التلوث الضوئي الناجم عن زيادة عدد الأضواء في الليل هو أحد الآثار الجانبية السلبية للكهرباء التي تُستخدم في مختلَف النشاطات البشرية على مدار الساعة. يمكن أن يطغى التلوث الضوئي على ضوء النجوم ما يربك السلاحف البحرية عندما تفقس من بيوضها؛ كما أنه قد يضر بالشعاب المرجانية أيضاً.
تأثير التلوث الضوئي على الشعاب المرجانية
بيّنت دراسة نُشرت بتاريخ 15 مايو/ أيار في مجلة "نيتشر كوميونيكيشنز" (Nature Communications) أن التلوث الضوئي الناجم عن المدن الواقعة على طول الساحل يمكن أن يحفّز الشعاب المرجانية على وضع البيوض في أوقات مختلفة عن الأوقات المثلى.
وقال عالم البيئة المتخصص في الحفاظ على البيئة في جامعة بليموث في المملكة المتحدة والمؤلف المشارك للدراسة الجديدة، توماس ديفيس (Thomas Davies) في بيان صحفي: "تؤدي الشعاب المرجانية دوراً حاسماً في صحة محيطات العالم؛ ولكنها تتأثر على نحو متزايد بالنشاطات البشرية. تبيّن دراستنا أن التغيرات في المحيط ليست العامل الوحيد الذي يؤثر في الشعاب المرجانية؛ إذ إن النمو المستمر للمدن الساحلية الناجم عن محاولة استيعاب تزايد سكان العالم يؤثر أيضاً".
تحفّز دورة القمر الشعاب المرجانية على وضع بيوضها، فتُطلق مئات البيوض في المياه في ليالٍ معينة من العام. يؤثّر توقيت وضع البيوض على نحو بليغ في الحفاظ على الشعاب المرجانية وتعافيها بعد التعرض لأحداث التبييض أو الأحداث السلبية الأخرى.
استخدم فريق الباحثين الدولي في الدراسة الجديدة مزيجاً من الأرصاد المتعلقة بعملية وضع البيوض والبيانات المتعلقة بالتلوث الضوئي، وبيّن أن الشعاب المرجانية التي تتعرض لما يُدعى "الضوء الاصطناعي الليلي" تضع بيوضها في فترة أقرب إلى الأيام التي يكون فيها القمر بدراً بنحو يوم إلى 3 أيام مقارنة بالشعاب المرجانية التي لا تتعرض لهذا الضوء.
ولكن إذا وضعت الشعاب المرجانية بيوضها في ليالٍ مختلفة عن العادة، فستكون البيوض الساحلية أقل عرضة للتلقيح والبقاء على قيد الحياة بما يكفي لتنتج الشعاب البالغة. من الضروري أن تزداد جماعات الشعاب المرجانية اليوم أكثر من أي وقت مضى كي تتعافى من الأحداث التي تضر بها مثل تبييض الشعاب المرجانية.
اعتمد مؤلفو الدراسة الجديدة على دراسة نُشرت في عام 2021 وضعت خرائط للمناطق من المحيط الأكثر تأثراً بالتلوث الضوئي؛ إذ بيّنت أنه على عمق متر واحد، ثمة مساحة تتجاوز 1.9 مليون كيلومتر مربّع من المناطق الساحلية المحيطية معرّضة للأضواء الاصطناعية الليلية المهمة من الناحية الحيوية.
التلوث الضوئي كعامل إجهاد للنظم البيئية
وقال عالم الكيمياء الحيوية في مختبر بليموث البحري والمؤلف المشارك للدراسة الجديدة، تيم سمايث (Tim Smyth) في بيان صحفي: "تؤكد هذه الدراسة أهمية التلوث الضوئي الاصطناعي بصفته عامل إجهاد في النظم البيئية الساحلية والبحرية؛ إذ بدأنا مؤخراً اكتشاف تأثيره وقياس هذا التأثير في جوانب مختلفة من التنوع الحيوي".
أرفق مؤلفو الدراسة الجديدة بياناتهم الجديدة بمجموعة بيانات عالمية تمثّل 2,135 رصداً لعمليات وضع البيوض في الشعاب المرجانية حدثت خلال السنوات الـ 23 الماضية. ولاحظ الباحثون أن الضوء الاصطناعي الليلي قد يعزز محفّزات وضع البيوض من خلال توليد استضاءة زائفة بين غروب الشمس وشروقها في الليالي التي تلي اكتمال القمر.
اقرأ أيضاً: من أجل البيئة يجب المحافظة على الشعاب المرجانية وحمايتها
كيف تتأثر الشعاب المرجانية في البحر الأحمر والخليج العربي بالتلوث الضوئي؟
نظرت الدراسة في المناطق الساحلية حول العالم؛ لكن الشعاب المرجانية في البحر الأحمر والخليج العربي في الشرق الأوسط تتأثر بصورة خاصة بالتلوث الضوئي. نمت المدن على هذه الخطوط الساحلية بشكل كبير في السنوات الأخيرة؛ ما عرّض الشعاب المرجانية بالقرب من الشواطئ للخطر.
وقال عالم البيئة البحرية في جامعة بار إيلان والمؤلف المشارك للدراسة الجديدة، أورين ليفي (Oren Levy) في بيان صحفي: "على الرغم من التأثير السلبي للضوء الاصطناعي الليلي، فإن الشعاب المرجانية في خليج العقبة معروفة بقدرتها على تحمّل الإجهاد الحراري وارتفاع درجات الحرارة. مع ذلك، يمكن أن يؤدي الاضطراب في تزامن وضع البيوض وأطوار القمر إلى انخفاض عدد الشعاب الجديدة ومن ثَمَّ انخفاض أعداد جماعات الشعاب المرجانية".
يتضمن بعض طرق تقليل التلوث الضوئي التي يمكن أن يتبعها الأفراد، خاصة أولئك الذين يعيشون على السواحل، إيقاف تشغيل الأضواء الليلية غير الضرورية للسلامة العامة، وإيقاف تشغيل الأضواء التي لا حاجة إليها حتى لو كانت في الفناء الخلفي، وتجنّب الأضواء البيضاء واستخدام الأضواء الحمراء الأخفت.
اقرأ أيضاً: العلماء ينجحون في إنماء نوع مهدد من المرجان في المختبر
يقول ليفي: "يمكننا حماية هذه المَواطن الحيوية ومستقبل محيطات العالم من خلال اتخاذ التدابير الهادفة للحد من التلوث الضوئي . تقع على عاتقنا مسؤولية ضمان الحفاظ على التنوع الحيوي في كوكبنا، والحفاظ على بيئة صحية ومستدامة للأجيال القادمة".