بعد وفاة مريض الرئة الحديدية بول ألكسندر في 11 مارس/آذار 2024، برز الكثير من التساؤلات حول جهاز الرئة الحديدية، وكيف اعتمد عليها بول للبقاء على قيد الحياة بعد الإصابة بشلل الأطفال مدة تناهز السبعين عاماً؟ وما ارتباط هذه الرئة بإنشاء وحدات العناية المركزة في المشافي ومجال الهندسة الطبية؟
اقرأ أيضاً: هل يشكّل انخفاض معدل الخصوبة العالمية لنسبة 50% تهديداً للبشرية؟
تاريخ الرئة الحديدية
اخترع العالمان فيليب درينكر ولويس أغاسيز شو أول رئة حديدية في كلية الصحة العامة بجامعة هارفارد واستُخدِمت في مستشفى بوسطن للأطفال لإنقاذ حياة فتاة مصابة بشلل الأطفال كان عمرها 8 سنوات عام 1928، وكانت الرئة الحديدية تتكون من صندوق معدني ضخم مزود بمجموعة منفاخ مثبتة في أحد طرفي الصندوق لضخ الهواء إلى الداخل والخارج، وكان الجسم كله محاطاً بغرفة محكمة الإغلاق، باستثناء الرأس، ويوجد ختم مطاطي محكم يدعم الرقبة ويضمن عدم خروج الهواء من جهة الرأس.
والسبب في اختراع هذه الرئة الحديدية هو انتشار حالات شلل الأطفال في أنحاء أوروبا وأميركا الشمالية كافة، حيث وصلت إلى ذروتها في أميركا عام 1952 بعدد حالات بلغ 57,628 حالة في عام واحد.
ويُعدّ شلل العضلات من أسوأ أعراض شلل الأطفال الحاد، ويؤثّر الشلل في عضلات الجسم المختلفة، وفي بعض الحالات يُصيب عضلات الصدر فلا يستطيع المريض التنفس دون مساعدة خارجية ومن الممكن أن يموت. لهذه الأسباب ابتكر الباحثون الرئة الحديدية لمساعدة الأطفال المصابين بشلل الأطفال على التنفس بشكل اصطناعي، واستغرق بعض الأطفال عدة أسابيع أو أشهر للشفاء وتعافي عضلات الصدر لكن هناك مرضى لم يستطيعوا التعافي، فاحتاجوا إلى استخدام الجهاز للبقاء على قيد الحياة نتيجة إصابتهم بالشلل الدائم ومن هؤلاء كان بول ألكسندر.
أصبح جهاز الرئة الاصطناعية جزءاً مهماً من أجنحة المشافي المختصة بشلل الأطفال في منتصف القرن العشرين، وبحلول عام 1939، كان هناك نحو 1000 رئة حديدية قيد الاستخدام في أميركا، ومنذ ذلك الوقت ازدهر مجال الهندسة الطبية وأبرز دوره في مساعدة المرضى من خلال استخدام التكنولوجيا.
اقرأ أيضاً: ما مسببات الأمراض التي تحملها النقود وكيف يمكن الوقاية منها؟
آلية عمل الرئة الحديدية
تعمل الرئة الحديدية بمثابة جهاز تنفس اصطناعي عن طريق دفع الهواء إلى الرئتين من خلال آلية تُدعى التهوية بالضغط السلبي الخارجي (ENPV)، حيث يمتص المنفاخ الهواء من الصندوق الذي يوضع صدر المريض به، ومع انخفاض ضغط الهواء في الصندوق تتوسع الرئتان تلقائياً، ما يسحب الهواء النقي إلى رئتي المريض وصولاً إلى الحجاب الحاجز، وعندما يسمح المنفاخ بعودة الهواء إلى الصندوق، يرتفع ضغط الهواء في حجرة الجهاز المحيط بصدر المريض وتفرغ الرئتان من الهواء بشكلٍ تلقائي، ما يدفع الهواء إلى خارج الرئتين فيحدث الزفير.
تحتاج الرئة الحديدية إلى العمل بشكلٍ دائم ومتواصل لضمان استمرار حياة المريض، إذ تغذى بالكهرباء لتعمل دون توقف بالإضافة لأعمال الصيانة المستمرة التي تُعدّ أساسية لعمل الجهاز الذي يحول دون وفاة المريض.
اقرأ أيضاً: ماذا يحدث للجسم في أثناء الاحتضار؟
ما ارتباط الرئة الحديدية بوحدات العناية المركزة في المشافي؟
اُنشِئَت وحدات العناية المركزة الأولى للتعامل مع عشرات المرضى الذين يحتاجون إلى تهوية بالضغط السلبي بواسطة الرئة الحديدية نتيجة الإصابة بشلل الأطفال، ويحتاج هؤلاء المرضى إلى متابعة من الكادر الطبي على مدار الساعة. تحتوي وحدات العناية المركزة حتى الآن على أجهزة التنفس الاصطناعي التي تساعد المريض على البقاء على قيد الحياة في حالة فقدان الوعي، لكن الأجهزة الحالية تعتمد على الضغط الإيجابي للهواء، حيث يدخل الهواء عبر أنبوب إلى داخل الحنجرة وتهوية الرئتين بشكل مباشر.
هل هناك حاجة للرئة الحديدية اليوم؟
بعد تطوير لقاح فعّال لشلل الأطفال بالخمسينيات من القرن الماضي، انخفضت حالات الإصابة بشلل الأطفال بشكلٍ كبير ولم تعد هناك حاجة إلّا لعدد قليل من أجهزة الرئة الحديدية في المستشفيات، واستُبدِلَت أجهزة الرئة الحديدية القديمة بأجهزة التنفس الاصطناعي الحديثة.
تُستخدم أجهزة التنفس الاصطناعي اليوم في وحدات العناية المركزة وأقسام الطوارئ بدلاً من استخدامها لضحايا شلل الأطفال، ولم يعد المريض بحاجة إلى أن يكون مغلفاً من رقبته حتى أخمص قدميه في صندوق يشبه التابوت ليصبح قادراً على التنفس، وأصبحت إمكانية الوصول إلى كامل جسم المريض ممكنة لمنحه الأدوية الوريدية أو أخذ الإشارات الحيوية من جسمه، لكن لا يمكن إنكار دور الرئة الحديدية في تطور الطب والعناية المركزة، إذ كانت الخطوة الأولى التي مهّدت لإنقاذ حياة الملايين من بعدها.