تواصل معنا
Search Open Side Panel

هل نحن في حاجة إلى اللوزتين فعلاً؟

6 دقيقة
حقوق الصورة: Shutterstock.com/Prostock-studio

تؤدي اللوزتان دوراً مناعياً مهماً، لكن استئصالهما لا يزال شائعاً خصوصاً في حالات طبية معينة. تتطور المعرفة العلمية وتعيد تشكيل الفهم البشري حول ضرورتهما ومتى تكون إزالتهما هي الخيار الأنسب:

  • اللوزتان جزء من جهاز المناعة، وتسهمان في الحماية من الفيروسات والبكتيريا عبر خلا…

لطالما دأب البشر على استئصال اللوزتين منذ زمن بعيد. يعود تاريخ أولى عمليات استئصال اللوزتين إلى آلاف السنين، على الأقل إلى الممارسات الطبية الهندوسية المبكرة ولاحقاً إلى الإمبراطورية الرومانية. ومع تقدم الأساليب الجراحية، أصبحت عمليات استئصال اللوزتين شائعة في القرن العشرين. وقد كان يوصى بها على نطاق واسع لدرجة أنه في عام 1921، افتتح مستشفى في منطقة مانهاتن مخصص فقط لإجراء هذه العملية للأطفال الفقراء. مول المتبرعون الأثرياء المشروع اعتقاداً منهم بأن إزالة اللوزتين تقدم فائدة عامة للأشخاص الأقل حظاً.

وعلى الرغم من إغلاق مستشفى اللوزتين منذ عقود، لا تزال عمليات استئصال اللوزتين من أكثر جراحات الأطفال شيوعاً. وتشير بعض التقديرات إلى انخفاض معدلاتها بعد أن بلغت ذروتها في سبعينيات القرن الماضي.

يقول طبيب الأنف والأذن والحنجرة عند الأطفال والأستاذ في المركز الطبي بجامعة جنوب غرب تكساس، رون ميتشل: "تبلغ نسبة العمليات التي نجريها اليوم لكل 100,000 شخص ربما 50% تقريباً من عدد العمليات من هذا النوع التي أجريت في السبعينيات".

ولكن لا يزال عدد عمليات استئصال اللوزتين لدى الأطفال دون سن 15 سنة في الولايات المتحدة يبلغ 290,000 عملية كل عام، وفقاً للدليل الإرشادي للممارسة السريرية لعام 2019 لاستئصال اللوزتين لدى الأطفال، والذي شارك ميتشل في تأليفه.

فلماذا يوصي الأطباء باستمرار باستئصال اللوزتين؟ ولماذا نولد بهذه الكتل اللحمية في مؤخرة حناجرنا في المقام الأول، إذا كانت تسبب المشاكل في كثير من الأحيان؟

اقرأ أيضاً: متى يصبح استئصال اللوزتين ضرورياً؟ وما الذي يمكن توقعه بعد العمل الجراحي؟

ما وظيفة اللوزتين؟

تعد اللوزتان من أعضاء الجهاز المناعي. وهما مكونتان من نسيج لمفاوي مشابه للعقد اللمفاوية، وتحتويان على خلايا دم بيضاء مكافحة للعدوى. يولد الإنسان بلوزتين مشتملتين على أربع مجموعات تشكل بنية تسمى حلقة فالداير، حيث يتصل تجويفا الأنف والفم في الجزء الخلفي من الحلق. اللوزتان الحنكيتان الواقعتان خلف سقف الحلق مباشرة، على جانبي اللهاة مباشرة، هما الأكبر حجماً والأكثر تعرضاً للاستئصال الجراحي. أما اللوزتان البلعوميتان أو الزائدتان الأنفيتان، فتقعان في الجزء الخلفي من الممر الأنفي وعادة ما تتعرض للاستئصال الجراحي أيضاً. وتوجد أنسجة لوزية إضافية عند قاعدة اللسان وعند فتحتي قناتي استاكيوس (أو ما يعرف مفردهما باسم نفير أوستاش).

