يعتبر الإنتاج العالمي للغذاء أحد الأسباب الرئيسية لإزالة الغابات وتراجع التنوّع الحيوي، إذ تتسبب جميع الأنشطة المتعلقة بإنتاج الغذاء مثل إنتاج المحاصيل وتربية المواشي واستزراع الأسماك ومعالجة الأطعمة وسلاسل التوريد واستخدام الأراضي بنحو 37% من إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة. ويتسبب إنتاج الأغذية الحيوانية وأعلاف الماشية بأكثر من نصف هذه الانبعاثات.
تتسبب عملية إنتاج لحوم المجترات، أي لحوم الأبقار والأغنام والماعز والجواميس، بنسبة كبيرة من انبعاثات الغازات الدفيئة في يومنا هذا. وأصبح من الضروري إيجاد بدائل للحوم المختلفة لتقليل استهلاك لحوم المجترات وتقليل الآثار البيئية لإنتاج الغذاء. يستطيع الأشخاص استهلاك بدائل نباتية تحاكي كلاً من قوام منتجات اللحوم ونكهتها باستخدام مواد نباتية مثل الصويا أو البازلاء. ويمكن لهؤلاء أيضاً أن يستهلكوا اللحوم التي يتم تركيبها في المختبر من خلال استنبات عينات صغيرة من الخلايا الحيوانية. يتسبب إنتاج كل من البدائل النباتية واللحوم الاصطناعية بإصدار كمية أقل من انبعاثات الغازات الدفيئة، كما أنه يتطلب استهلاك كمية أقل من المياه مقارنة بإنتاج اللحوم التقليدية.
مع ذلك، هناك بديل آخر للحوم يجب أن يأخذه المستهلكون بعين الاعتبار، وهو البروتينات الميكروبية التي يتم تحضيرها بالتخمير.
اقرأ أيضاً: هل يمكنك تناول اللحوم المُنتجة مخبرياً؟
صلاحية البروتينات الميكروبية كبدائل للحوم
البروتينات الميكروبية هي البروتينات التي يتم استخلاصها من الأحياء الدقيقة مثل الفطريات والبكتيريا أو الطحالب. لتحويل البروتينات إلى بدائل للحوم، يجب أن يتم استنبات هذه الكائنات الحية في أجهزة تدعى "المفاعلات الحيوية" (أحد أنواع أوعية التخمير) باستخدام السكر كمادة أولية.
يقول "لوتز غروسمان"، الأستاذ المساعد في قسم علوم التغذية في جامعة ماساتشوستس أمهيرست: "يتم استخلاص ما يدعى بـ ’الكتلة الحيوية‘ بمجرد نمو الكائن المستنبت"، ويضيف: "يمكن عندها تحويل هذه الكتلة الحيوية لأنواع مختلفة من الأطعمة. كما يمكن استخلاص البروتينات منها ثم استخدامها كمكونات في الأطعمة".
قد تكون البروتينات الميكروبية أفضل من البروتينات الحيوانية أو النباتية لتحضير بدائل اللحوم لأن إنتاجها لا يتطلب مناخاً أو موسماً خاصاً، ما يعني أنه لن يتأثر بعدم توفّر الأراضي أو الجفاف أو الفيضانات.
يقول غروسمان: "إن ميزة استخدام مثل هذه الكائنات كمصدر للغذاء هي أنه يمكننا استنباتها في ظل ظروف خاضعة للرقابة دون الحاجة لاستغلال الأراضي الزراعية"، ويضيف: "كما أن استنبات هذه الكائنات الحية الدقيقة لا يتطلب عادة استخدام الأسمدة، بالإضافة إلى أنها تحتوي على نسبة عالية من البروتين".
تم إنتاج البروتينات الميكروبية وتسويقها على نطاق واسع لأول مرة في سبعينيات القرن الماضي، وكان المنتج الأول علفاً حيوانياً اسمه "برووتين". أدى كل من تخلّف تكنولوجيا التخمير والتكلفة العالية لإنتاج البروتينات الميكروبية والمنافسة مع البدائل الأقل تكلفة إلى تراجع انتشار هذه المنتجات، ولكنها بدأت تنتشر مجدداً ببطء في السنوات الأخيرة.
أحد منتجات البروتينات الميكروبية الشائعة الذي يمكن أن تجده في متاجر البقالة اليوم هو "كورن"، والذي يحتوي على بروتين فطري مستخلص من فطر اسمه "فيوزاريوم فينيناتوم" يستخدم لصنع بدائل اللحوم التي يتم تحضيرها بطريقة تجعل قوامها ونكهتها يشبهان قوام لحوم الحيوانات ونكهتها، مثل أقراص البرغر أو كرات اللحم. بينما تستخدم شركة "نيتشرز فايند" البروتينات المستخلصة من سلالة "فلافولابيس" من فطور فوزاريوم، والتي تم اكتشافها في ينابيع المياه الحارة الجوفية في منتزه "يلو ستون" الوطني في الولايات المتحدة.
استبدال لحم الأبقار بالبروتينات الميكروبية يفيد البيئة
وفقاً لدراسة حديثة نُشرت في مجلة "نيتشر"، يمكن تخفيض معدل إزالة الغابات إلى النصف إذا تم استبدال 20% من كمية لحوم المجترات التي يستهلكها الشخص الواحد بالبروتينات الميكروبية بحلول عام 2050. يقول "فلوريان هومبينودر"، مؤلف الدراسة وكبير العلماء في معهد بوتسدام لأبحاث الآثار المناخية إن هذا الاستبدال سيعوض الازدياد في المساحة العالمية الإجمالية للمراعي، ما يمكن أن يقلل من انبعاثات غاز ثنائي أوكسيد الكربون إلى النصف.
