ظاهرة السينيتيزيا هي أن تسمع الموسيقى وترى شكلاً أو ملمساً معيناً، أو تسمع كلمة أو اسماً وترى لوناً على الفور. بكلمات أخرى، هي اختبار إحدى حواسك من خلال حواسك الأخرى، فعلى سبيل المثال، قد تسمع اسم "أمجد" وترى اللون الأخضر أو ربما تقرأ كلمة "شارع" وتتذوق طعماً حمضياً في فمك!
ما ظاهرة السينيتيزيا؟
تؤثّر ظاهرة سينيتيزيا في 2-4% من جموع البشر، ويعود أصل التسمية إلى اليونانية، وتُقسّم إلى قسمين؛ (Synth) التي تعني "معاً"، و(Ethesia) التي تعني الإدراك، وبالتالي يُترجم اسمها إلى الإدراك معاً والذي يعني ترابط إحساسين مختلفين ببعضهما بعضاً.
هذه الظاهرة ليست مرضاً أو اضطراباً ولن تعبث بالصحة ولا تعني أن الشخص يعاني مرضاً عقلياً، بل على العكس، إذ قد يكون الأفراد الذين لديهم هذه الظاهرة ذوي أداء أفضل في اختبارات الذاكرة والذكاء من أولئك الذين لا يملكونها. وقد يكون الشكل أو التظاهر الأكثر شيوعاً للسينيتيزيا رؤية الأحرف أو الأرقام أو الأصوات كألوان، إلّا أنها في المقابل قد تتظاهر على الشكل التالي:
- رؤية أو سماع كلمة وتذوق طعم معين.
- رؤية الطعام وتذوق طعمه.
- سماع صوت ورؤية شكل أو نمط هندسي معين.
- سماع صوت بعد شم رائحة معينة.
- سماع صوت وتذوق طعم معين.
- الشعور بملمس معين في اليدين عند سماع صوت أو رؤية كلمة.
- الشعور بملمس معين عند رؤية شخص آخر يتم لمسه.
اقرأ أيضاً: مَن اخترع الموسيقى؟ قد تحمل المزامير والصفارات الأثرية بعض الأدلة
سبب حدوث ظاهرة السينيتيزيا
السبب الأكيد لحدوث هذه الظاهرة غير مُثبت، إلّا أنه يُعتقد أن أفراد هذه الظاهرة يكونون ذوي ترابط وتوصيل عصبي مختلف عن البقية، أي تكون أجزاء الدماغ التي تتحكم بالحواس لديهم أكثر ترابطاً، كما تكون لديهم استجابة دماغية أكبر عندما يسمعون صوتاً معيناً.
يُشك أن عوامل متعددة تؤدي دوراً في حدوث ذلك ومنها نذكر:
- تطور الدماغ: الأطفال هم الحالمون الأوائل وكل فرد لديه الحس المواكب في وقتٍ مبكر من حياته، أي هو جزء من التطور الطبيعي للدماغ، إلّا أن هذا يعني تلاشي هذه الظاهرة بشكلٍ تدريجي مع التقدم بالسن عندما يكون التطور الدماغي هو السبب.
- بنية الدماغ: كما ذكرنا، يكون الأفراد الذين يختبرون ظاهرة السينيتيزيا ذوي ترابطات دماغية حسية أكثر كثافة، وهذا سبب تنشيط مناطق دماغية متعددة نتيجة نوع واحد من المدخلات الحسية.
- الوراثة: تميلُ ظاهرة السينيتيزيا إلى الانتشار في العائلة الواحدة، ومع ذلك يمكن أن يختلف شكل الحس وشدته من شخصٍ لآخر.
من جهةٍ أخرى، يمكن لبعض المواد أن يسبب تجربة مؤقتة من ظاهرة السينيتيزيا، حيث يؤدي استخدام العقاقير المخدرة إلى تعزيز التجربة الحسية وتعزيز ترابطها، وأهم هذه العقاقير المخدرة المسكالين والسيلوسيبين. كما تبين أن المنشطات الأخرى مثل القنب والكحول وحتى الكافيين قادرة على التسبب بحس مواكب مؤقت.
كيف تحدث ظاهرة السينيتيزيا على مستوى الدماغ؟
تحفّز كل واحدة من حواسنا الخمس منطقة مختلفة من دماغنا، فالنظر إلى جدار أصفر ساطع يُضيء القشرة البصرية الأساسية المتركزة في الجزء الخلفي من دماغنا، بينما يحفّز التذوق الفص الجداري. وفي ظاهرة السينيتيزيا، يمكن تذوق لون الجدار أثناء النظر إليه، والسبب أنه لا يتم تحفيز القشرة البصرية الأساسية فقط من خلال اللون، بل يتم تحفيز الفص الجداري أيضاً والذي يخبرك بمذاق شيء ما. لهذا السبب يُعتقد أن الأشخاص الذين لديهم الحس المواكب يتمتعون بمستوى عالٍ من الترابط بين أجزاء الدماغ المرتبطة بالمحفزات الحسية.
إضافة إلى ذلك، يقوم الدماغ بتوجيه المعلومات الحسية من خلال حواس متعددة غير مرتبطة، ما يتسبب بحدوث تقاطعات حسية ويجعلك تشعر بأكثر من شعور واحد في الوقت نفسه، وهذا ما يفسّر أيضاً تذوق الكلمات أو ربط الألوان بالأرقام والحروف.
اقرأ أيضاً: ما أهمية الألوان في حياتنا؟
هل تزول ظاهرة السينيتيزيا مع مرور الوقت؟
غالباً ما تظهر السينيتيزيا في الطفولة الباكرة وتصبح أكثر ثباتاً مع مرور الوقت وتؤثر في الإناث بنسبة أعلى من الذكور، وإجابةً عما إذا كانت ستزول مع مرور الوقت أمْ لا، فلا إجابة حاسمة، إلّا أن إحدى الدراسات تشير إلى أنك إذا ربطت حرف الألف باللون الأخضر اليوم، فسوف تراه باللون الأخضر بعد 10 سنوات من الآن.
حيث طلبت إحدى الدراسات التي نُشرت في دورية "المكتبة الوطنية للعلوم الطبية" من الأشخاص ممن يتظاهرون بالسينيتيزيا وآخرين لا يتظاهرون بها أن ينظروا إلى 100 كلمة ويدونوا اللون الذي يرونه لكل منها، ومن ثَمَّ إعادة الاختبار بعد عدة أعوام.
اقرأ أيضاً: تصوير الدماغ: التنبؤ بالمشاعر التي تولّدها الموسيقى
أظهرت النتائج أن 90% من الإجابات كانت متطابقة عند أفراد ظاهرة السينيتيزيا عند إجراء الاختبار في مرحلة لاحقة، بينما لم يتجاوز تطابق الإجابات 20% عند مجموعة الاختبار، أي غالباً ما تبقى ظاهرة السينيتيزيا مع التقدم بالعمر ولا تزول. وهذا ليس خبراً مزعجاً، فكما ذكرنا، يميلُ الأشخاص الذين يعانون من هذه الظاهرة إلى أن يكونوا أكثر ذكاءً وإبداعاً وذوي قدرات ذاكرة أفضل.