ما هو الكربون البنيّ الغامق؟ وما تأثيره في البيئة؟

ما هو الكربون البنيّ الغامق؟ وما تأثيره في البيئة؟
يمكن أن تتسبب حرائق الغابات بتشكّل حلقة من التأثيرات السلبية المرتدة في المناخ لأنها تحرق الكربون وتطلقه في الغلاف الجوي. ديبوزيت فوتوز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يتسبب التغير المناخي بازدياد شدّة حرائق الغابات وتواترها. تتسبب زيادة شدّة الجفاف ودرجة حرارة الهواء وتواتر حدوث البرق، في ازدياد طول مواسم الحرائق وجفافها وارتفاع درجة الحرارة فيها. ومن المتوقع أن يرتفع عدد حرائق الغابات حول العالم بنسبة تصل إلى 50% بحلول عام 2100. بالإضافة إلى ذلك، تؤدي الحرائق إلى مفاقمة آثار الاحتباس الحراري عندما تضرب أراضي الخُث والغابات المطيرة وغيرها من النظم البيئية الغنية بالكربون. بالنتيجة؛ تُطلَق كميات كبيرة من ثنائي أوكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي مؤديةً إلى تشكّل حلقة من الآثار المرتدّة السلبية.

ما هو الكربون البني الغامق؟

وبصرف النظر عن إطلاق كميات كبيرة من الغازات الدفيئة، تنبعث من حرائق الغابات أيضاً مواد ملوثة متنوعة. يقول الزميل في مرحلة ما بعد الدكتوراة في قسم الهندسة المدنية والبيئية في جامعة فيرجينيا للتكنولوجيا، نيشيت شيتي، إن دخان حرائق الغابات يحتوي غالباً على مواد جسيميّة تنتمي إلى فئتين عامّتين هما الكربون الأسود والكربون العضوي. اكتشف شيتي وزملاؤه فئة جديدة من الكربون العضوي لها تأثيرات احتراريّة شديدة ولكن تهملها النماذج المناخية الحالية عادة، وهي فئة الكربون البني الغامق، ووصفوا نتائجهم في دراسة نُشرت مؤخراً في مجلة نيتشر جيوساينس (Nature Geoscience).

اقرأ أيضاً: ماذا يعني «احتواء الحريق» عند مكافحة حرائق الغابات؟

يقول شيتي: “إن “الكربون البني الغامق” هو مصطلح صغناه وصفاً لمجموعة فرعية من هباء الكربون البني الجوي الذي وجدناه في حرائق الغابات في أنحاء غرب الولايات المتحدة جميعها. وعلى الرغم من أنه يمتص كمية من الضوء أقل من تلك التي يمتصها الكربون الأسود لكل جزيء، فإنه أكثر وفرة بنحو 4 مرات من الكربون الأسود في أعمدة دخان حرائق الغابات؛ ما يجعله مسهماً مهماً في التأثير المناخي القصير المدى”.

الكربون الأسود، الذي يتشكّل في أثناء الاحتراق الملتهب بدرجات حرارة عالية، هو الذي يتسبب بتشكّل الجزء الغامق من حرائق الغابات عادة؛ بينما تُشكل جزيئات الكربون العضوية الناجمة عن الاحتراق الأبرد أعمدة الدخان ذات اللون الأفتح. يقول شيتي: “إحدى الطرائق البسيطة لتصوّر هذه الفروق هي ملاحظة اختلاف الدخان الناجم عن نار المخيّم الملتهبة عن الدخان المنبعث من شواية الفحم المشتعلة”.

ما الفرق بين الأدوار التي يؤديها الكربون الأسود والكربون العضوي؟

يؤدي كل من الكربون الأسود والكربون العضوي أدواراً مختلفة في التغير المناخي. يمتصّ الكربون الأسود الإشعاع الشمسي بأطواله الموجية جميعها؛ ما يعني أنه قادر على تسخين الغلاف الجوي وحتى تسريع ذوبان الجليد في القطب الشمالي. وفي المقابل، يقول شيتي إن الكربون العضوي “يُبعثر الضوء ولا يمتص سوى نسبة ضئيلة من الضوء المرئي”، ويُعتقد أنه يسهم في ظاهرة التبريد العالمي لهذا السبب.

ثمة أيضاً فئة من الكربون العضوي تحمل اسم “الكربون البني”، وهي تمتص الأشعة فوق البنفسجية وأشعة الشمس المرئية. ويقول شيتي إن الكربون البني يمتلك لوناً بنيّاً مصفرّاً عادة عندما يُجمع في مرشّحات الألياف الكوارتزية.

يركّز علماء المناخ عادة على قدرة الكربون الأسود على تسخين الغلاف الجوي أكثر من قدرة الكربون العضوي. يمكن أن تبيّض أشعة الشمس جزيئات الهباء الجوي العضوية التي تمتص الضوء مثل الكربون البني؛ ما يُفقدها القدرة على امتصاص الإشعاع الشمسي. ومع ذلك، عندما استخلص شيتي وزملاؤه عينات من الدخان الأرضي والدخان المحمول جواً من حرائق الغابات الواسعة النطاق في غرب الولايات المتحدة، لاحظوا أن الجزيئات الموجودة في الدخان الناجم عن احتراق الكتل الحيوية تمتلك قدرة كبيرة على امتصاص أشعة الشمس. لم تكن هذه جزيئات من الكربون الأسود؛ بل كانت مشابهة لها، وأطلق الباحثون على اكتشافهم الجديد اسم “جزيئات الكربون البني الغامق”.

وفقاً للدراسة الجديدة؛ يمتلك الكربون البني الغامق قدرة عالية على امتصاص الإشعاع في الطيف المرئي وطيف الأشعة تحت الحمراء القريبة؛ ما يعني أنه قد يتمتّع بالقدرة على تسخين الغلاف الجوي. يقاوم الكربون البني الغامق أيضاً التبييض الكيميائي الضوئي الذي يسلب الهباء الجوي العضوي الممتص للضوء قدرته على امتصاص الإشعاع الشمسي.

اقرأ أيضاً: الحرائق الصغيرة المُتَحكم بها تجعل الغابات تمتص المزيد من الكربون

التأثير الاحتراري للكربون الغامق

ويقول شيتي إن الدراسات السابقة التي قاست معدّل الامتصاص الذي يتمتّع به الكربون العضوي لم تأخذ في الاعتبار جزيئات الكربون البني الغامق على الأرجح لأن هذه الأخيرة لا تتبخّر بسهولة كما أن قابليتها للذوبان منخفضة. تبيّن النتائج الجديدة أن النماذج المناخية يجب أن تأخذ في الاعتبار أيضاً التأثير الاحتراريّ للكربون البني الغامق الناجم عن دخان حرائق الغابات. بخلاف ذلك، قد يُقلَّل من تقدير أثر حرائق الغابات في ظاهرة الاحتباس الحراري؛ ما يؤثر بدوره في جهود التخفيف من تبعات التغير المناخي في أنحاء العالم جميعها.

أصبح فهم كيفية التخفيف من الآثار البيئية لحرائق الغابات حاسماً مع تزايد عددها في أنحاء العالم جميعها بسبب التغير المناخي. ويقول شيتي: “يخلق ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض الرطوبة بسبب التغير المناخي الناجم عن الأنشطة البشرية ظروفاً تؤدي إلى زيادة شدة حرائق الغابات. لذلك؛ فإن اكتشاف التركيب الكيميائي لأعمدة الدخان هذه يزداد أهمية، وذلك لتقدير تأثيرها في الغلاف الجوي بدقة أكبر”.