كيف يؤثّر تسرب المبيدات على مياه الآبار؟

كيف يؤثّر تسرب المبيدات على مياه الآبار؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ M-SUR

عادة ما تبدو المياه الجوفية صافية ونظيفة لأن الأرض تقوم بشكل طبيعي بتصفية الجسيمات. لكن حتى لو بدت نظيفة، لا يعني ذلك بالضرورة خلوها من المواد الكيميائية الطبيعية والتي قد تكون من صنع الإنسان، مثل مبيدات الآفات. في حين أن المبيدات قد تكون فعّالة في حماية المحاصيل وزيادة الغلة، فإن تسربها للمياه الجوفية يحمل آثاراً خطيرة على البيئة والصحة.

ما هي مبيدات الآفات؟

المبيدات هي مركبات اصطناعية أو طبيعية، تحتوي في تركيبها على الأوكسجين والكبريت والكلور والنيتروجين والفوسفور والبروم، بالإضافة إلى المعادن الثقيلة مثل النحاس والزرنيخ والكبريتات والرصاص والزئبق، بعبارة أخرى هي مواد كيميائية ضارة.

تُستخدم المبيدات بشكلٍ شائع في الزراعة والغابات والصحة العامة لحماية النباتات والحيوانات من الآفات والأمراض، مثل الحشرات والنيماتودا والأعشاب والفطريات والقوارض التي يمكن أن تلحق الضرر بالمحاصيل أو الماشية أو تنشر الأمراض. ولكن قد تكون لها أيضاً آثار ضارة على الكائنات الحية غير المستهدفة مثل البشر والحياة البرية والبيئة إذا لم يتم استخدامها بشكلٍ صحيح.

تسرب المبيدات إلى المياه الجوفية

قد يؤدي الاستخدام الجائر للمبيدات أو غير الصحيح إلى تسربها إلى المياه الجوفية، حيث يمكنها دخول المياه الجوفية من خلال مسارات مختلفة مثل:

  • التدفقات (الجريان السطحي): يمكن أن يغسل المطر المبيدات الحشرية من النباتات أو سطح التربة، ويتدفق في تيارات تصل في النهاية إلى طبقات المياه الجوفية الحاملة للمياه، حاملة معها بقايا المبيدات الحشرية.
  • إعادة الشحن: يمكن لمياه الأمطار أن تشكل مجرى مائياً متدفقاً كما يمكن لها أن تشكل مجمعات مياه راكدة يمكن أن تتسرب إلى أسفل طبقة المياه الجوفية أيضاً، حاملة معها المبيدات.
  • التبخر: من الطرق التي تتسبب في نشر المبيدات لمناطق أبعد هي تبخر الأشكال السائلة من المبيدات أو المياه الملوثة بالمبيدات في الغلاف الجوي. بدوره الغلاف الجوي ينقلها إلى مناطق أخرى من العالم على شكل هطولات، وفي النهاية إلى المياه الجوفية.

بمجرد دخول مبيدات الآفات إلى المياه الجوفية، يمكن أن تبقى لفترة طويلة بسبب استقرارها الكيميائي ومقاومتها للتحلل. على سبيل المثال، تم حظر المبيد الحشري دي دي تي (DDT) منذ نحو 20 عاماً، ولكن لا يزال من الممكن العثور عليه في مستويات ضئيلة في بعض المياه الجوفية.

اقرأ أيضاً: قد تكون جودة المياه العالمية في محنة

العوامل المؤثرة على تلوث المياه الجوفية بالمبيدات

هناك عدة عوامل تحدد احتمالية وصول المبيد إلى المياه السطحية أو الجوفية، وهي:

خصائص المبيد

تحدد خصائص المبيد قابلية وسرعة وصوله للمياه الجوفية، بما في ذلك:

  • الذوبان: تتحرك المبيدات ذات القابلية العالية للذوبان بشكلٍ أسرع نحو المياه الجوفية.
  • الانحلال: إن عمر النصف للمبيد هو الفترة اللازمة لتحلل نصف الكمية الإجمالية للمبيد إلى مواد غير سامة. وبشكلٍ عام كلما طالت مدة بقاء المبيد في البيئة، زادت مدة تعرضه للحركة في عمق التربة.

خصائص التربة

تؤثر خصائص التربة على حركة المبيد، ومنها:

  • قوام التربة (الامتزاز): تحتفظ التربة الطينية والعضوية بالمواد الكيميائية لفترة أطول من خلال الامتزاز، بينما تتحرك المبيدات بسهولة أكثر عبر التربة الرملية، وتصل بسرعة أكبر إلى المياه الجارية.
  • المواد العضوية: تزداد قدرة التربة على الاحتفاظ بالمياه والمبيدات الذائبة في منطقة الجذر بزيادة المحتوى العضوي.

