هل يشعر الذين ولدوا في 29 فبراير/ شباط بالظلم وهم لا يحتفلون بميلادهم إلا كل 4 سنوات مرة؟ من ناحية أخرى، ألا يحب الموظفون شهر فبراير أكثر من غيره لأنه ينتهي بسرعة؟ لكن، لماذا عدد أيام شهر فبراير 28 يوماً، هل هو أمر يتعلق بدوران الأرض حول الشمس أمْ شيء آخر؟ ولماذا يُضاف يوم إلى أيام السنة كل 4 سنوات؟
في الواقع، ثمة بعض الرياضيات وبعض الخرافات وبعض السياسة أيضاً وراء قصر هذا الشهر. إليك القصة الغريبة وراء الشهر الغريب.
ما قبل ولادة شهر فبراير
28 يوماً هي أفضل من لا شيء؛ ففي البداية، لم يكن شهر فبراير موجوداً في التقويم أساساً، على الأقل عند الرومان. إذ كان أول تقويم روماني والذي ينسب إلى رومولوس (Romulus) يتألف من 10 أشهر فقط، والسبب في ذلك أن روما القديمة كانت مجتمعاً زراعياً، وكانت تعِدّ الأيام والأشهر فقط في حال كانت ذات أهمية لزراعة المحاصيل أو حصادها أو التخطيط للمهرجانات والأعياد، لذلك فقد كان العام الجديد يبدأ عند بداية الدفء في أول مارس/ آذار وينتهي في ديسمبر/ كانون الأول، وكان لهذا العام 6 أشهر من 30 يوماً، و4 أشهر من 31 يوماً.
أما الفترة ما بين نهاية العام القديم وبداية العام الجديد والتي توافق فصل الشتاء، فلم يكن لعدّ أيامها من أهمية، فلا زراعة ولا حصاد ولا مهرجانات تحصل خلالها. لكن هذا الوضع لم يُعجب نوما بومبيليوس (Numa Pompilius)، الذي شعر ربما أن كل الأيام خير وبركة، ولا بُدّ أن تحتسب جميعها، فماذا فعل؟
اقرأ أيضاً: ماذا سيحدث إذا دارت الأرض بشكل أسرع حول نفسها؟
إضافة شهر فبراير إلى التقويم بعدد أيام مشؤوم
يعتقد المؤرخون أن نوما بومبيليوس وهو ثاني ملوك روما (715-673 قبل الميلاد) هو مَن قرر أن التقويم الروماني للعام يجب أن يتناسب مع الدورة القمرية التي تبلغ مدتها 12 شهراً. لذلك، فقد أضاف شهرين إلى التقويم بعد ديسمبر هما يناير/ كانون الثاني وفبراير/ شباط، وعدد أيام كل منهما هو 28 يوماً.
لكن، وبما أن الرومان كانوا يؤمنون في ذلك الوقت ببعض الخرافات المتعلقة بالأرقام الزوجية وكونها أرقاماً مشؤومة ولا تجلب الحظ، لذلك فقد أزال نوما يوماً واحداً من كل شهر من الأشهر ذات الأرقام الزوجية، وجعلها 29 بدلاً من 30، في حين أبقى الأشهر ذات الـ 31 يوماً على حالها. وهذا ما جعل مجموع أيام السنة 354 يوماً، وهو رقم زوجي وغير آمن. لذلك، أضاف نوما يوماً إلى شهر يناير فأصبح 29، وأصبح عدد أيام السنة 355، وهو عدد فردي وآمن. لكن وحتى يبقى عدد أيام السنة فردياً وآمناً، لا بُدّ من وجود شهر بعدد زوجي من الأيام، لماذا؟
بسبب حقيقة رياضية بسيطة مفادها أن مجموع عدد زوجي من الأرقام الفردية سيكون عدداً زوجياً. لذلك، كان على فبراير أن يكون كبش الفداء، خصوصاً أنه كان شهراً مخصصاً لأداء طقوس الطهارة والكفارة المختلفة، فأي نحس قد يضيفه عدد زوجي على ذلك؟
اقرأ أيضاً: ما تأثير تغيير التوقيت العالمي على الساعة البيولوجية وكيف نخفف منه؟
هل نجحت تعديلات نوما؟
في الواقع، ليس تماماً، فالأرض تستغرق نحو 365.25 يوم لتدور حول الشمس، أما ومع التقويم الذي يتألف من 355 يوماً، فإن 11 يوماً مفقوداً سوف تتسبب في عدم توافق التقويم مع الفصول، فلا تأتي أعياد الحصاد في الصيف ولا تأتي أعياد الخريف في الخريف.
