هل يمكن أن يضر التشجير الاصطناعي بالبيئة؟

6 دقيقة
هل يمكن أن يضر التشجير الاصطناعي بالبيئة؟
خوسيه لويس راوتا / جيتي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

كان يُنظر عالمياً إلى زراعة الأشجار على أنها ممارسة مفيدة للأرض على مدى عقود. وأمعن البشر أكثر في تطبيق هذه الفكرة خلال السنوات الأخيرة؛ إذ إنهم اعتمدوا على فكرة زراعة الأشجار لتخفيف آثار التغيّر المناخي. صممت الولايات المتحدة خطة خاصة بها تبلغ قيمتها مليار دولار. وعلى الصعيد العالمي، أطلق المنتدى الاقتصادي العالمي مبادرة باسم “تريليون شجرة“. مع ذلك، وعلى الرغم من ازدياد شعبية زراعة الأشجار، فإن وضع الشتلات في الأرض بحد ذاته ليس ممارسة بيئية مفيدة في العديد من الحالات. يبيّن تحليل جديد نُشر بتاريخ 15 فبراير/شباط 2024 في مجلة ساينس (Science) أن زرع الأشجار في المناطق التي لا يُفترض أن تنمو فيها الأشجار يمكن أن يتسبب بضرر بيئي، وليس فوائد بيئية.

اقرأ أيضاً: يوم الأرض: تعرف على خطر النفايات البلاستيكية والنفطية على البيئة البحرية

إعادة التشجير مقابل التشجير الاصطناعي

وفقاً للدراسة الجديدة، خُصّص أكثر من 70 مليون هكتار من السهول العشبية وغيرها من المواطن غير الحرجية في مختلف أنحاء إفريقيا، وهي مساحة أكبر من مساحة فرنسا، للتشجير الخاطئ وغير المدروس. إعادة التشجير هي عملية زراعة الأشجار في منطقة أُزيلت منها الأشجار. في المقابل، يعني التشجير الاصطناعي إنشاء غابات في مناطق لم تتشكل فيها الغابات سابقاً على نحو طبيعي، وهي ممارسة يتبعها البشر في العديد من دول العالم، من البرازيل إلى كازاخستان إلى الهند. يزعم مؤلفو الدراسة الجديدة أن التصنيف الخاطئ للأراضي العشبية في إفريقيا، التي يمكن أن تحتوي على القليل من الأشجار ولكنها ليست غابات، يؤدي إلى التزام العديد من البلدان والمؤسسات غير الحكومية بزراعة الأشجار في مناطق ينبغي أن تكون مواطن مفتوحة.

التزم العديد من البلدان والمؤسسات غير الحكومية بزراعة الأشجار في مناطق ينبغي أن تكون مواطن مفتوحة.

تقول الأستاذة المساعدة للحراجة والموارد البيئية في جامعة ولاية نورث كارولاينا، ميريدث مارتن، واصفة التحليل الجديد: “أعتقد أنه بحث رائع ومهم للغاية ونُشِر في الوقت المناسب حقاً”. لم تشارك مارتن في الدراسة الجديدة، لكنها أجرت أبحاثاً مشابهة في مجال مبادرات زراعة الأشجار. وتقول: “ازداد معدل زراعة الأشجار وكذلك الاهتمام بزراعتها في السنوات العديدة الماضية، خاصة حول المناطق الاستوائية”، ولكن أشار العلماء المشككون منذ البداية إلى أن هذا الحل ليس حلاً بيئياً بسيطاً كما يبدو. زراعة الأشجار “عملية معقدة للغاية”، حسب تعبير مارتن؛ إذ يتطلب إنجازها على النحو السليم تخصيص المساحات وامتلاك المعرفة البيئية المحلية وتوفر أنواع الأشجار المناسبة والتخطيط العادل والإدارة الطويلة الأجل. وإذا لم تتحقق هذه الشروط، ستكون المخاطر والتكاليف أكبر من الفوائد. تقول مارتن: “يسعدني للغاية نشر بحث يُسلّط الضوء على هذه المشكلة وعلى هذه الحالة التي لا تمثّل الأشجار فيها حلاً مناسباً للمشكلات البيئية بالضرورة”.

تقول أستاذة علم البيئة التي تدرس الاستصلاح والحفاظ على البيئة في جامعة كاليفورنيا في مدينة سانتا كروز، كارين هول، إنه على الرغم من أن الكثير من الأبحاث السابقة سلّط الضوء على المشكلات والجوانب السلبية المحتملة لزراعة الأشجار، فإن التحليل الجديد من أول التحليلات التي تقيس حجم المشكلة عبر قارة بأكملها. زراعة الأشجار هي توجّه عالمي، وهول ليست متفاجئة من أن مبادرات زراعة الأشجار تشكّل خطراً على مواطن الأراضي العشبية الإفريقية، لكنها “فوجئت قليلاً” بحجم الخطر الذي كشفته الدراسة الجديدة. أبلغ المؤلفون عن “عدد كبير للغاية من الهكتارات” المعرضة للخطر، حسب تعبيرها.

