هل يمكن أن تؤذيك الروائح الكريهة؟

3 دقيقة
الروائح الكريهة هي بمثابة إشارات تحذير.

وضعت خطيبتي، التي كانت تأكل طبقاً من المعكرونة على مسافة قريبة، الشوكة من يدها. لقد فسدت وجبتها. سألتني إن انتقلت جزيئات البراز عبر الغرفة ووصلت إلى طبقها، وقلت إن ذلك لن يسبب المرض لها.

لم يكن هذا ما سألته، فكررت سؤالها قائلة: "هل احتوى طبقها على  البراز؟

بعد الكثير من البحث، يبدو أن الجواب هو نعم، من المحتمل أن الطبق احتوى فعلاً على جزيئات من البراز. مع ذلك، فإن تناول المعكرونة، أو شم رائحة البراز، آمن.

اقرأ أيضاً: كشف أسرار زهرة الجثة: رحلة علمية لفهم رائحتها الكريهة

فرضية الوبالة

ساد الاعتقاد الذي ينص على أن الرائحة في حد ذاتها يمكن أن تسبب المرض، وهي فرضية تحمل اسم "فرضية الوبالة"، منذ أيام اليونان القديم حتى أواخر القرن التاسع عشر. قال المُصلح في مجال الصحة العامة، إدوين تشادويك، أمام لجنة برلمانية بريطانية عام 1846 بعد أن شهدت مدينة لندن العديد من أوبئة الكوليرا: "تسبب الروائح الأمراض الحادة مباشرة إذا كانت شديدة". مع اقتراب القرن التاسع عشر من نهايته، صعدت "نظرية جرثومية المرض" الأدق، التي تنص على أن الكائنات الحية الدقيقة هي التي تسبب الإصابة بالأمراض.

قالت كبيرة المسؤولين العلميين في مركز مونيل للحواس الكيميائية، دانيل ريد، إن الرائحة الكريهة المنبعثة من البراز هي "إشارة تحذير كبيرة وفعالة" على الرغم من أنها لا تسبب المرض من تلقاء نفسها. مع ذلك، "هناك أسباب بيولوجية وتطورية تجعلنا نشعر بأن البراز كريه جداً، لأنه يضر بالبشر وقد يحمل مختلف الأنواع من الجسيمات الوسخة"، حسب تعبيرها.

يصاب البشر بالمرض إذا لمسوا البراز وابتلعوا بكتيريا الإشريكية القولونية، ولكن ليس من خلال شم البراز. مع ذلك، يمكن أن يضر استنشاق بعض المواد  بالبشر. قد تموت إذا استنشقت كمية كبيرة من غاز الخردل أو سيانيد الهيدروجين، إضافة إلى أن الفيروسات والبكتيريا تنتقل عبر الهواء وقد تؤدي إلى الإصابة بأمراض مثل كوفيد-19 والسل وأمراض خطرة أخرى. في هذه الحالات، الرائحة ليست سبب الضرر، بل السبب هو استنشاق الجزيئات السائلة الملوثة التي يطلقها الجسم عندما يضحك الأشخاص أو يسعلون.

الروائح الكريهة إشارات تحذير

الروائح الكريهة هي إشارات "تحذير" غالباً وليست سبباً للضرر، وذلك لأن جزيئات الروائح الكريهة صغيرة جداً وتتكون من بضع ذرات، وهي أصغر من أن تنقل الجراثيم. يقول مدير مركز الشم والتذوق في جامعة بنسلفانيا، ريتشارد دوتي، إنه عندما يطلق جسم ما تلك الجزيئات، يشق بعضها طريقه إلى الأنف، الذي يحتوي عادة على 6-10 ملايين من الخلايا المستقبلة للروائح. يقول دوتي: "هناك نحو 400 نوع مختلف من هذه الخلايا يعبّر كل منها عن بروتين فريد من نوعه". يحفز جزيء الرائحة مستقبلات شمية متعددة، وتحدد تركيبة الخلايا المحفّزة الرائحة، كما تشكّل النوتات الموسيقية توليفة معينة. يفسر الدماغ بعض هذه التركيبات على أنه "زكي" وبعضها الآخر على أنه "كريه".

