ما تأثير اضطراب التوازن في المحيط الهادئ على الطقس في العالم؟

ما تأثير اضطراب التوازن في المحيط الهادئ على الطقس في العالم؟
عاصفة في المحيط الهادئ شوهدت من سفينة الأبحاث، أوكيانوس إكسبلورر. الإدارة الوطنية الأميركية للمحيطات والغلاف الجوي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

المحيط الهادئ له تأثير هائل؛ إذ إنه المحيط الأكبر في العالم، ويصل حجمه إلى ضعفي حجم المحيط الأطلسي تقريباً. هذا المحيط حيوي جداً بسبب مساحة سطحه الهائلة وتعرّضه للشرقيات (الرياح التجارية) ومجال درجات حرارته الواسع. تسهم هذه العوامل جميعها في خلق ظاهرة إل نينيو-التردد الجنوبي (El Niño—Southern Oscillation)، وهو نمط مناخي يؤثر في معدل هطل الأمطار الموسمية ودرجات الحرارة والعواصف، وغيرها من الظواهر في جميع أنحاء العالم.

إل نينيو ولا نينيا

تتألّف ظاهرة إل نينيو-التردد الجنوبي من 3 مراحل: إل نينيو ولا نينيا، اللتان قد تزيدان احتمال حدوث الظواهر الجوية المتطرفة في مختلف المناطق من الفلبين إلى جزر هاواي إلى البيرو، والمرحلة المعتدلة التي يمر بها العالم عادة. يمر العالم الآن بمرحلة إل نينيو، ومن المتوقع أن تستمر آثارها الشديدة حتى فصل الشتاء. تترافق هذه المرحلة بعدد كبير من الأنماط الجوية مثل موجات الحر المتزايدة الشدّة في شمال الولايات المتحدة وكندا وتأخّر مواسم الأمطار وحتى الجفاف في دول مثل إندونيسيا والفلبين، كما أنها تزيد خطر حدوث الفيضانات في جنوب الولايات المتحدة وجنوب شرقها.

يترافق ذلك كله مع مرحلة إل نينيو التي يُعتقد أن آثارها شديدة ولكن ليست متطرفة. ولكن مع ارتفاع درجة حرارة المحيط الهادئ بسبب التغير المناخي الناجم عن النشاطات البشرية واتساع التدرّج الحراري عبر المحيط، يحذّر العلماء من أن ظاهرتي إل نينيو ولا نينيا ستدومان فترة أطول وستصبحان أكثر تطرفاً وأكثر تواتراً.

اقرأ أيضاً: ما تأثير التغيّر المناخي في حدثي إل نينيو ولا نينيا الجويين؟

كيف تغيّرت ظاهرة إل نينيو-التردد الجنوبي خلال القرن الماضي؟

في دراسة جديدة نُشرت في مجلة نيتشر ريفيوز (Nature Reviews)، نظر الباحثون في نماذج مناخية مختلفة لاكتشاف كيف تغيّرت ظاهرة إل نينيو-التردد الجنوبي خلال القرن الماضي، وكيف يمكن أن تتغير في السنوات القادمة. على الرغم من أن ظاهرتي إل نينيو ولا نينيا تستمران عادة من 9 إلى 12 شهراً، تتنبأ الغالبية العظمى من النماذج بأنهما ستمتدّان إلى عدة سنوات في المستقبل.

يقول كبير علماء الأبحاث في منظمة الكومنولث للأبحاث العلمية والصناعية في أستراليا والمؤلف الرئيسي للدراسة الجديدة، وينجو كاي: “حدثت ظاهرة إل نينيو متطرفة واحدة تقريباً كل 20 عاماً في القرن العشرين. لكن في المستقبل، وفي القرن الحادي والعشرين في المتوسط، سنشهد حدثاً متطرفاً واحداً كل 10 سنوات، ما يعني أن معدل هذه الظاهرة سيتضاعف”.

الآلية التي تسخّن ظاهرتي إل نينيو ولا نينيا وتبرّد وفقها الأرض. الإدارة الوطنية الأميركية للمحيطات والغلاف الجوي

احتمال حدوث الظواهر الجوية المتطرفة

يؤدي الازدياد في مدة ظاهرتي إل نينيو ولا نينيا وشدتهما إلى ازدياد احتمال حدوث الظواهر الجوية المتطرفة، مثل الأعاصير في شمال غرب المحيط الهادئ وجنوب المحيط الهادئ والمحيط الهندي والفيضانات والجفاف، في أغلبية البلدان الواقعة في المحيط الهادئ أو المحاذية له. على سبيل المثال، تسحب ظاهرة إل نينيو المياه الدافئة تجاه الشرق. لذلك، إذا تشكّلت الدورات الاستوائية (العواصف التي تميل إلى التحرك غرباً)، فسيستغرق وصولها إلى البر المزيد من الوقت وستقطع مسافة أطول.

يقول كاي: “تزداد شدّة هذه الأعاصير الاستوائية في أثناء تحركها عبر المحيط بسبب حرارته ورطوبته”. وبحلول الوقت الذي تصل فيه إلى بلدان في غرب المحيط الهادئ مثل كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية واليابان والصين، فمن المحتمل أن آثارها ستصبح أسوأ بكثير من آثار العواصف الاستوائية التي تشهدها تلك المناطق حالياً.

