دراسة جديدة: استخدام الأسمدة بذكاء يقلل انبعاثات الكربون في الزراعة

دراسة جديدة: استخدام الأسمدة بذكاء يقلل انبعاثات الكربون في الزراعة
نبتة صغيرة تنبت من تربة داكنة اللون. ديبوزيت فوتوز.

من المعروف أن قطاع الزراعة مسهم رئيسي في إنتاج غازات الدفيئة التي تسبب تغير المناخ، ولذلك يقع على عاتقنا العمل على معالجة الكثير من القضايا الملحّة لضمان أن تصبح أنظمتنا الغذائية صديقة للمناخ، بدءاً من انبعاثات الميثان الناجمة عن إنتاج لحوم الأبقار وصولاً إلى استخدام الأسمدة الاصطناعية.

تنتج الأسمدة الطبيعية والاصطناعية ما يعادل 2.6 غيغا طن من الكربون سنوياً؛ أي ما يعادل وزن حمولة 26 ألف حاملة طائرات، وهي بذلك تفوق أيضاً الانبعاثات الناجمة عن عمليات الشحن البحري والجوي معاً.

الأسمدة كمصدر لانبعاثات الكربون

تشمل الأسمدة العضوية روث الحيوانات والكومبوست (سماد عضوي مخمّر) ومسحوق العظام، وتُستخلص من مصادر نباتية أو حيوانية، في حين تخضع الأسمدة الاصطناعية إلى عدة عمليات لتصنيعها على الرغم من أن معظمها يأتي من الرواسب المعدنية الطبيعية، علماً أنها تحتوي على القليل من العناصر الغذائية التي تفتقر إليها التربة؛ لكن كمية الأسمدة التي يتم إنتاجها غير معروفة حقاً.

اقرأ أيضاً: السماد الطبيعي قد يحمينا من التسمم الغذائي

يقول مهندس البيئة في قسم الهندسة بجامعة كامبريدج، أندريه كابريرا سيرينيو (André Cabrera Serrenho)، في أحد التصريحات: "من المؤسف أننا في الواقع لا نعرف كمية الأسمدة الكيمياوية المنتَجة على مستوى العالم، ولا مناطق استخدامها ولا طرائق تراكمها ومواضعه ولا مقدار الانبعاثات التي تنتجها ولا كمية النفايات التي تخلفها".

على الرغم من ضرورة تقليل انبعاثات الكربون من الأسمدة، فمن الضروري أن يتم بطريقة لا تعرّض الأمن الغذائي العالمي للخطر؛ إذ قدرت الدراسات السابقة أن 48% من سكان العالم يستهلكون المحاصيل التي تُزرع اعتماداً على الأسمدة الاصطناعية، وأنه من المتوقع أن يصل عدد سكان العالم إلى 9.8 مليار نسمة بحلول عام 2050.

في دراسة هي الأولى من نوعها، قام باحثون بحساب دورة الحياة الكاملة للأسمدة وقياسها، ونشروا النتائج في مجلة نيتشر فود (Nature Food) في 9 فبراير/شباط، وخلصوا إلى أنه من الممكن تخفيض انبعاثات الكربون من الأسمدة بنسبة 80% بحلول عام 2050.

دورة حياة الأسمدة: أكبر الانبعاثات من إستخدامها لا من إنتاجها

عمل مؤلف الدراسة سيرينيو، والمؤلف المشارك يونيو غاو، على تنفيذ مشروع لقياس التأثير الكامل لهذه الأسمدة في دورة الكربون بدقة.

يقول سيرينيو: "لتقليل الانبعاثات؛ من الضروري تحديد الإجراءات التي يمكننا اتخاذها لتخفيف الضرر الذي تُلحقه الأسمدة بالبيئة وترتيبها حسب الأولوية ولكن يجب أن نفهم دورة حياة هذه المنتجات الكاملة بوضوح أولاً، وعلى الرغم من أنها تبدو بديهية فنحن لا نعرف عنها سوى القليل جداً".

حلل الفريق بيانات تعود إلى عام 2019 ورسم خرائط لمسارات إنتاج الأسمدة الطبيعية والاصطناعية وانبعاثاتها خلال دورة حياتها في 9 مناطق في العالم، واكتشف أن ثلثيّ الانبعاثات من الأسمدة تنجم من استخدامها لا من إنتاجها.

يقول سيرينيو: "فوجئنا لمعرفة أن أكبر مصدر للانبعاثات هو استخدام الأسمدة، ومن المهم أن نحدد كمية جميع الانبعاثات في كل مرحلة من دورة حياتها كي نتمكن من تحديد الطرائق الفعالة لتقليل الانبعاثات دون المساس بالإنتاجية".

اقرأ أيضاً: هل يمكن لتكنولوجيا احتجاز الكربون المساعدة في تحقيق أهداف مؤتمر باريس؟

خلص مؤلفو الدراسة إلى أن الطريقة الأكثر فعالية لتقليل الانبعاثات في عملية إنتاج الأسمدة هي إزالة الكربون من مرحلة التسخين وتوليد الهيدروجين. يمكن أيضاً إضافة مثبطات النترجة (مواد كيميائية) إلى الأسمدة لمنع البكتيريا من إنتاج أكسيد النيتروز؛ لكن هذه الطريقة تزيد كلفة تصنيع الأسمدة.

تقليل الانبعاثات المرتبطة بالأسمدة

يقول سيرينيو: "إذا أصبحت تكلفة الأسمدة أعلى فلا بد من تقديم حافز مالي للمزارعين وشركات تصنيع الأسمدة، فالزراعة بوضعها الحالي عمل شاق ولا يجني المزارعون شيئاً لقاء تقليل الانبعاثات التي ينتجونها".

الطريقة الأكثر فعالية لتقليل الانبعاثات المرتبطة بالأسمدة هي تقليل كميتها المستخدمة عموماً، ويتضمن بعض الطرائق التي قيّمتها الدراسة استخدام التحليل الكهربي للماء في إنتاج الأسمدة لمنع تشكيل غاز الميثان وخلط مثبطات النتروجين مع الأسمدة عند استخدامها في الحقل.

يقول سيرينيو: "استخدامنا للأسمدة عديم الكفاءة، فالمزارعون يضيفون كميات زائدة جداً عن الحاجة بسبب الممارسات الزراعية التقليدية. واستخدام الأسمدة بكفاءة أكبر يقتضي تقليل كميتها بدرجة كبيرة؛ ما يقلل بدوره الانبعاثات دون أن يؤثر في إنتاجية المحاصيل".

اقرأ أيضاً: الفوائد العظيمة للبكتيريا المثبتة للنيتروجين في التربة

على الرغم من عدم وجود حلول مثالية لتقليل انبعاثات الأسمدة كما يقول سيرينيو، فإجراء مثل هذه الأبحاث ضروري جداً لإعادة النظر في كيفية إنتاج الغذاء وتحديد الحوافز الاقتصادية الفعالة التي تضمن إحداث التغيير.

يقول سيرينيو: "يوضح بحثنا الخيارات الممكنة من الناحية التقنية لتقليل الانبعاثات من الأسمدة، ويوضح ما هو فعال، ومراحل العمل التي تكون إجراءات التدخل فيها مجدية. من المهم توجيه إجراءات التدخل نحو المراحل الأهم من أجل إحراز تقدم سريع وفعال في الحد من الانبعاثات".

المحتوى محمي