وتؤدي البنى الأربع كلها وظيفة متشابهة جداً -إن لم تكن متطابقة- كما يقول الطبيب المختص في الأنف والأذن والحنجرة والباحث الطبي في جامعة كاليفورنيا بمدينة سان دييغو، فرهود فراجي، في حديث مع مجلة بوبيولار ساينس. ويوضح أن هذا التكرار البنيوي المدمج يخفف الاضطراب الذي ينجم عن عمليات استئصال اللوزتين. ففي الغالبية العظمى من الحالات، يترك الأطباء بعض الأجزاء لتعويض النقص.

تقول طبيبة الأمراض المعدية والمختصة في علم المناعة في جامعة كاليفورنيا بمدينة سان دييغو، سيدني راميريز، إن اللوزتين الطبيعيتين السليمتين تؤديان دوراً في ذاكرة الجهاز المناعي وإنتاج الأجسام المضادة الموضعية، ما يسرع قدرة الجسم على محاربة البكتيريا والفيروسات الغازية بالقرب من المواضع التي من المرجح أن تدخل منها إلى الجسم. تحتوي اللوزتان على مخزون من الخلايا التائية والخلايا البائية والخلايا البلعمية والخلايا المعتدلة، وهي جميعها خلايا دم بيضاء لها أدوارها الخاصة في مكافحة البكتيريا. تنشط الخلايا التائية الاستجابة المناعية وتكشف الكائنات المتطفلة، بينما تنتج الخلايا البائية أجساماً مضادة تميز الجسيمات المسببة للمشاكل لمهاجمتها. أما الخلايا البلعمية الكبيرة والمعتدلة فتبتلع مسببات الأمراض وغيرها من المخلفات وتقضي عليها.

تقول راميريز: "لديك هذه المجموعة من الخلايا المناعية التي يمكنها محاربة الفيروسات والبكتيريا التي لا تحتاج إلى الانتقال لمسافات بعيدة، ويمكنها المراقبة أو توفير الحماية بصفتها أول خط دفاعي" بعد المخاط المهم للغاية. وقد وجدت في بحثها دليلاً على أن اللوزتين تحتفظان بذاكرة مضادة للفيروسات لمكافحة تكرار العدوى بفيروس سارس-كوف-2 (الفيروس المسبب لكوفيد-19) وغيرها من العوامل الممرضة الشائعة على المدى الطويل.

ولكنها تضيف على سبيل التأكيد: "لدى البشر الكثير من البنى المتكررة". فإذا أزيلت اللوزتان، سيظل التنوع نفسه من الخلايا المناعية موجوداً ومنتشراً في أنحاء الجسم. إذ تقول: "لحسن الحظ، لا يعني استئصال إحدى هذه البنى أنك معرض لأمراض مميتة بالضرورة".

اقرأ أيضاً :باحثون يكتشفون علاقة وثيقة بين صحة الفم والألم والصداع النصفي لدى النساء

ما الذي يدعو إلى استئصال اللوزتين أحياناً؟

مع مرور الوقت، ومع تغير الإحصائيات المتعلقة باستئصال اللوزتين، تغيرت أيضاً الأسباب السائدة لذلك. كانت عمليات استئصال اللوزتين، عقوداً من الزمن، تجرى في الغالب لعلاج التهاب اللوزتين المتكرر، وهو عدوى تصيب اللوزتين تسببها بكتيريا المكورات العقدية المجموعة أ. يعد التهاب الحلق العقدي مزعجاً لأي شخص، ولكن عند فئة الأطفال الذين يصابون بالتهاب اللوزتين المتكرر قد يكون مزعجاً بصورة خاصة حيث تتكرر نوبات التورم والحمى ومشاكل البلع والألم الشديد مراراً وتكراراً. بالإضافة إلى ذلك، تشير راميريز إلى أن عدوى البكتيريا العقدية التي لا يجري علاجها تنطوي على مخاطر طويلة الأمد واحتمال حدوث مضاعفات، مثل الحمى الروماتيزمية.