قيّم الباحثون في الدراسة تعهدات 35 دولة مختلفة مشاركة في مبادرة استصلاح الغابات الإفريقية (AFR100)، التي تهدف إلى استصلاح 100 مليون هكتار من الغابات في مختلف أنحاء القارة بحلول عام 2030. لاحظ هؤلاء أن المبادرة خصصت أكثر من 133 هكتاراً حتى الآن لغاياتها، وهي مساحة أكثر من كافية لتحقيق أهدافها. لكن وفقاً لخريطة مفصّلة للمناطق البيئية، تتجاوز المساحة الإجمالية التي خُصّصت لإعادة التشجير مساحة الغابات الطبيعية في 18 بلداً من البلدان المشاركة في المبادرة. ووفقاً للمؤلفين، يقع أكثر من نصف الأراضي التي خُصصت لإعادة التشجير في أنظمة بيئية غير حرجية.

قيّم المؤلفون أيضاً مشروعات استصلاح الغابات الإفريقية قيد التنفيذ المدرجة في دليل مونغاباي لإعادة التشجير، الذي يتتبع مبادرات زراعة الأشجار الجارية، ولاحظوا أن 52% من جهود زراعة الأشجار هذه تجرى في السهول العشبية أو الأراضي العشبية، على الرغم من وجود عدد كافٍ من الغابات التي تحتاج إلى استصلاح. تشير الدراسة إلى أنه حتى بعد أخذ الالتزامات الحالية جميعها في الحسبان، سيبقى هناك ما يُقدّر بنحو 112.8 مليون هكتار من الغابات المتدهورة وغير المجددة في مختلف أنحاء القارة.

تقول أستاذة علم البيئة الاستوائية في جامعة ليفربول في المملكة المتحدة والباحثة الرئيسية في الدراسة الجديدة، كيت بار: “من الواضح تماماً أن هناك حاجة مُلحة إلى استصلاح الغابات على نطاقٍ واسع في مختلف أنحاء إفريقيا. نعلم أن هناك الكثير من الغابات المتدهورة التي لم تشملها مبادرات الاستصلاح حالياً”. وفي الوقت نفسه، هناك الكثير من الأراضي العشبية التي يجب استصلاحها بطريقة خاصة بها. تقول بار وزملاؤها إن جزءاً كبيراً من التناقض المؤسف بين الجهود التي ستكون مفيدة والأهداف الموضوعة يعود إلى طريقة تصنيف الأراضي.

اقرأ أيضاً: ما هو الكربون البنيّ الغامق؟ وما تأثيره في البيئة؟

مساوئ زراعة الأشجار

تشير الدراسة إلى أن الأراضي العشبية والسهول العشبية تحتوي على جيوب مشجرة، ولكنها ليست مثل نُظم الغابات الطبيعية البيئية. مع ذلك، يعرّف العديد من الهيئات الدولية مثل الأمم المتحدة الغابة على أنها أي أرض ذات غطاء شجري تتجاوز مساحته 10% من مساحتها. يعود جزء من ذلك إلى الحاجة إلى تصنيف الأراضي على نطاقٍ واسع والاعتماد المفرط على طرق مثل الاستشعار عن بُعد، التي لا تعتمد على الخبرات المحلية الميدانية والفهم البيئي للمعالم الطبيعية بقدر كافٍ. تقول بار إن هذه التصنيفات تغفل الصورة الشاملة وتركّز على تفاصيل ليست أساسية. وتُضيف قائلة إنه عندما تُزرع الأراضي العشبية بالأشجار، يؤثّر ذلك سلباً في التنوع البيولوجي والسكان المحليين ودورة المياه وحتى المناخ.

عمليات زراعة الأشجار الواسعة النطاق التي تُجرى على النحو غير السليم ليست أكثر من إهدار هائل للمال.

تندرج مشروعات زراعة الأشجار غالباً في فئة الزراعة الأحادية؛ إذ إنها تتضمن غالباً الأنواع غير الأصلية. لا تُراقب الأشجار بعد زرعها في أغلبية الحالات، وهي تموت جماعياً في الكثير من الأحيان لأن الشتلات تحتاج إلى الرعاية ومدخلات الموارد المستمرة للبقاء على قيد الحياة. تقول مارتن إن عمليات زراعة الأشجار الواسعة النطاق التي تُجرى على النحو غير السليم ليست أكثر من إهدار هائل للمال. ولكن حتى إذا استُخدمت مجموعة متنوعة من الأنواع الأصلية وتلقّت الأشجار الرعاية المناسبة، فهذا يتعارض مع طبيعة أنظمة الأراضي العشبية التي تتسم بأنها مفتوحة. يمكن أن يؤدي تظليل الغطاء النباتي السفلي إلى موت الأعشاب والشجيرات المتنوعة، ما يؤدي إلى آثار متداعية تتمثّل في زوال متتال للأنواع عبر الشبكة الغذائية بأكملها. يعتمد بعض الجماعات البشرية على مواطن السهول العشبية هذه للبحث عن الطعام أو الصيد أو رعي الماشية، كلها فوائد يمكن أن تضيع بسبب مشروعات زراعة الأشجار التي تُدار بطريقة غير سليمة. تحتاج الأشجار إلى الماء أكثر من النباتات التي تكيّفت عموماً للعيش في الأراضي العشبية شبه القاحلة، ويمكن أن يؤدي زرعها إلى إزالة الماء الضروري للنباتات الأخرى من النظام البيئي.

