صناعة الألمنيوم عملية ملوثِّة، ولم يحسّنها الباحثون كثيراً منذ تطوير طريقة الإنتاج الأكثر انتشاراً أول مرة في عام 1886. إلى جانب انبعاثات الكربون الناجمة عن هذه الطريقة، فإن عملية استخراج هذا المعدن الواسع الانتشار بالصهر تولّد أيضاً كميات هائلة من منتج ثانوي من الطين الأحمر السام يتمتع بدرجة أس هيدروجيني تضاهي تلك التي تتمتع بها أغلبية المبيضات التجارية ومنظفات المحركات. تُنقل هذه المادة اللزجة الكاوية عادة إلى مدافن النفايات العملاقة، ما لم يقع حادث صناعي ما يتسبب بإطلاق سيول منها كما حدث في ريف المجر في عام 2010.
اقرأ أيضاً: كيف تؤثر النفايات التقنية على المناخ؟
عملات تصنيع تضر بالبيئة
لكن عملية التصنيع الوحيدة التي تعد أسوأ من عملية تصنيع الألمنيوم هي تصنيع الفولاذ، المسؤولة عن 8% من إجمالي انبعاثات غاز ثنائي أوكسيد الكربون. يعمل العديد من الباحثين والشركات على تطوير طرق رفيقة بالبيئة لتصنيع الفولاذ بهدف الحد من التأثير المدمر لهذا القطاع، وتتضمن هذه الطرق آليات مثل استبدال بمصادر الطاقة الملوِّثة في مصانع الفولاذ مصادر الطاقة المتجددة وإدخال الهيدروجين أو الطاقة الكهربائية في عملية الإنتاج.
مع تركيز عدد متزايد من المهندسين على الحد من آثار الانبعاثات الضارة الناتجة عن عمليات استخراج المعادن بالصهر الصناعية، طوّر فريق من معهد ماكس بلانك لأبحاث الحديد طريقة لإعادة تدوير منتج الطين الأحمر الثانوي لعملية تصنيع الألمنيوم بسرعة وبتكلفة معقولة باستخدام بلازما الهيدروجين، وذلك بهدف استخدامه في مشروعات تصنيع الفولاذ الأخضر.
كيف تمكن معالجة التلوث الناجم عن صناعة الألمنيوم؟
تبيّن الورقة التي نشرها الفريق مؤخراً في مجلة نيتشر (Nature) كيف يمكن أن يعالج قطاع الألمنيوم في المستقبل مشكلة كمية الطين الأحمر التي يولدها سنوياً، التي تقدر بنحو 198 مليون طن، وهو رقم من المتوقع أن يزداد أكثر مع زيادة الطلب على هذه المادة.
اقرأ أيضاً: ما هو منشأ النفايات البلاستيكية المتجمّعة في رقعة نفايات المحيط الهادئ؟
هذه العملية سهلة نسبياً بالنسبة للعلماء. يُرسَّب الطين الأحمر في أفران القوس الكهربائية، حيث يتعرض لدرجات الحرارة المرتفعة للغاية للبلازما التي تتألف بنسبة 10% من الهيدروجين. تذيب الحرارة الشديدة الطين، محلّلة إياه إلى أكاسيد المعدن السائل. تبلغ نسبة أوكسيد الحديد 60% في الطين الأحمر، ويتحول هذا المركب في هذه العملية إلى حديد سائل نقي للغاية لدرجة أنه صالح للاستخدام مباشرة في إنتاج الفولاذ. تستغرق عملية الاختزال البلازمي هذه 10 دقائق فقط.
وفي الوقت نفسه، تجرّد حرارة الأفران الأكاسيد الأخرى المتبقية من النسبة الأعظم من قدرتها على الحت، وتشمل هذه أكاسيد المعادن الثقيلة مثل الكروم. يعتقد العلماء أنه بالإمكان أيضاً فصل هذه المعادن الثمينة لإعادة استخدامها من خلال إجراء المزيد من الأبحاث، ما يقلل احتمال تسربها من الطين الأحمر إلى البيئة. في نهاية العملية، تبرد المواد المتبقية في الفرن مشكّلة بقايا تشبه الزجاج، ويعتقد الباحثون أنه يمكن استخدمها للحشو بأكثر من طريقة في قطاع الإنشاء.
على الرغم من أن الباحثين استخدموا 15 غراماً فقط من الطين الأحمر (ما ولّد 2.6 من الغرام من الحديد المعدني) في الدراسة، فإنهم استنتجوا أن العملية التي طوروها مجدية اقتصادياً وقابلة للتوسيع صناعياً. قدّر قائد الفريق البحثي، إسنالدي سوزا فيليو، في بيان جامعي حديث أنه يمكن استخلاص نحو 770 مليون طن من الفولاذ دون إطلاق غاز ثنائي أوكسيد الكربون من الطين الأحمر المستخدم على مستوى العالم، الذي يبلغ وزنه 4.7 مليارات طن، وهي كمية تعادل نحو ثلث احتياجات إنتاج الفولاذ السنوية.
اقرأ أيضاً: النفايات الإلكترونية: مشكلة عالمية تهدد الصحة والبيئة
قال العالم المشارك في الدراسة الجديدة، ماتيك يوفيتشيفيتش كولغ: "تحل العملية التي طورناها مشكلة النفايات الناتجة عن عملية تصنيع الألمنيوم وتخفض البصمة الكربونية لعملية تصنيع الفولاذ في الوقت نفسه".
لن يتطلب تحضير أفران القوس الكهربائية لإجراء العملية الجديدة سوى إجراء استثمار صغير نسبياً، لأن هذه الأفران مستخدمة على نطاق واسع في قطاع إنتاج المعادن بالفعل. تمكن الاستفادة من نفايات الألمنيوم الضارة وخفض تلويثها للبيئة من خلال إجراء المزيد من الأبحاث والتعديلات على العملية الجديدة.