مع ذلك، لا تدخل هذه الجزيئات جميعها إلى الأنف؛ إذ يصل بعضها إلى البشرة التي تحتوي بدورها على مستقبلات الرائحة، مثل تجويف الأنف. (قالت ريد إنه يجب أن نطلق على هذه المستقبلات اسم "الكاشفات الكيميائية" لأنها لا ترتبط بالروائح عندما تكون خارج الأنف). تصل الجزيئات أيضاً إلى الأسطح الأخرى مثل الملابس والسجاد والطعام.

تعتمد مدة بقاء جزيئات الرائحة على أسطح الأجسام على مساحة هذه الأسطح. قال دوتي، وهو أيضاً مؤسس شركة سينسونكس (Sensonics) التي تطور اختبارات الرائحة: "يحتفظ بعض المواد بالجزيئات أكثر من غيره". على سبيل المثال، يحتفظ السجاد بالرائحة فترة أطول من قطع السيلوفان الملساء لأنه يحتوي على عدد أكبر من الأخاديد التي تعلق بها الجزيئات. وفقاً لدوتي، "هناك روائح تبقى سنوات"، ويعتمد ذلك على نوع الجزيئات ومدة التعرض لها.

اقرأ أيضاً: دراسة جديدة: الكلاب تشمُّ رائحة التوتر عند البشر وتتشاءم بسببها

دراساتنا لحاسة الشم ما تزال قاصرة

عندما يتعلق الأمر بالسجاد النتن وفضلات الكلاب، فقد تتمنى لو أنك قادر على فقدان حاسة الشم. مع ذلك، بينت دراسة نشرها مستشفى هارفارد التعليمي عام 2021 أن نحو 60% من المصابين بكوفيد-19 عانى فقدان حاسة الشم بدرجة ما. هذا ما يجعل الباحثين مثل ريد بحاجة إلى المزيد من الموارد للبحث.

تقول ريد: "معرفتنا عن الرؤية أكبر بكثير من معرفتنا عن الشم"، مع ذلك، "تبلغ نسبة التمويل المخصص لدراسة الشم نحو 10% من التمويل المخصص لدراسة الرؤية والسمع". قد تمثّل دراسة حاسة الشم طريقاً لفهم بعض المشكلات الطبية الملحة.

تقول ريد: "فقدان حاسة الشم هو علامة مبكرة على الاضطرابات العصبية التنكسية مثل مرض باركنسون وآلزهايمر، وأثّر ذلك في عائلتي مباشرة؛ إذ فقد زوجي حاسة الشم عندما كان شاباً يافعاً، ولم أفهم السبب حينها، لكن اتضح لاحقاً أن ذلك كان نذيراً لحالة مرضية كانت قاسية بالنسبة لنا".

يوافق دوتي على ضرورة إنفاق المزيد من الموارد لدراسة حاسة الشم؛ إذ إنه قال: "أعتقد أن الفكرة الخاطئة الأهم تنص على أن الجهاز الشمي ليس جهازاً مهماً جداً". ينبهنا هذا الجهاز عندما نكون بالقرب من مواد خطرة، مثل الطعام الفاسد والبراز وكذلك الغاز المتسرب ودخان الحرائق، إضافة إلى أنه يشعرنا بالمتع البسيطة. قال دوتي: "إذا كنت تحب الطعام أو متعة تناول الطعام، فحاسة الشم مهمة جداً".

عموماً، تستحق القدرة على الاستمتاع بطبق من المعكرونة اللذيذة المعاناة بسبب رائحة براز كلب. تحمي هذه الروائح الكريهة البشر، وربما سنفتقدها إذا اختفت.

المحتوى محمي