ما هو سبب الارتفاع الذي نشهده في أسعار الشوكولاتة؟

4 دقيقة
ما هو سبب الارتفاع الذي نشهده في أسعار الشوكولاتة؟

تمثّل أربعة بلدان فقط في غرب إفريقيا أساس قطاع تزيد قيمته على 100 مليار دولار. في دول كوت ديفوار "ساحل العاج" وغانا والكاميرون ونيجيريا الاستوائية، تنبت القرون التي تحمل عشرات البذور على أشجار الكاكاو. تخضع هذه الحبوب لعملية تجفيف وتحميص ومعالجة بمجرد حصادها، ما يحولها إلى منتج يحبه البشر في مختلف أنحاء العالم.

الشوكولاتة مرغوبة منذ آلاف السنين، وهي رمز لا لبس فيه للحب، لا سيما في عيد الحب. لكن بينما يستمر الطقس المتقلب على نحو متزايد في رفع تكاليف الحلويات، أصبحت الشوكولاتة رمزاً لظاهرة أقل رومانسية بكثير: التغير المناخي.

اقرأ أيضاً: بحث جديد: استهلاك الكاكاو لم يقتصر على الطبقة الملكية عند شعب المايا فقط

لماذا ترتفع أسعار الكاكاو؟

توصل تقريران صدرا بتاريخ 19 فبراير/شباط 2025 إلى أن الاحتباس الحراري يرفع درجات الحرارة إلى درجات خارج المجال الأمثل الذي يلائم نمو الكاكاو في البلدان التي تقع في قلب الإمدادات العالمية، خاصة خلال مواسم الحصاد الأولية. يكشف البحث كيف يؤدي حرق النفط والفحم والميثان إلى ارتفاع كبير في درجات الحرارة في حزام الكاكاو وارتفاع أسعار الشوكولاتة.

قالت نائبة رئيس قسم العلوم في مؤسسة كلايمت سنترال (Climate Central) غير الربحية، كريستينا دال، التي ألّفت أحد التقريرين: "أحد أكثر الأطعمة التي يحبها البشر معرض للخطر بسبب التغير المناخي. آمل أن يؤدي ازدياد الوعي بأن النشاطات البشرية تجعل زراعة الكاكاو أصعب إلى تفكير البشر بأولوياتهم بصفتهم نوعاً، وإن كنا نستطيع، أو يجب علينا، منح الأولوية للإجراءات التي تحد من تأثيرات التغير المناخي في المستقبل والأضرار المترتبة على هذا الغذاء الذي نحبه كثيراً".

يزرع البشر نحو 70% من الكاكاو في العالم في غرب إفريقيا؛ وبلدان كوت ديفوار وغانا والكاميرون ونيجيريا هي أكبر الدول المنتجة. يزرع البشر الجزء الأكبر من النسبة المتبقية في مناطق تتمتع بمناخ مشابه وليست بعيدة عن خط الاستواء، مثل إندونيسيا والإكوادور. الظروف الأكثر ملاءمة لنمو هذه الأشجار هي ظروف الغابات المطيرة ذات الرطوبة العالية والأمطار الغزيرة والتربة الغنية بالنيتروجين والرياح الطبيعية العازلة. يؤدي التعرض لدرجات حرارة أعلى من 32 درجة مئوية إلى الإجهاد المائي، وهو يعوق نمو هذا النبات ويؤدي إلى تراجع جودة البذور التي تنتجها الأشجار وانخفاض كميتها.

أدى الاحتباس الحراري عام 2024 إلى تجاوز درجات الحرارة تلك العتبة خلال ستة أسابيع إضافية على الأقل في نحو ثلثي المناطق المنتجة للكاكاو في كوت ديفوار وغانا والكاميرون ونيجيريا، ما أسهم على الأرجح في تراجع هائل في الغلة وفقاً لتقرير صدر عن مؤسسة كلايمت سنترال.

فحص الباحثون بيانات درجات الحرارة في المنطقة وتقديرات لدرجات الحرارة التي كان يمكن أن تشهدها خلال العقد الماضي في غياب الاحتباس الحراري الناجم عن النشاطات البشرية. اكتشف الباحثون أنه بين سنتي 2015 و2024، أدى التغير المناخي إلى ازدياد عدد الأيام التي تشهد فيها كل دولة درجات حرارة أعلى من المثالية لنمو الكاكاو بمعدل أسبوعين إلى أربعة أسابيع سنوياً. مرّت أغلبية هذه الأيام الأكثر حراً في دورة المحاصيل الرئيسية، أي تلك التي تزهر فيها النباتات وتنتج الحبوب. يؤدي الاحتباس الحراري أيضاً إلى تغير أنماط هطول الأمطار وزيادة تواتر موجات الجفاف وتسهيل انتشار الأمراض المدمرة مثل تعفن القرون، إضافة إلى أنه يسهم في تدهور التربة. اكتشفت دراسة جديدة أخرى أن كلاً من انخفاض معدلات التلقيح وارتفاع درجات الحرارة عن المتوسط في غانا أدى إلى انخفاض الغلال.

اقرأ أيضاً: دراسة جديدة: استخدام الأسمدة بذكاء يقلل انبعاثات الكربون في الزراعة

الظاهرة المسؤولة مباشرة عن التأثير في الإنتاج لا تزال مجهولة

مع ذلك، يجهل العلماء والاقتصاديون الكثير عن تأثير التغير المناخي في الإنتاج وأسعار المستهلكين. قالت دال أيضاً إنه من غير المعروف ما هي ظاهرة الطقس المسؤولة عن التأثير الأكبر في الإنتاج، كما من غير الواضح ما هو تأثير ظاهرة النينيو في غلات العام الماضي.