تساؤلات مناخية

تُزرع الأشجار غالباً بقصد تخفيف آثار التغيّر المناخي بالاستفادة من قدرتها على تخزين الكربون، لكن الأبحاث السابقة تشير إلى أن الكربون المخزن تحت الأرض في الأراضي العشبية أكثر قدرة على تحمّل الحرائق وغيرها من اضطرابات المواطن من ذلك المخزّن في الغابات. على الرغم من أن الأشجار تخزن كمية كبيرة من الكربون، فإنها قد لا تحتفظ به بكفاءة. وفقاً لبعض الأبحاث التي أجرتها بار، بما أن الأشجار المورقة أغمق لوناً من أغلبية الأعشاب، تتمتّع الغابات بعاكسيّة أعلى من السهول العشبية، أي أنها تمتص كمية أكبر من الضوء والحرارة وقد تسهم في الاحتباس الحراري.

على الرغم من أن الأشجار تخزن كمية كبيرة من الكربون، فإنها قد لا تحتفظ به بكفاءة.

المحاذير

على الرغم من كل ما سبق، تعاني الدراسة الجديدة بعض العيوب. على سبيل المثال، تقول هول إن قواعد البيانات التي اعتمد عليها المؤلفون منقوصة. توافق مارتن على وجود هامش خطأ كبير في إجراء مثل هذا التحليل الواسع النطاق.

تقول أستاذة الجغرافيا المساعدة في جامعة ولاية بنسلفانيا التي تدرس الحوكمة البيئية، إيدا دجينوتا، إن الأهم من ذلك هو أن الباحثين خلطوا عن غير قصد بين جهود استصلاح الغابات وخطط إعادة التشجير في تقييمهم. دجينوتا غير مقتنعة بأن تعهدات مبادرة استصلاح الغابات الإفريقية جميعها تقتصر على زراعة الأشجار. وهي تعتقد بدلاً من ذلك أن العديد من البلدان المشاركة فيها يلتزم ببساطة باستصلاح الأراضي، وهي جهود يمكن أن تُطبّق على الأراضي العشبية والسهول العشبية بطريقة مسؤولة بيئياً. تقول دجينوتا: “هذه مشكلة لغوية نعانيها في المجتمع العلمي”. تتوخى دجينوتا الحذر من تصوير تعهدات المبادرة على أنها سلبية، لأن الالتزامات بالنسبة لها تشير إلى وجود إرادة سياسية تهدف للصالح البيئي. تقول دجينوتا: “تقع مسؤولية تحويل هذه الإرادة السياسية إلى نتائج ملموسة وإنجاز ذلك على النحو السليم على العلماء والممارسين”، وتُضيف قائلة إن التعهدات ليست هي المشكلة، بل المشكلة الحقيقية هي النهج الذي قد يتبعه كل من الممولين والمؤسسات الدولية في الوفاء بتلك الوعود.

اقرأ أيضاً: كيف يستنزف التلوث المياه العذبة؟

التوصل إلى حل حقيقي

توافق دجينوتا بشدة على أنه ينبغي ألّا تُزرع الأشجار في الأراضي العشبية وألّا تتحول هذه الأخيرة إلى غابات، وتأمل أن تشهد جهود استصلاح هادفة في مختلف أنحاء إفريقيا تُجرى على نحو مستدام. تقول دجينوتا إن الطريقة الأفضل لضمان ذلك هي فسح المجال لجهود الحفاظ على البيئة الصعودية، التي تعتمد في توجهها ومعارفها على المجتمع المحلي الذي له مصلحة حقيقية في الحفاظ على صحة الأرض على المدى الطويل. جهود الاستصلاح الحقيقية يجب أن تكون عملية “لا استعمارية”.

“سنستمر بالإخفاق إذا واصلنا تجاهل دور السكان المحليين والتاريخ”.

تعتقد مارتن أيضاً أن الحل الأفضل هو حل تحقيق العدالة في إدارة الأراضي؛ إذ إنها تقول إن الأبحاث تشير إلى أن البشر سيتمتعون برفاهية أكبر عندما تتاح للسكان الأصليين فرصة إدارة أراضيهم الخاصة، وكذلك الأمر بالنسبة للمَواطن. تقول مارتن: “هذا ليس حلاً شاملاً، ولكن بذل جهود إضافية لتأمين حيازة الأراضي للناس [في مختلف أنحاء إفريقيا] سيمثّل خطوة كبيرة نحو حل بعض هذه المشكلات. يرغب الكثيرون في الحلول العلمية أو التقنية، ولكن هذه أنظمة اجتماعية بيئية مترابطة، وسنستمر بالإخفاق إذا واصلنا تجاهل دور السكان المحليين والتاريخ”.