وقد كان الحل الروماني فوضوياً بعض الشيء، إذ اقتطعوا بعض الأيام القليلة من آخر فبراير وأضافوا شهراً كبيساً أسموه ميرسيدونيوس (Mercedonius) مدته 27 يوماً، وقد كان من الممكن أن ينجح الأمر على الرغم من فوضويته لولا تدخل السياسة فيه كالعادة. إذ كان يحصل التلاعب بالتقويم وإضافة الشهر الكبيس من أجل اعتبارات سياسية وحزبية ومصالح خاصة أكثر من تعديله وفقاً للمواسم، مثل تمديد أو تقليص مدة شغل المنصب أو إعطاء التشريع وقتاً أطول أو أقصر قبل التصويت، وما إلى ذلك. ثم جاء يوليوس قيصر، وغيّر كل شيء.
اقرأ أيضاً: كيف يستطيع العلماء قياس المسافات بين النجوم والمجرات في الفضاء؟
التقويم اليولياني لتصحيح التوافق بين التقويم والفصول
في عام 48 قبل الميلاد، تربع يوليوس قيصر عرش روما، وقد قدّم في ذلك العام تقويماً معدّلاً على أساس السنة الشمسية الذي تعرف عليه في مصر، حيث قام بمساعدة عالم الفلك الإسكندري سوسيجينس (Sosigenes) بزيادة 10 أيام على التقويم الروماني من 355 إلى 365 يوماً، مع إعطاء كل الأشهر عدداً من الأيام إما 30 أو 31 يوماً، ما عدا بالطبع شهر فبراير المسكين، ونظراً لأن السنة الشمسية أطول بنحو ربع يوم من السنة التقويمية، كان من المقرر إدخال يوم كبيس كل أربع سنوات، وهكذا حصلنا على السنة الكبيسة.
سُمي هذا التقويم بالتقويم اليولياني (Julian Calendar)، وهو أفضل بكثير من محاولات نوما، ومع ذلك فهو لم يكن مثالياً، إذ وعلى الرغم أن متوسط دورة الأربع سنوات للسنة اليونانية كان 365.25 يوم، لكنه لا يزال غير متوافق تماماً مع السنة الشمسية، إذ إن 11 دقيقة في السنة الشمسية تنقص عن التقويم قد سببت زيادة يوم واحد تقريباً على التقويم كل 128 عاماً، وهو تراكم بلغ في منتصف القرن السادس عشر نحو 10 أيام. بالتالي وبحلول القرن السادس عشر، لم يحدث الاعتدال الربيعي في 21 مارس/ آذار وإنما قبل ذلك بـ 10 أيام، وتم الاحتفال بالاعتدال الصيفي الذي يحدث في 21 يونيو/ حزيران قبل موعده على التقويم بـ 10 أيام.
اقرأ أيضاً: إلى أي مدى يمكنك الرجوع بالزمن إلى الوراء عندما تنظر إلى السماء؟
لتصحيح هذا التراجع وإعادة السنة التقويمية إلى السنة الشمسية، أغفل البابا غريغوري الثالث عشر هذه الأيام الإضافية، وأمر عام 1582 أن التاريخ التالي ليوم 4 أكتوبر/ تشرين الأول هو 15 أكتوبر من ذلك العام. ولمنع تكرار هذا التناقض في التقويم اليولياني، تم حذف ثلاث سنوات كبيسة كل أربعة قرون، أي لا تتم إضافة يوم كبيس في السنة التي تنتهي بصفرين (00) إلا إذا كانت قابلة للقسمة على 400 دون باقٍ. وما زلنا إلى اليوم نستخدم هذا التقويم الغريغوري (Gregorian calendar)، وما زال شهر فبراير هو الأقل حظاً بعدد الأيام.