أطلت علينا جمعية الرفق بالحيوان الدولية مؤخراً بفيلمٍ قصير جديد عنوانه «Save Ralph» من إخراج «تايكا وايتيتي»؛ والذي يسرد قصة الأرنب رالف الذي تحولت حياته لجحيمٍ بسبب اختبارات البشر لمستحضرات التجميل عليه، وما طرأ عليه من تشوّهات، وبالطبع؛ لا يخصص الفيلم رالف بالذكر، بل يسلط الضوء بشكلٍ عام على اختبار مستحضرات التجميل على الحيوانات؛ وهو نوع من الاختبارات على الحيوانات المستخدمة لاختبار سلامة المنتجات وخصائصها المضادة للحساسية قبل الاستخدام من قبل البشر، وهو شكل متقدم من التجارب اللازمة لتحديد ما إذا كان منتج مستحضرات التجميل آمناً للاستخدام، ونظراً للضرر الذي تلحقه هذه التجارب بالحيوانات؛ يعارض نشطاء حقوق الحيوان وغيرهم هذا الاختبار. لنتعرّف إليه أكثر..
تاريخ اختبار مستحضرات التجميل على الحيوانات
تم إجراء الاختبارات الأولى المعروفة على الحيوانات في وقت مبكر يعود إلى ما قبل عام 300 قبل الميلاد؛ إذ توثق جميع كتابات الحضارات القديمة استخدام التجارب على الحيوانات، استخدمت هذه الحضارات، بقيادة رجال مثل أرسطو وإيراسيستراتوس، الحيوانات الحية لاختبار الإجراءات الطبية المختلفة.
كان هذا الاختبار مهماً لأنه أدى إلى اكتشافات جديدة؛ مثل كيفية تداول الدمظن وحقيقة أن الكائنات الحية بحاجة إلى الهواء للبقاء على قيد الحياة، وكانت فكرة أخذ حيوان ومقارنته بكيفية بقاء البشر فكرةً جديدةً تماماً، ولم تكن لتوجد لولا دراسة أسلافنا للحيوانات وكيفية عمل أجسامها.
في عام 1665، اكتشف العالمان «روبرت هوك» و «أنتوني فان ليوينهوك» ودرسا كيفية عمل الجراثيم، وقاموا بنشر كتاب عن اكتشافهم؛ والذي لم يقبله الكثير من الناس؛ بمن في ذلك المجتمع العلمي في البداية، وبعد مرور بعض الوقت؛ تمكن العلماء من نقل الأمراض للحيوانات من الميكروبات، وأدركوا أن الميكروبات موجودة بالفعل، ومن هناك تمكنوا من استخدام الحيوانات لفهم كيفية عمل المرض والتأثيرات المحتملة على جسم الإنسان.
وكان إثبات نظرية جرثومة المرض تتويجاً لإنجاز العالم الفرنسي «لويس باستور»؛ وهو لم يكن أول من اقترح أن الأمراض نتجت عن كائنات مجهرية؛ لكن وجهة النظر هذه كانت مثيرةً للجدل في القرن التاسع عشر، وعارضت نظرية العفوية التي كانت السائدة؛ حيث كانت فكرة الجراثيم والكائنات الدقيقة الأخرى فكرةً جديدةً تماماً، ولم تكن لتتحقق بدون استخدام الحيوانات.
كل هذا أدى إلى شيء أكثر حداثةً؛ وهو استخدام الحيوانات لاختبار منتجات التجميل، لقد أصبح هذا موضوعاً مثيراً للجدل للغاية في السنوات الأخيرة؛ فهناك العديد من الأشخاص الذين يعارضون بشدة استخدام الحيوانات لهذا الغرض، ولسبب وجيه؛ فعادةً ما تشمل الاختبارات التي تُجرى على الحيوانات لمستحضرات التجميل اختبارات تهيج الجلد والعين؛ حيث يتم فرك المواد الكيميائية على الجلد المحلوق، أو تقطيرها في عيون الأرانب.