وصف أحد مزارعي الكاكاو في غانا، إيمانويل إيسا-منيسا، التغير المناخي بأنه أحد أخطر المشكلات التي تؤثر في الإنتاج في مختلف أنحاء غرب إفريقيا؛ إذ قال لموقع غريست: "يؤدي الجفاف إلى فقدان 60% من نباتات الكاكاو. شهدت انخفاضاً حاداً في الدخل، وكذلك شهد المزارعون جميعهم في تعاونيتنا الزراعية".

وفقاً لتقرير صادر عن مؤسسة كريستيان إيد (Christian Aid) غير الربحية التي تعمل في مجال التنمية المستدامة والعدالة الاقتصادية، أسهمت موجات الجفاف والفيضانات والأمراض النباتية التي ضربت المنطقة عام 2024 في ارتفاع أسعار الكاكاو إلى مستويات قياسية، ما أدى بدوره إلى ارتفاع تكلفة الشوكولاتة. انخفض الإنتاج العالمي للكاكاو بنحو 14% في موسم 2023-2024، وحطم سعر الكاكاو في سوق العقود الآجلة رقماً قياسياً دام 47 عاماً قبل 14 فبراير/شباط 2024.

وفقاً لمستشارة السياسات المناخية في مؤسسة كريستيان إيد والمؤلفة المشاركة للتقرير، كات كريمر، تكشف النتائج التي توصل إليها التقرير، وتلك التي توصلت إليها مؤسسة كلايمت سنترال، عن ضعف قطاع الكاكاو أمام التغير المناخي؛ إذ قالت: "يجب على محبي الشوكولاتة أن يضغطوا على الشركات والحكومات بهدف خفض انبعاثات الغازات الدفيئة، وإلا فإن إمدادات الشوكولاتة ستتعرض لخطر مناخي متزايد كبير".

اقرأ أيضاً: كيف تصنع شوكولاتة دبي في المنزل بنفسك؟

قطاعات أخرى متأثرة إلى جانب الشوكولاتة

تتجاوز عواقب ذلك آثاره في إنتاج هذا النوع اللذيذ من الطعام؛ فالكاكاو موجود أيضاً في سلع أخرى مثل مستحضرات التجميل والأدوية، التي تمثل جزءاً كبيراً من السوق العالمية. مع ذلك، ما يزال استهلاك الشوكولاتة مرتفعاً؛ إذ تستورد الولايات المتحدة ما قيمته نحو 2.8 مليار دولار منها سنوياً، أي أكثر من 10% من الإمدادات العالمية.

وفقاً للخبيرة الاقتصادية في كلية سانت ماري في ولاية ماريلاند الأميركية، آلا سيمينوفا، تشير بيانات الاحتياطي الفيدرالي إلى أن أسعار الكاكاو العالمية ارتفعت بنسبة 144% في ديسمبر/كانون الأول 2024، أي أكثر من الضعف مقارنة بعام 2023، هذا السعر هو سعر المنتجين، أي ما يدفعه مصنعو الشوكولاتة العالميون لمن يعالجون الحبوب الخام. مع ذلك، يتحمّل عملاء الحلويات عبء هذه التكاليف غالباً. تقول سيمينوفا: "عندما ترتفع أسعار المنتجين استجابة لارتفاع تكاليف الإنتاج، ترتفع أسعار المستهلكين".

مع ذلك، لا يحصل مزارعو الكاكاو دائماً على هذه الأرباح حتى مع ارتفاع الأسعار. قالت المزارعة التي تنتج الكاكاو والبن في ليبيريا، جوزفين جورج فرانسيس، إن المزارعين في مختلف أنحاء غرب إفريقيا يخسرون المال بسبب ارتفاع تكلفة زراعة المحاصيل الناجم عن ارتفاع درجات الحرارة. قالت جورج فرانسيس: "نحن بحاجة إلى تطبيق نهج مختلف يركّز على الاستدامة والمزارعين؛ إذ إننا لا نستفيد من زيادة الأسعار في الأسواق العالمية".

بالطبع، الكاكاو ليس المكون الوحيد في الحلويات الذي يتعرض للخطر بسبب الاحتباس الحراري؛ ففي أوائل عام 2024، بيع السكر، وهو مكون أساسي آخر، بأسعار هي الأعلى منذ أكثر من عقد من الزمان بعد أن أدى الطقس القاسي إلى الحد من الإنتاج العالمي لقصب السكر.

قالت سيمينوفا: "لا تتأثر كمية إنتاج الكاكاو فقط بتسارع التغير المناخي؛ إذ إن نوع المكونات التي تدخل في إنتاج الشوكولاتة وجودتها يتأثران أيضاً".

دفع ذلك كله العديد من صانعي الشوكولاتة إلى اتخاذ إجراءات للتكيّف؛ فبعضها، مثل مارس (Mars) وهيرشي (Hershey)، يقلل كمية الكاكاو دون جذب الانتباه أو حتى يقدّم حلويات جديدة لا تحتوي على الكاكاو. مع استمرار ارتفاع الأسعار، يتوقع المحللون أن يشهد الطلب على الشوكولاتة تراجعاً، وهو توجه لا يمكن حتى لعيد الحب أن يوقفه.

المحتوى محمي