يقول كاي إن “الاحتباس الحراري يزيد شدّة الأحداث المتطرفة”؛ إذ إنه يزيد شدّة العواصف والظواهر الجوية، “وهذا بدوره يجعل الأثر السلبي مضاعفاً”.

اقرأ أيضاً: ما هي الفقاعة الحرارية للمحيط الهادئ؟ وكيف تؤثّر في التوازن البيئي البحري؟

الاحتباس الحراري يزيد شدّة الأحداث المتطرفة

مع ذلك، حتى التأثيرات الأقل شدّة لظاهرة إل نينيو-التردد الجنوبي قد تكون مضرة. يقول عالم البحار وعالم البيانات في جامعة هاواي، جون بيرنز، إنه على سبيل المثال، يمكن أن تكون التقلّبات في درجة حرارة المحيط المترافقة مع هذه الظاهرة شديدة وسريعة جداً لدرجة تمنع الأحياء البحرية مثل الشعاب المرجانية من التكيّف معها. “يمكن أن يؤدي ذلك كله إلى تفاقم ظاهرة تبييض الشعاب المرجانية”، بحسب تعبيره، وهو ما رُصد بالفعل في شعاب جزر هاواي.

سيكون لذلك أثر كبير في العديد من القطاعات وأنواع الحيوانات لأن الكائنات والأنظمة البيئية مترابطة على نحو عميق جداً. ابتكر بيرنز تكنولوجيات يمكن تطبيقها لترميم الموطن المائية، واستخدم تلك النماذج لدراسة الآثار المترتبة على تراجع المرجان. يقول بيرنز: “كشفنا علاقة رياضية تبيّن تأثير حالة هذه المواطن في وفرة الأسماك التي تعيش في الشعاب المرجانية، التي تعد من المصادر الرئيسية للبروتين في الاقتصاد العالمي، وخصوصاً في جنوب شرق آسيا”. لذلك، لن يؤدي كل من التغير المناخي وظاهرة إل نينيو-التردد الجنوبي إلى الإضرار بالأسماك ومصايد الأسماك فقط، بل يمكن أن يؤثّر سلباً في السياحة والاقتصادات المحلية والعالمية أيضاً.

ضربت سلسلة من أعاصير شمال غرب المحيط الهادئ التي تشكّلت في المحيط الهادئ الصين في صيف عام 2023. الإدارة الوطنية الأميركية للمحيطات والغلاف الجوي
ضربت سلسلة من أعاصير شمال غرب المحيط الهادئ التي تشكّلت في المحيط الهادئ الصين في صيف عام 2023. الإدارة الوطنية الأميركية للمحيطات والغلاف الجوي

قدّر الباحثون المناخيون من كلية دارتموث في دراسة حديثة نُشرت في مجلة ساينس (Science) أن حدثي إل نينيو المتطرفين اللذين وقعا في عامي 1982 و1997 كلّفا الاقتصاد العالمي نحو 4 تريليونات دولار و6 تريليونات دولار على الترتيب في السنوات التي تلتهما.

قدّر المؤلفون أيضاً أن مرحلة إل نينيو الحالية قد تتسبب بخسائر بقيمة 3 تريليونات دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة. يقول كاي إن الأضرار لا تقتصر على المباني والبنية التحتية فقط؛ إذ إنها تشمل الركائز الاجتماعية التي قد لا يأخذها الناس في الاعتبار، مثل الوظائف والأراضي الزراعية والمخزونات الغذائية وصحة الأفراد. بالنتيجة، يطبّق بعض البلدان والمنظمات نهجاً استباقياً في التعامل مع ظاهرة إل نينيو. على سبيل المثال، خصصت البيرو أكثر من مليار دولار للوقاية من الآثار المحتملة لهذه الظاهرة وتخفيفها.

اقرأ أيضاً: كيف تؤثر ظاهرة النينيا في ظروف الجفاف؟

مع ذلك، لم يفت الأوان لمحاولة إعادة المحيط الهادئ وظاهرة إل نينيو إلى حالة التوازن تدريجياً. على الرغم من أن النظر في هذه التغيرات العالمية على نطاق واسع قد يكون مفيداً في بعض الأحيان، يجب أيضاً “إدراك أن الحلول ستكون محليّة جداً”، بحسب تعبير بيرنز. يوضّح بيرنز أنه حتى لو تمكنّا من التنبّؤ بالتوجهات العامة، يتطلب كل من فهم تأثّر المواطن المحددة والتوصل إلى الحلول الممكنة الاستفادة من الخبرات والمعارف المحلية.

يقول بيرنز: “من المؤسف أن نشعر بالهلع من هذه التغييرات الواسعة النطاق ونتوصل إلى نتيجة مفادها أننا عاجزون عن اتخاذ أي إجراء. لا شك في أن هذه المسألة ليست بسيطة، ونحن بحاجة إلى تطبيق استراتيجيات محليّة لحماية هذه الأنظمة”.