قد يُذكر صيف عام 2022 في جميع أنحاء العالم على أنه أحد أكثر فصول الصيف جفافاً في التاريخ الحديث بسبب تأثيرات تغيّر المناخ. تعاني معظم دول العالم من الجفاف، بما في ذلك 41% من الولايات المتحدة و47% من الاتحاد الأوروبي وفقاً للتقارير الرسمية اعتباراً من 16 أغسطس/ آب. في القرن الإفريقي على الطرف الشرقي من القارة، يكافح 22 مليون شخص للعثور على الغذاء بعد أن أضرت سنوات طويلة من الجفاف بالمحاصيل، ولم تعد الأمطار الموسمية، والتي عادةً ما تتكرر مرتين في العام، تهطل بكميات كافية. في غضون ذلك، تواجه الصين أسوأ موجة جفاف على الإطلاق؛ إذ انخفض منسوب نهر يانغتسي في بعض الأجزاء إلى مستويات غير مسبوقة لدرجة أثرت على توليد الطاقة الكهرومائية في البلاد. وأعلنت حكومة مقاطعة سيتشوان أن تدفق المياه إلى خزانات الطاقة الكهرومائية بالمقاطعة قد انخفض بمقدار النصف، لذلك رفعت المقاطعة مستوى التحذير إلى أعلى درجة عند "شديد جداً". واستجابة لظروف الجفاف القاسية، تخطط الحكومة الصينية لتجربة إحدى تقنيات الهندسة الجيولوجية تُدعى "الاستمطار الصناعي"، والتي تنطوي على استخدام المواد الكيميائية لتحريض هطول الأمطار.
اقرأ أيضاً: لماذا لا تستخدم الدول تكنولوجيا الاستمطار الصناعي لإخماد الحرائق؟
موسم جفاف عالمي
لم تكن الصين الدولة الوحيدة التي شهدت أنهارها وبحيراتها انخفاضاً كبيراً في مستوى المياه دون سعتها التخزينية القصوى. تظهر صور الأقمار الصناعية التي التقطتها وكالة ناسا الانخفاض الشديد في منسوب المياه في الأحواض المائية في الولايات الغربية الأميركية والتدمير الذي تسببت به حرائق الغابات. لقد أدى انخفاض مناسيب المسطحات المائية وجفاف المناطق الطبيعية في جميع أنحاء العالم أيضاً إلى الكشف عن آثار مدفونة منذ زمن بعيد وعن العديد من الأسرار الأخرى.
الكشف عن أعاجيب مدفونة
في الجزء الصربي من نهر الدانوب في أوروبا، اكتُشفت مقبرة للسفن الحربية مليئة بالذخائر المتفجرة في منطقة شهدت معارك من الحرب العالمية الثانية بالقرب من بلدة براهوفو. غرقت هذه السفن في عام 1944، وكانت جزءاً من أسطول البحر الأسود النازي الذي هُزم في أثناء فراره أمام القوات السوفيتية. وفقاً لوسائل الإعلام المحلية هناك، توجد 10 آلاف قذيفة متفجرة بين الحطام ومن غير المعروف ما إذا كان من الممكن أن تنفجر أم لا. ظهرت هذه السفن آخر مرة خلال موجة الحر التي ضربت أوروبا عام 2003.
في إسبانيا، كشف جفاف خزان فالديكانس المائي عن تشكيل صخري دائري مكون من عشرات الصخور الضخمة الأثرية التي يعود تاريخها إلى 5 آلاف سنة قبل الميلاد. يقع هذا الخزان المائي في مقاطعة كاسيري وسط إسبانيا ويبلغ منسوب الماء فيه حالياً 28% من سعته التخزينية الكاملة. يطلق علماء الآثار على هذا التشكيل الصخري اسم "ستونهنج الإسباني"، ويُعرف غالباً باسم "دولمين غوادالبيرال"، واكتشفه عالم الآثار الألماني هوغو أوبرماير عام 1926. وقد غمرته المياه في عام 1963 بعد بناء مشروع لتنمية الريف في ظل حكم الدكتاتور الإسباني فرانسيسكو فرانكو.
يقول عالم الآثار في جامعة كمبلوتنسي بمدريد، إنريكي سيديلو، في مقابلة من رويترز: «لقد كان ذلك مفاجئاً. إنها فرصة نادرة للوصول إلى هذه الآثار ودراستها». يتسابق العديد من الخبراء الآن، ومن بينهم سيديلو، لدراسة هذه الآثار المكتشفة قبل أن تغمرها المياه مجدداً. هذه الدولمينات (طاولات حجرية ضخمة)، مثل دولمين غوادالبيرال، عبارة عن أحجار موضوعة بشكلٍ رأسي لتحمل فوقها صخرة مسطحة. هناك العديد من هذه التشكيلات الحجرية المنتشرة في جميع أنحاء أوروبا الغربية، ولكن لا يُعرف سوى القليل عمن قام ببنائها. تقول بعض النظريات إنها عبارة عن مقابر أو مواقع دفن نظراً للعثور على بقايا بشرية بالقرب من الدولمينات التي اُكتشفت سابقاً.
وفي السياق نفسه، تصدرت بحيرة ميد الواقعة على الحدود بين نيفادا وأريزونا عناوين الصحف بعد تكشّف مجموعة من البقايا المروعة. فمنذ مايو/ أيار هذا العام، اكتُشفت 5 مجموعات من الرفات البشرية في الزاوية الغربية للبحيرة على بعد نحو ساعة من مدينة لاس فيجاس. لا يزال المحققون يحاولون معرفة السر وراء هذه الهياكل العظمية، ولكن بعض الخبراء المحليين يشيرون إلى أنها مرتبطة بانتشار الجريمة المنظمة في لاس فيغاس.
يقول أستاذ التاريخ في جامعة نيفادا بلاس فيغاس، مايكل جرين، في مقابلة مع وكالة أسوشيتد برس: «إذا تراجع منسوب المياه في البحيرة أكثر من ذلك، فمن المحتمل أن تتكشف أيضاً بعض الأشياء المثيرة للاهتمام. لن أراهن بأننا سنكتشف من قتل باغسي سيجل، لكني مستعد للمراهنة على أننا سنرى المزيد من الجثث».
اقرأ أيضاً: كيف يمكننا استعادة الأراضي التي تعرضت للجفاف والتصحر؟
على الرغم من أن الجفاف قد سمح بالعثور على بعض الآثار واكتشاف أدلة جنائية ربما تكشف عن جرائم قديمة، فإن عواقبه قد تكون فادحة في بعض الأحيان. وعلى الرغم من شيوع حالات الجفاف عبر تاريخ الأرض، فإنها يمكن أن تتسبب بمجاعات محتملة وتدفع السكان للنزوح، كما حدث في الولايات المتحدة حين شهدت ظاهرة " قصعة الغبار" (Dust Bowl) في ثلاثينيات القرن الماضي. يؤكد الخبراء باستمرار أن التغيّر المناخي هو السبب الرئيسي لاستمرار حالات الجفاف وغيرها من الظواهر المناخية المتطرفة.