ومع ذلك، فإن التحسينات التي تطرأ على العلاجات بالمضادات الحيوية، والأبحاث الحديثة التي تشير إلى أن حالات التهاب اللوزتين المتكررة يمكن أن تنحسر مع مرور الوقت، تعني أن التهاب الحلق العقدي لم يعد الدافع الرئيسي لاستئصال اللوزتين، على حد تصريح ميتشل لبوبيولار ساينس. ويقول: "على مدى السنوات العشرين الماضية، شهدنا انخفاضاً كبيراً في عدد حالات استئصال اللوزتين بسبب العدوى المتكررة". والدليل الإرشادي لعام 2019 الذي شارك في كتابته يوصي بشدة بالمراقبة والانتظار استجابة لتكرار الإصابة بالتهاب الحلق العقدي في معظم الحالات، بدلاً من اللجوء مباشرة إلى الجراحة.

أما اليوم، فإن الدافع الأكبر لاستئصال اللوزتين هو حل مشاكل التنفس. إذ تنمو اللوزتان لدى بعض الأطفال بوتيرة أسرع من المجاري التنفسية. يقول ميتشل: "وهنا تظهر مشاكل الشخير والتنفس عبر الفم واضطرابات التنفس في أثناء النوم".

ويوضح ميتشل أن اللوزتين المتضخمتين يمكن أن تتسببان في انقطاع النفس الانسدادي النومي لدى بعض الأطفال، ما يعوق إمكانية حصولهم على قسط كاف من الراحة أشهراً، أو حتى سنوات في كل مرة، خلال فترة حاسمة من نمو الدماغ. ومرة أخرى، في العديد من الحالات، قد يكشف إفساح الوقت الكافي للطفل إلى جانب المراقبة الدقيقة أن المشكلة تحل نفسها تلقائياً، مع ازدياد حجم المجاري التنفسية.

ومع ذلك، بالنسبة إلى الأطفال الذين يعانون أعراض انقطاع التنفس الحادة، قد لا يكون هذا الانتظار مجدياً. إذا كان الأطفال يعانون صعوبات في المدرسة، أو تاخراً في النمو أو يعانون مشاكل سلوكية أو الربو، فإن ميتشل وزملاءه في إعداد الدليل الإرشادي يوصون باستئصال اللوزتين، أي من الأفضل أن يتحمل الطفل أسبوعاً أو أسبوعين من النقاهة المؤلمة بدلاً من قضاء أشهر من صعوبات التنفس والنوم.

هل تنطوي عملية استئصال اللوزتين على أي مخاطر؟

كما هي الحال مع أي عملية جراحية تنطوي على الخضوع للتخدير العام، ثمة خطر حدوث رد فعل سلبي أو تحسسي. ويقول ميتشل إن النزيف بعد الجراحة هو خطر آخر محتمل (وإن كان نادراً) على المدى القصير يمكن أن يؤدي في النهاية إلى إجراء جراحة إضافية لتصحيح الوضع. إذا لم يتمكن الأطفال بمساعدة أهاليهم من السيطرة على الألم بما فيه الكفاية في أعقاب الجراحة، فقد يتوقفون عن شرب السوائل ويصابون بالجفاف، وهذا من المضاعفات المحتملة الأخرى.

كما أن ثمة جدلاً حول العواقب الطويلة المدى لاستئصال اللوزتين. ونظراً لأنهما عضوان مناعيان، فقد بحثت مجموعة من الدراسات فيما إذا كان من استؤصلت لوزتاهم يعانون في فترات لاحقة اختلافات في المناعة أو نقصاً فيها مقارنة بمن لم يستأصلوها. لم تجد الغالبية العظمى من الأبحاث التي تبحث في المؤشرات السريرية للوظائف المناعية، مثل تعداد خلايا الدم البيضاء ومستويات الأجسام المضادة، أي فرق يذكر.