وكذلك دراسات التغذية القسرية المتكررة عن طريق الفم؛ والتي تستمر لأسابيع أو شهور للبحث عن علامات المرض العام أو المخاطر الصحية المحددة؛ مثل السرطان أو العيوب الخلقية، وحتى اختبارات «الجرعات المميتة» التي تمت إدانتها على نطاق واسع؛ حيث تُجبر الحيوانات على ابتلاع كميات هائلة من مادة كيميائية اختبار لتحديد الجرعة التي تسبب الوفاة. يمكن أن يكون هذا النوع من الاختبارات أمراً مفيداً في العثور على معلومات مهمة حول المنتجات؛ ولكنه ق يكون ضاراً للحيوانات التي يتم اختبارها عليها، وقد يطال التنوع البيولوجي.
في عام 1937، تم ارتكاب خطأ أدى إلى تغيير صناعة الأدوية بشكل جذري؛ حيث ابتكرت إحدى الشركات دواء «Elixir sulfanilamide»؛ لعلاج عدوى «المكورات العقدية»، وبدون أي بحث علمي؛ كان الدواء متاحاً على الرفوف. تبين أن هذا الدواء سام للغاية للناس؛ مما أدى إلى تفشي تسمم كبير أعقبه أكثر من 100 حالة وفاة، وأدى هذا الوباء إلى إصدار قانون في عام 1938 يُدعى «قانون الغذاء والدواء ومستحضرات التجميل في الولايات المتحدة»؛ والذي يفرض إرشادات أكثر صرامةً على مستحضرات التجميل، وبعد تمرير هذا القانون، نظرت الشركات إلى الحيوانات لاختبار منتجاتها؛ مما أدى بدوره إلى إنشاء الموجات الأولى من اختبار مستحضرات التجميل على الحيوانات.
طرق اختبار مستحضرات التجميل على الحيوانات
تتضمن طرق اختبار مستحضرات التجميل على الحيوانات العديد من الاختبارات المختلفة؛ التي يتم تصنيفها بشكل مختلف بناءً على المناطق التي سيتم استخدام مستحضرات التجميل فيها، ويمكن أن يؤدي أحد المكونات الجديدة في أي منتج تجميلي مستخدَم في هذه الاختبارات إلى موت 1400 حيوان على الأقل.
اختراق الجلد
تُستخدم الفئران في الغالب في هذه الطريقة التي تحلل لحظة دخول المادة الكيميائية وتغلغلها في مجرى الدم؛ فاختراق الجلد هو طريقة تخلق فهماً أفضل لامتصاص الجلد لتلك المواد وتِبعاته.
حساسية الجلد
هذه طريقة تحدد ما إذا كانت مادة كيميائية تسبب رد فعل تحسسي، كما يتم فيها حقن المادة الكيميائية المساعِدة لتقوية جهاز المناعة. في الماضي، كان يتم إجراؤها على خنازير غينيا، ويتم تطبيقها على رقعة من الجلد المحلوق، وبعدها، يتم تقييم المواد بناءً على مظهر الجلد.
السمية الحادة
يستخدم هذا الاختبار لتحديد خطر التعرض لمادة كيميائية عن طريق الفم أو الجلد أو الالتهاب؛ حيث تُحقن الجرذان والفئران بجرعة قاتلة تقضي على 50% من الحيوانات الخاضعة للتجربة، ويمكن أن يُسبب هذا الاختبار تشنجات عند الحيوانات، وفقدان الوظيفة الحركية، ونوبات صرع.
اختبار «درايز»
هذه طريقة اختبار قد تسبب تهيجاً أو تآكلاً للجلد أو العين على الحيوانات، وحساسية الجلد، وتحسس مجرى الهواء، واضطراب الغدد الصماء، وكذلك مقتل نصف الحيوانات الخاضعة للدراسة.
تآكل أو تهيّج الجلد
تقيّم طريقة الاختبار هذه احتمالية تَسبُّب مادة ما تلف الجلد بشكل لا رجعة فيه، يتم إجراؤه عادةً على الأرانب، ويتضمن وضع مواد كيميائية على رقعة من الجلد المحلوق؛ هذا يحدد مستوى الضرر الذي يلحق بالجلد؛ بما في ذلك الحكة والالتهاب والتورم وما إلى ذلك.
