هل يساعد التعديل الوراثي للأشجار على تحقيق الاستدامة في صناعة الورق؟

هل يساعد التعديل الوراثي للأشجار على إنتاج الخشب الأكثر استدامة؟
الخشب المعدل بتكنولوجيا كريسبر (على اليسار) بجانب خشب الحور البري (على اليمين). تشينمِن يانغ، جامعة ولاية كارولينا الشمالية
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

قد تمثل النباتات التي تنمو في الفناء الخلفي لمنزلك واحدة من أكثر الطرائق فعالية لمكافحة التغير المناخي. تؤدي الأشجار دوراً كبيراً في إزالة غاز ثنائي أوكسيد الكربون من الهواء، بينما تطلق غاز الأوكسجين في الوقت نفسه. تشير التقديرات إلى أن كل شجرة ناضجة تمتص أكثر من 21 كيلوغراماً من ثنائي أكسيد الكربون من الغلاف الجوي سنوياً؛ ولكن هناك طرائقَ لتعزيز دور الأشجار.

توصّل فريق متعدد التخصصات من الكيميائيين والمهندسين وعلماء البيئة في دراسة نُشرت بتاريخ 13 يوليو/ حزيران عامَ 2023 في مجلة “ساينس” (Science) إلى آلية لتحسين الطريقة التي يمكن أن تساعد بها الأشجار على خلق مستقبل مستدام.

تحسين التركيبة الوراثية للأشجار

تعمق المؤلفون في التركيبة الوراثية للأشجار للتوصل إلى الآلية الجديدة، ويقول الباحث في مرحلة ما بعد الدكتوراة في جامعة ولاية كارولينا الشمالية والمؤلف الرئيس للدراسة الجديدة، دانييل سوليس: “لا أعتقد أن العوام يفهمون تماماً أو يقدّرون تأثير الأشجار في مجتمعنا وفي الحد من انبعاثات الكربون. إن فهم علم وراثة هذا المورد المهم أمر ضروري، وخصوصاً لإنتاج الألياف التي تُعد مهمة في الاقتصاد”.

أنجز سوليس وزملاؤه أول محاولة ناجحة لاستخدام التعديل الوراثي بهدف تعزيز كفاءة عملية إنتاج الألياف الخشبية. عدّل المؤلفون مورثات أشجار الحور لتقليل كمية الليغنين فيها، وهو مكون عضوي يؤدي دور العمود الفقري الذي يمنح الأشجار بنيتها الخشبية الصلبة. يمكن تقليل الوقت الذي تستغرقه عملية إنتاج الورق من خلال تقليل كمية هذه المادة البنيوية الصلبة التي تنتجها الأشجار؛ ما سيؤدي إلى تقليل معدل التلوّث الناجم عن إنتاج الورق.

اقرأ أيضاً: استخدام صمغ الأشجار بدلاً من الوقود الأحفوري في الصناعة

يقول الأستاذ المساعد في كلية الموارد الطبيعية في جامعة ولاية كارولينا الشمالية والمؤلف المشارك للدارسة الجديدة، جاك وانغ: “درسنا الليغنين لعقود؛ لكن تعقيد هذا المركب البوليمريّ الذي يوجد في الخشب يجعل تعديله بطرائق تتوافق مع تطبيقات المعالجة الإنتاجية صعباً”.

استخدام تقنية كريسبر لتقليل مستويات الليغنين

لإنشاء المناديل الورقية والمنتجات المتجددة الأخرى، يجب قطع الليغنين الموجود في الخشب وتذويبه في مواد كيميائية خطِرة. تستهلك هذه العملية الكثير من الطاقة، وتطلق ثنائي أوكسيد الكربون بسبب احتراق الليغنين؛ ما يمكن أن يطلق الانبعاثات في الغلاف الجوي.

اعتمدت فكرة فريق الدراسة الجديدة على تكنولوجيا كريسبر، وهي أداة جزيئية تقطع أجزاء معينة من الحمض النووي وتعدّلها، لتقليل مستويات الليغنين وزيادة مستويات الكربوهيدرات. هذه الكربوهيدرات، السليلوز في هذه الحالة، مرغوبة لأنها المكون الذي تُصنع منه المنتجات الورقية.

استخدم الفريق نماذج التعلم الآلي التنبؤية لخفض عدد استراتيجيات التعديل الوراثي والأهداف المحتملة من 70 ألفاً إلى أقل من 350. أجرى الباحثون تجارب المتابعة التي هدفت لتحديد الاستراتيجيات المتوافقة مع عملية إنتاج الألياف، وقادتهم هذه التجارب لاختيار 7 استراتيجيات استهدفت جميعها تقريباً أكثر من مورثة واحدة.