يقول هومبينودر: "يتطلب إنتاج لحوم المجترات مساحات كبيرة لرعي الماشية أو زراعة أعلافها في أراضي المحاصيل، ما يتسبب في إزالة الغابات وتراجع التنوع الحيوي وانبعاثات ثنائي أوكسيد الكربون"، ويضيف: "تُستخدم اليوم 80% تقريباً من الأراضي الزراعية حول العالم لتغذية المواشي، بما في ذلك أراضي زراعة المحاصيل والمراعي".
على الرغم من أن إنتاج البروتينات الميكروبية يقلل بشكل كبير من استخدام الأراضي وانبعاثات الغازات الدفيئة مقارنةً بإنتاج لحوم المجترات، إلا أن استهلاكه من الطاقة يكاد يكون مساوياً للاستهلاك الناجم عن إنتاج لحم البقر. تتطلب عملية إنتاج اللحوم الميكروبية الطاقة، وهي تشمل توليد الكهرباء والاستنبات الميكروبي وتبريد المفاعلات الحيوية وإثارة محتوياتها والمعالجة النهائية للكتل الحيوية والبروتينات وغيرها. يقول غروسمان إنه يمكن تخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة الناجمة عن إنتاج البروتينات الميكروبية إذا تم تصميم عملية الاستنبات بشكل أكثر استدامة.
اقرأ أيضاً: كيف يمكننا التخفيف من الآثار البيئية للاستهلاك المفرط؟
ويقول هومبينودر إنه إذا كانت أنظمة إنتاج الغذاء ستزيد من إنتاج البروتينات الميكروبية أو البدائل الأخرى التي يتم تصنيعها باستخدام التكنولوجيا الحيوية (نتيجة لازدياد شعبية هذه المنتجات بين المستهلكين مثلاً)، فمن الضروري إزالة الكربون من عمليات توليد الطاقة الكهربائية على نطاق واسع. يجب الأخذ بعين الاعتبار استخدام مصادر الطاقة المتجددة في إنتاج البروتينات الميكروبية. ويقول هومبينودر إنه إذا لم يتم ذلك، قد يتم تعويض النقص في انبعاثات الغازات الدفيئة المرتبط باستخدام الأراضي والناتج عن استبدال لحوم المجترات بالبروتينات الميكروبية من قبل الارتفاع في الانبعاثات الناتجة عن توليد الطاقة.
بدائل اللحوم صحيّة ولذيذة
يقول غروسمان إن المنتجات البديلة للحوم لا زالت غير متنوّعة على الرغم من أن عدد الأشخاص المستعدين لتجربتها واستخدامها في الأنظمة الغذائية يزداد.
وجد مسح أجراه المجلس الدولي لمعلومات الغذاء عام 2021 أن 65% من الأميركيين استهلكوا بدائل اللحوم النباتية في عام 2020. مع ذلك، لا يزال الكثيرون مترددين في تجربة هذه البدائل خوفاً من أن نكهاتها لن تكون بجودة نكهة اللحوم الحيوانية. يعاني بعض الأشخاص من مخاوف تتعلق بالأنظمة الغذائية أيضاً، ولا يعتقدون أن البدائل النباتية ستكون أكثر صحيّة.
يقول هومبينودر إنه في الواقع، تعتبر اللحوم الميكروبية غنية بالبروتينات بالإضافة إلى أنها تحتوي على جميع الحموض الأمينية التي يحتاجها البشر من الغذاء.
اقرأ أيضاً: كيف ساهمت اللحوم النباتية وكوفيد-19 في تصاعد الاهتمام بقوام الطعام؟
يقول غروسمان: "يمكن أن تكون [بدائل اللحوم] الخيار الأفضل للصحة لأنها يمكن أن تحتوي على مكوّنات أكثر صحية مثل الألياف، كما أنها تحتوي على كميات أقل من الدهون المشبعة والملح"، ويضيف: "يمكن أيضاً تدعيم بدائل اللحوم بالفيتامينات والمعادن. سنرى المزيد من هذه المنتجات في الأسواق في المستقبل وسيكون لبعضها مذاق أفضل من مذاق اللحوم".
يجب أن تقدّم بدائل اللحوم نفس التجربة الحسية التي تقدمها اللحوم الحيوانية من ناحية الشكل والقوام والرائحة والنكهة لتشجيع المستهلكين على تناول أغذية أكثر استدامة. أجرى باحثون في دراسة نُشرت في مجلة "سياسات ومنظورات اقتصادية تطبيقية" في 2022 اختبار تذوق أعمى ووجدوا أن اللحم البقري الصافي بنسبة 100% لا يزال الخيار المفضل لدى المشاركين مقارنة بأقراص البرغر التي تحتوي على اللحم البقري بنسبة 70% والفطر بنسبة 30% أو البرغر المصنوع من اللحوم البديلة.
يقول غروسمان: "يتردد الكثير من المستهلكين في تجربة الأطعمة الجديدة"، ويضيف: "لكن عندما يزداد انتشار المنتجات البديلة للحوم، سيجربها الناس أكثر، ما يمكن أن يجعلها من الأغذية الأساسية في حياتنا اليومية".