ماهي البدائل المتاحة لدينا؟
يمكن الآن لمصنعي مستحضرات التجميل الذين لا يختبرون الحيوانات، استخدام الشاشات في المختبر لاختبار نقاط النهاية التي يمكن أن تحدد المخاطر المحتمَلة على البشر بحساسية وخصوصية عالية جداً؛ إذ تتخصص شركات مثل «CeeTox» الأميركية في مثل هذه الاختبارات، وكذلك المنظمات مثل «مركز بدائل الاختبارات على الحيوانات» (CAAT)، والعديد من المنظمات الأخرى التي تدعو إلى استخدام الاختبارات في المختبر، وغيرها من الاختبارات غير الحيوانية في تطوير المنتجات الاستهلاكية؛ إذ يتم استخدام المكونات الآمنة من قائمة تضم 5000 مكوّن؛ والتي تم اختبارها بالفعل جنباً إلى جنب مع الأساليب الحديثة لاختبار مستحضرات التجميل؛ مما يبطل الحاجة إلى الاختبارات باستخدام الحيوانات.
أحد هذه المكوّنات هو جلد بشري اصطناعي يُستخدم كخيار للاختبار البديل؛ إذ يمكن للجلد الاصطناعي تقليد رد فعل الجلد البشري الفعلي تجاه المنتج والمواد الكيميائية التي يحتوي عليها، ويمكن تغييره لتقليد أنواع البشرة المختلفة والأعمار؛ على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي استخدام ضوء الأشعة فوق البنفسجية على أحد أنواعه إلى تشابهه مع الجلد الأكبر سناً، وإضافة الخلايا الصبغية ستحول الجلد إلى لون أغمق.
ساعد هذا في إنشاء مجموعة من ألوان البشرة المختلفة؛ التي تُستخدم بعد ذلك لمقارنة نتائج واقي الشمس على مجموعة مختلفة من الأشخاص، ولمعالجة المشكلات المحتمَلة مع أجزاء أخرى من جسم الإنسان، طورت شركات الأبحاث؛ مثل «NOTOX» نموذجاً اصطناعياً للكبد البشري؛ وهو العضو الرئيسي لإزالة السموم من الجسم، من أجل اختبار المكونات والمواد الكيميائية الضارة لمعرفة ما إذا كان الكبد يمكن أن يزيل السموم من تلك العناصر.
كما يمكن لشركات الأبحاث أيضاً استخدام أجزاء الجسم والأعضاء المأخوذة من الحيوانات المذبوحة لصناعة اللحوم، لإجراء اختبارات مثل اختبار «عتامة ونفاذية القرنية البقري» واختبار «عين الدجاج» المعزول، وتُستخدم الآن الأنسجة المزروعة في المختبر لاختبار المواد الكيميائية في منتجات المكياج، و«MatTek» هي إحدى الشركات التي تقوم بذلك؛ إذ تبيع كميات صغيرةً من خلايا الجلد للشركات لاختبار منتجاتها عليها. بعض هذه الشركات هي تلك التي تصنع منظفات الغسيل، والمكياج، ومنظفات المرحاض، والكريمات المضادة للشيخوخة، وغسول التسمير؛ إذ أنه وبدون هذه الأنسجة؛ ستختبر الشركات منتجاتها على الحيوانات الحية.
تُعتبر الأنسجة المزروعة في المختبر بديلاً رائعاً لاختبار المنتجات الضارة على الحيوانات، وبالفعل؛ تمكن أحد المختبرات من زراعة 11 نوعاً مختلفاً من الأنسجة في طبق بِتْرِي مخبري. لم تكن تلك الأنسجة تعمل بكامل طاقتها من تلقاء نفسها، وفي الواقع؛ كان العديد من هذه الأنسجة يشبه أجزاءَ صغيرةً فقط من عضو بشري حقيقي الحجم، ومعظمها كان أصغر من أن يُزرع في البشر. الجانب المشرق هو أنها كانت تجربةً تعليميةً رائعةً للعديد من الطلاب الذين يبحثون هناك، ومن المحتمَل أن تكون هذه التكنولوجيا رائعةً في المستقبل إذا ما تم تطويرها وتفادي أخطائها.
