى تقليل مقدار الوزن الذي يمكن أن تتحمله الطائرة في أثناء الطيران، وبالتالي، يمكن أن يتسبب ذلك في تأجيل الرحلات أو إلغائها.

تدهور حالة البطارية

تحتوي المكونات الإلكترونية الموجودة في أجهزة مثل الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر الشخصية ومراكز البيانات عموماً على عدة أنواع من المواد التي تتفاعل بطريقة مختلفة مع تغيرات درجات الحرارة. تتوضع هذه المواد جميعها بعضها بجانب بعض في مساحات ضيقة. لذلك، يتفاعل كل نوع من المواد بطريقة مختلفة مع ارتفاع درجة الحرارة؛ إذ يؤدي ذلك إلى تغير خصائص كل مادة بصورة تؤدي إلى تلفها وتآكلها المبكر.

اقرأ أيضاً: هل يمكن أن تنتقل الكهرباء لاسلكياً؟

تتلف بطاريات الليثيوم أيون في السيارات والأجهزة الإلكترونية بصورة أسرع عندما تعمل في درجات حرارة مرتفعة. يعود سبب ذلك إلى أن ارتفاع درجات الحرارة يزيد من سرعة التفاعلات داخل البطارية، ويشمل ذلك تفاعلات التأكسد التي تستنفد الليثيوم الموجود بداخلها. تؤدي هذه العملية إلى تقليص القدرة التخزينية للبطارية. تشير الأبحاث الحديثة إلى أن المركبات الكهربائية يمكن أن تفقد نحو 20% من قدرتها عندما تتعرض لدرجة حرارة تصل إلى 32 درجة مئوية لفترات طويلة.

تعمل مراكز البيانات، وهي أبنية مليئة بالخوادم التي تخزن البيانات، على تبديد كميات كبيرة من الحرارة للحفاظ على برودة مكوناتها. في الأيام الحارة جداً، يجب أن تعمل المراوح بطاقة أكبر لضمان عدم ارتفاع درجة حرارة الشرائح الإلكترونية أو المعالجات. في بعض الحالات، لا تكون المراوح القوية كافية لتبريد الأجهزة الإلكترونية.

للحفاظ على برودة المراكز، غالباً يُمرر الهواء الجاف الوارد من الخارج أولاً عبر هياكل ومرشحات تشبه الوسادة الرطبة؛ إذ يتبخر الماء الموجود في هذه الوسادة إلى الجو ويمتص الحرارة، ما يؤدي إلى تبريد الهواء. تكون هذه التقنية، التي تسمى التبريد التبخيري (evaporative cooling)، عادة وسيلة اقتصادية وفعالة للحفاظ على درجة الحرارة المقبولة لعمل الشرائح الإلكترونية بكفاءة.

على الرغم من ذلك، يمكن أن يتطلب التبريد التبخيري كمية كبيرة من الماء. لذلك، يمثل هذا الأمر مشكلة في المناطق التي تعاني شح المياه. بالإضافة إلى أن استخدام الماء لأغراض التبريد في مراكز البيانات يزيد من استهلاك الموارد على نحو مكثف ويضيف عبئاً إضافياً على البيئة.

مشكلات أجهزة التكييف

تواجه أجهزة التكييف صعوبة في أداء وظائفها بكفاءة عندما ترتفع درجات الحرارة في الخارج، أي عندما نكون في أمسّ الحاجة إليها. في الأيام الحارة، يجب على ضواغط أجهزة التكييف أن تعمل بطاقة أكبر لنقل الحرارة من المنازل إلى الخارج، ما يؤدي بدوره إلى زيادة استهلاك الكهرباء والطلب الإجمالي عليها بصورة مفرطة.

على سبيل المثال، في ولاية تكساس، تؤدي كل زيادة بمقدار درجة مئوية واحدة إلى زيادة قدرها نحو 4% في الطلب على الكهرباء.

لذلك، يؤدي ارتفاع درجة الحرارة إلى زيادة هائلة بنسبة 50% في الطلب على الكهرباء خلال فصل الصيف في البلدان الأكثر حرارة، ما يشكل تهديدات خطيرة تتمثل في نقص الكهرباء أو انقطاع التيار الكهربائي، بالإضافة إلى زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة.

اقرأ أيضاً: ما أسباب عدم خروج هواء بارد من المكيف؟

كيفية الوقاية من الأضرار الناجمة عن ارتفاع الحرارة

تشكل موجات الحرارة وارتفاع درجات الحرارة في أنحاء العالم جميعها مشكلات كبيرة على المديين القصير والطويل للأشخاص والآلات على حد سواء. لحسن الحظ، ثمة أشياء يمكنك فعلها لتقليل الأضرار.

أولاً، تأكد من حفظ أجهزتك في مكان مكيف ومعزول جيداً أو بعيداً عن أشعة الشمس المباشرة.

ثانياً، يُنصح باستخدام الأجهزة التي تستهلك كميات كبيرة من الطاقة مثل مكيفات الهواء أو شاحن المركبة الكهربائية خارج ساعات الذروة، أي عندما لا يستخدم عدد كبير من الأشخاص الكهرباء؛ إذ يمكن أن يساعد ذلك في تجنب حدوث نقص في إمدادات الكهرباء على المستوى المحلي.

إعادة استخدام الحرارة

يطور العلماء والمهندسون طرائق لاستخدام الكميات الهائلة من الحرارة المتبددة من الآلات وإعادة تدويرها. على سبيل المثال، يمكن استخدام الحرارة المهدرة الناتجة عن عمليات التبريد في مراكز البيانات لتسخين المياه.

يمكن أيضاً استخدام الحرارة المهدرة لتشغيل أنظمة التكييف الأخرى، مثل مبردات الامتصاص (absorption chillers)، التي يمكنها استخدام الحرارة وتحويلها إلى طاقة لتعزيز عمل المبرّدات من خلال سلسلة من العمليات الكيميائية وعمليات نقل الحرارة.

في كلتا الحالتين، تأتي الطاقة اللازمة لتسخين شيء من الحرارة المهدرة أو تبريده. في الواقع، يمكن أن تدعم الحرارة المهدرة الناتجة عن محطات الطاقة نحو 27% من احتياجات التكييف في المنازل، ما يقلل من استهلاك الطاقة الإجمالي وانبعاثات الكربون.

يمكن أن تؤثر الحرارة الشديدة على جوانب الحياة الحديثة كافة؛ إذ إنه من المتوقع أن تستمر موجات الحرارة في السنوات القادمة. على الرغم من ذلك، توجد فرص لاستغلال الحرارة الشديدة والاستفادة منها.ذا كونفرزيشن

المحتوى محمي