تمثّل هدف الدراسة الجديدة في إنتاج أشجار تحتوي على كمية من الليغنين أقل بنسبة 35% من الأشجار الطبيعية، وكذلك، سعى الباحثون إلى أن تصبح نسبة الكربوهيدرات إلى الليغنين أكبر بـ 200% من نظيرتها في الأشجار غير المعدّلة. أنشأ الباحثون 174 سلالة مختلفة من أشجار الحور باستخدام تكنولوجيا كريسبر للتعديل الوراثي، ثم زرعوا هذه الأشجار وربّوها في دفيئة زراعية لمدة 6 أشهر.

أشجار الحور المعدلة بتكنولوجيا كريسبر (على اليسار) وأشجار الحور البرية تنمو في دفيئة زراعية في ولاية كارولينا الشمالية.تشينمِن يانغ، جامعة ولاية كارولينا الشمالية
أشجار الحور المعدلة بتكنولوجيا كريسبر (على اليسار) وأشجار الحور البرية تنمو في دفيئة زراعية في ولاية كارولينا الشمالية. تشينمِن يانغ، جامعة ولاية كارولينا الشمالية

بيّن تحليل التركيب الخشبي للأشجار الذي أُجري بعد 6 أشهر أن نسبة الليغنين انخفضت. احتوى بعض أشجار الحور على نصف كمية الليغنين الموجودة في الأشجار البرية، وازدادت نسبة الكربوهيدرات إلى الليغنين بـ 228% في هذه الأشجار.

خفض الانبعاثات الكربونية الناتجة عن تصنيع الورق

ويقول مدير مركز ابتكار المواد في معهد ميريلاند للابتكار في الطاقة (Maryland Energy Innovation)، ليانغبينغ هو، الذي نشر بحثاً عن الأساليب الجديدة لهندسة السليلوز في الخشب ولم يشارك في الدراسة الجديدة: “تتيح القدرة على التحكم الدقيق في نسب الليغنين تطوير طرائق جديدة لاستخدام ألياف الخشب في تصنيع الورق والخشب المهندَس على نحوٍ متقدم؛ فمثلاً يمكن أن يساعد إنتاج لب الورق (أو عجينة الورق) باستخدام الخشب المعدَّل وراثياً المنخفض الليغنين على تخفيف آثار التغيّر المناخي”.

خلص تحليل الفريق إلى أن تعديل أشجار الحور وراثياً بهدف تقليل نسبة الليغنين فيها يمكن أن يقلل البصمة الكربونية لعمية إنتاج الألياف بنسبة تزيد عن 20%. يقول وانغ: “تبيَّن أن هذه التكنولوجيا ليست مفيدة فقط لتحقيق الكفاءة والاستدامة في مجال الاقتصاد؛ بل إنها تمنحنا في الوقت نفسه حلولاً لجعل إنتاج ألياف الخشب أكثر رفقاً بالبيئة”.

يتزايد الطلب على ألياف الخشب بينما يبحث المجتمع عن المزيد من المنتجات الصديقة للبيئة؛ مثل المناديل والمناشف الورقية والمنسوجات المتجددة. قد يكون معدّل الإنتاج من الأشجار المعدلة وراثياً أكبر أيضاً؛ إذ قدّر تحليل آخر في الدراسة الجديدة أن الأشجار التي تحتوي على كمية أقل من الليغنين قد تُنتج كمية من الألياف المستدامة أكبر بنسبة 40%.

اقرأ أيضاً: شرح المناخ: كيف نختار الأشجار المناسبة لامتصاص الكربون من الهواء؟

توسيع استخدام التقنية للأشجار ذات الخشب الصلب المُستخدمة في صناعة الورق

تتمثل الخطوة التالية في تطبيق استراتيجية التعديل الوراثي هذه على الأشجار الأخرى ذات الخشب الصلب التي يشيع استخدامها في مجال إنتاج الورق؛ مثل أشجار التنُّوب والصنوبر. يقول وانغ إنه من الممكن تجربة هذه التقنية على أنواع الأشجار الأخرى لأن آلية إنتاج الليغنين في الخشب لا تختلف كثيراً باختلاف أنواع الأشجار. المنحى الآخر الذي يسعى الفريق إلى خوضه هو زراعة هذه الأشجار المعدلة وراثياً في حقول كبيرة لملاحظة كيفية تفاعلها مع البيئة وسلوكها وكيف تحافظ على نفسها.

يقول وانغ إننا لن نشهد الاستخدام الواسع النطاق لهذه الأشجار قبل عام 2040 تقريباً لأنها تستغرق وقتاً طويلاً لتنضج وتصبح جاهزة للاستخدام في إنتاج الألياف. بالإضافة إلى ذلك، سيكون الدعم المحلي لنشر هذه الأشجار عاملاً مهماً حسب ما تُظهره المخاوف المتعلقة بإطلاق البعوض المعدل وراثياً. ويضيف وانغ قائلاً إنه: “علينا التأكد من أن كل ما نفعله يتوافق تماماً ليس فقط مع القوانين الحكومية بل مع ما يوافق عليه العوام ومع مصالح القطاع” وذلك لتطبيق هذه التكنولوجيا بنجاح وعلى نحو مسؤول.