لم تقم العديد من الشركات بالتحول إلى أسلوب خالٍ من القسوة حتى الآن لأسباب عديدة؛ أحدها هو الوقت الذي تستغرقه الأنسجة المزروعة في المختبر لتصبح صالحةً للاستخدام. من ناحية أخرى؛ يمكن أن تنضج الحيوانات المختبَرة بسرعة؛ فالفئران على سبيل المثال، لديها معدل نمو أسرع بكثير؛ فهي تستغرق حوالي ثلاثة أسابيع منذ الولادة وحتى مرحلة البلوغ إلى أن تنضج وتبدأ في رعاية نفسها، كما تصل القوارض إلى مرحلة النضج الجنسي في حوالي خمسة أسابيع، وتبدأ في التزاوج بعد فترة وجيزة لإنتاج الجيل التالي.
وبالإضافة إلى الوقت القصير للغاية الذي يستغرقه الجرذ لينضج؛ يمكنهم تزويد الباحثين بمجموعة كاملة من أنظمة الأعضاء، وليس مجرد ورقة من الخلايا الرقيقة، كما يمكن للجرذان أيضاً التكاثر، وهي تفعل ذلك بوتيرة سريعة جداً بشكل عام؛ إذ تنتج الجرذان حوالي سبعة أنسال لكلّ حمل، ويمكن أن تصل إلى 14 في المرة، وتستمر فترات الحمل النموذجية بضعة أسابيع فقط؛ مما يسمح لكل أنثى جرذ بالولادة خمس مراتٍ في السنة.
التحرّك لإنهاء المشكلة
تسعى منظمة «Cruelty Free International» وشركاؤها، إلى ضم جميع الشركات في جميع أنحاء العالم التي تتطلع إلى أن تكون تجاربها خاليةً من القسوة؛ إذ يمكن للشركات التي تنتج منتجات التجميل والمنتجات المنزلية، والتي لا تختبر منتجاتها على الحيوانات في أي سوق، أن تطلب عضوية برنامج «ليبينج بَني»؛ أي الأرنب الهارب؛ والذي يسمح لتلك الشركة بعرض شعار البرنامج الخاص بالمؤسسة على منتجاتها، ويُنصح بالنظر في المستحضرات عند شرائها إذا ما كانت تحتوي على الشعار أم لا.
يضع هذا البرنامج المعايير العالمية للاختبارات والمبيعات، وفي عام 2013، تم اعتماد أكثر من 500 شركة؛ لكن ومع ذلك؛ تم إلغاء شهادات بعض الشركات بعد أن تم اكتشاف أنها استمرت في الاختبار على الحيوانات في آسيا رغم وضعها لشعار الأرنب، ولا ننسى بالطبع جهود جمعية الرفق بالحيوان الدولية في توفير الحماية والمساعدة لجميع الحيوانات؛ بما في ذلك الحيوانات في المختبرات.
ورداً على فيلم «Save Ralph»؛ أصدرت جمعية التجميل المستقلة «IBA»، بياناً تدعم فيه القضاء على تجارب اختبار مستحضرات التجميل على الحيوانات، وقد ذكرت في بيانٍ صحفي أن الأولوية القصوى للصناعة هي إنشاء منتجات آمنة للمستهلك، كما أنها تشيد وتدعم 50 عاماً من البحث العلمي في الطرق البديلة التي أدت إلى منهجيات حديثة معتمدة؛ مما يلغي الحاجة إلى استخدام الحيوانات لإثبات سلامة مستحضرات التجميل، وتتعهد بمواصلة العمل مع أصحاب الصناعة والمنظمين لجعل التجارب على الحيوانات شيئاً من الماضي.
اقرأ أيضاً: ورطة أخلاقية: أول أجنة مشتركة بين الإنسان والقرود في المخبر