على الرغم من ذلك، فقد وجدت بعض الدراسات الجماعية الكبيرة (أو ما يعرف بدراسات الأتراب) أن الأطفال الذين خضعوا لعمليات استئصال اللوزتين أو استئصال الزوائد الأنفية يظهرون زيادة طفيفة ولكن ملحوظة في معدل الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي -بما في ذلك الالتهابات والحساسية وأمراض المناعة الذاتية والربو- طوال حياتهم، مقارنة بالأطفال الذين لم تستأصل لوزتاهم. تشير أبحاث أخرى قائمة على مجموعات أخرى إلى وجود ارتباط بين استئصال اللوزتين وارتفاع طفيف في خطر الإصابة بأنواع متعددة من السرطان.

ومع ذلك، تشير راميريز إلى أن الصعوبة في دراسات الأتراب هذه كلها تكمن في عدم قدرتها على تحديد السبب بصورة مباشرة، بل الارتباط فقط. من المحتمل أن يكون استئصال اللوزتين مرتبطاً بخطر الإصابة بالسرطان لأن الأنسجة اللمفاوية تسهم في تحديد الخلايا السرطانية والمحتملة التسرطن والقضاء عليها في وقت مبكر. لكن من المحتمل أيضاً أن يكون الأشخاص الذين يعانون التهاب اللوزتين المتكرر أو مشاكل التنفس في مرحلة الطفولة مهيئين بالفعل للإصابة ببعض أنواع السرطان وأمراض الجهاز التنفسي. أو أن يكون استئصال اللوزتين في مرحلة الطفولة يشير إلى مستوى حصولك على الرعاية الطبية وتعرضك لها، وهو ما قد يزيد احتمالية زيارتك للطبيب لاحقاً بسبب عدوى أو تشخيص إصابتك بالسرطان. وتقول: "لا نعلم".

الأمر الواضح هو أن استئصال اللوزتين علاج فعال وسريع لصعوبات التنفس لدى بعض الأطفال ولعدد قليل من الأطفال المصابين بالتهابات الحلق المتكررة.

اقرأ أيضاً: ما هو العلاج المناعي الفموي؟ وما مدى فائدته لعلاج الحساسية الغذائية؟

استئصال اللوزتين في الماضي والحاضر

في العقود الماضية، ربما كانت عمليات استئصال اللوزتين تجرى دون مراعاة كافية للتكاليف مقابل الفوائد. وكانت معدلات هذه العمليات الجراحية تختلف باختلاف الموقع أكثر من أي مؤشرات سريرية فعلية للحاجة. ففي إحدى البلدات التابعة لولاية فيرمونت، على سبيل المثال، خضع نحو 70% من الأطفال لعملية استئصال اللوزتين في ستينيات القرن الماضي، مقابل 20% في بلدية مجاورة.

أما الآن، فقد أصبحت المبادئ التوجيهية لإزالة اللوزتين موحدة ويميل الأطباء إلى اتباع نهج أكثر حذراً. يقول فراجي: "نحن لا نستأصل اللوزتين أبداً إذا لم يكن ثمة مبرر حقيقي". ويضيف أنه عندما يكون ذلك ضرورياً، يكون ذلك لسبب وجيه.

يقول ميتشيل: "لطالما كان هناك قلق بشأن الإفراط في استخدام الجراحة"، ومن المهم طرح هذه الأسئلة والتفكير في المسألة برمتها. ويضيف: "يجب إجراء الجراحة فقط عندما تكون فوائدها أكبر من مخاطرها بكثير. فغالبية الأطفال لا يحتاجون إلى استئصال اللوزتين".

ولكن عند إجرائها لأسباب صحيحة، فإن استئصال اللوزتين يوفر دفعة معنوية ويحسن جودة الحياة. يقول ميتشل: "لدينا أسر سعيدة جداً وغالباً ما تقول، بعد شهر واحد من الاستئصال، إنه كان أفضل إجراء اتخذوه على الإطلاق".

يجري الأطباء ما يقرب من 290,000 عملية استئصال للوزتين عند الأطفال دون سن 15 عاماً كل عام في الولايات المتحدة.

المحتوى محمي