اقرأ أيضاً: التربة هي أفضل حليف لنا في الحرب ضد التغير المناخي

ظروف الموقع

يجب مراعاة ظروف الموقع لحماية إمدادات المياه الجوفية، مثل:

  • العمق إلى المياه الجوفية: في التربة الضحلة قليلة العمق تقل التربة التي تعوق مرور المواد الكيميائية إلى بئر المياه الجوفية، وتقل فرص تحلل المبيدات الحشرية أو امتزازها.
  • المناخ: يؤدي ارتفاع معدلات الهطولات المطرية إلى تسرب كميات أكبر من المبيدات عبر التربة، بينما يزداد تحللها بارتفاع درجات الحرارة.

نظراً لأن المياه الجوفية تتحرك ببطء، فقد لا تظهر المبيدات الحشرية أحياناً في آبار المياه إلا بعد عقود من التطبيق، اعتماداً على المبيدات المستخدمة والظروف الجيولوجية. لهذا السبب، حتى المبيدات التي تم حظرها قد تظهر في إمدادات المياه.

الآثار الصحية لتسرب المبيدات إلى مياه الآبار

على الرغم من الأهمية الكبيرة لمبيدات الآفات في الحفاظ على جودة المحاصيل وحمايتها، فإنها عندما تتسرب إلى مياه الآبار يمكن أن تسبب مشكلات صحية خطيرة على البشر والحيوانات التي تستهلك المياه الملوثة بها. وفقاً لمراجعة نُشرت في المجلة الدولية للبحوث البيئية والصحة العامة (International Journal of Environmental Research and Public Health)، يتعرض البشر لمبيدات الآفات في الماء بشكلٍ رئيسي من خلال ملامسة الجلد والابتلاع، حيث تتراكم المبيدات في غشاء الخلايا البشرية ما يعوقها عن أداء وظائفها ويسبب الاضطرابات. وبشكل عام يمكن تصنيف المشكلات الصحية التي تسببها المبيدات إلى:

  • مشكلات صحية حادة: مثل ضعف الرؤية والصداع وسيلان اللعاب والإسهال والغثيان والقيء والصفير والغيبوبة وحتى الموت.
  • مشكلات صحية مزمنة: مثل مرض باركنسون وتقليل مدى الانتباه واضطرابات الذاكرة والمشكلات الإنجابية وتعطيل نمو الرضيع والعيوب الخلقية والسرطان.
  • التسمم المعتدل: الإصابة بما يشبه الربو والتهاب الشعب الهوائية والتهاب المعدة والأمعاء.

من المهم ملاحظ أن شدة هذه الآثار الصحية تعتمد على عدة عوامل مثل نوع المبيد، ومستوى التلوث في الماء، ومدة التعرض.

الآثار البيئية لتسرب المبيدات إلى مياه الآبار

يمكن أن تكون لتسرب المبيدات إلى مياه الآبار سلسلة من الآثار البيئية، بما في ذلك:

الإضرار بالحياة المائية

تضر المبيدات التي تتسرب إلى المياه السطحية بالحياة المائية، عن طريق قتل الأسماك والكائنات الحية الأخرى التي تعيش في الماء. هذا يمكن أن يعطل النُظم البيئية بأكملها ويؤدي إلى ضرر طويل الأجل.

اضطراب السلسلة الغذائية

يمكن أن تكون لتسرب المبيدات إلى الآبار آثار بعيدة المدى على السلسلة الغذائية والنظام البيئي ككل، ولدى استهلاك النباتات والحيوانات للمياه الملوثة، يحدث التراكم الأحيائي للمبيدات في أنسجتها.

يحدث التراكم الأحيائي عندما يمتص كائن حي مادة ما بمعدل أسرع مما يمكنه التخلص منها، نتيجة لذلك، يزداد تركيز المبيد في أنسجة الكائن الحي بمرور الوقت. هذه العملية تهم بشكل خاص الكائنات الحية في المستويات الأعلى من السلسلة الغذائية لأنها تستهلك الكائنات الحية الأخرى التي تراكمت مبيدات الآفات في أنسجتها. على سبيل المثال، إذا دخلت مواد كيميائية من مبيدات الآفات مثل الرصاص أو النحاس إلى المسطحات المائية، فإن الأسماك تتناولها أحياناً، ومنها تصل إلى الإنسان، حيث قد تدمر أنظمة متعددة في جسم الإنسان، وتضر بالعديد من الأعضاء، مثل تلف الكلى.

تدهور التربة

يمكن أن يتسبب تسرب المبيدات في الآبار في تدهور التربة بعدة طرق:

  • تلوث التربة: بحيث تصبح التربة الملوثة غير مناسبة للزراعة ولأغراض أخرى.
  • فقدان الكائنات الحية الدقيقة المفيدة: تؤدي الكائنات الحية الدقيقة المفيدة دوراً مهماً في الحفاظ على خصوبة التربة وصحتها، إلا أنه يمكن للمبيدات التي تتسرب خلالها أن تسبب انخفاض جودة التربة وإنتاجيتها.

اقرأ أيضاً: الاتحاد الأوروبي يتبنى خطة طموحة لخفض استخدام مبيدات الحشرات إلى النصف

بشكلٍ عام، يعتبر تسرب المبيدات إلى مياه الآبار قضية بيئية خطيرة تتطلب إدارة وتنظيماً دقيقاً لتقليل تأثيرها على صحة الإنسان والبيئة.

المحتوى محمي