في عام 2015، انتشرت صورة لسلحفاة بحرية تحمل شفاطة بلاستيكية مغروسة في أنفها؛ إذ أثرت هذه الصورة فى الرأي العام؛ ما جعل هذه المادة المصنوعة من البلاستيك، التي تُستخدم لمرة واحدة، العدو الأول للبيئة؛ ما أدى إلى ظهور الشفاطات الورقية التي أثارت جدلاً واسعاً. في الوقت الحالي، كشف بعض الأبحاث الجديدة عن الجوانب السلبية المحتملة للشفاطات الورقية، وليس فقط بسبب سرعة تلفها عند تعرضها للسوائل لفترة طويلة.
مركبات البولي والبيرفلوروألكيل نسبتها أعلى في شفاطات الورق
أُجريت دراسة صغيرة في أوروبا لاختبار 39 علامة تجارية من الشفاطات؛ إذ وجدت الدراسة التي نُشرت في 25 أغسطس/ آب في مجلة الإضافات والملوثات الغذائية (Food Additives and Contaminants)، أن بعض أنواع الشفاطات الورقية يحتوي على مجموعة مضرة من المواد الكيماوية الاصطناعية التي تسمَّى "مركبات البولي والبيرفلورو ألكيل" (PFAS). عثر الباحثون على هذه المواد الكيماوية الأبدية في الشفاطات التي اختبروها في الدراسة، معظمها، وكانت توجد بصورة أكبر في الشفاطات المصنوعة من الورق والخيزران مقارنة بالأنواع الأخرى. وبالإضافة إلى ذلك، تبين أن الشفاطات البلاستيكية المستخدمة في هذه الدراسة تحتوي على عدد كبير من مركبات البولي والبيرفلورو ألكيل. ولذلك؛ أوصى الباحثون باستخدام الشفاطات الفولاذية القابلة لإعادة الاستخدام بدلاً من تلك البلاستيكية.
اقرأ أيضاً: ما بدائل البلاستيك وكيف يمكن التقليل من استعماله؟
توجد مركبات البولي والبيرفلورو ألكيل في مجموعة واسعة من المنتجات؛ مثل أواني الطهو غير اللاصقة والملابس؛ إذ تُستخدم هذه المركبات لخصائصها المقاومة للماء والبقع. لكنّ هذه المواد تتحلل ببطء شديد؛ ما يعني إمكانية استمرار تأثيرها لآلاف السنين، ومن ثَمَّ؛ يمكن أن تسبب الضرر للناس والحيوانات والبيئة. تشير عدة دراسات إلى وجود ارتباط بين هذه المواد الكيماوية والإصابة بأنواع مختلفة من السرطانات، بالإضافة إلى تلوث العديد من المصادر المائية الحيوية بهذه المواد. وتشير التقديرات إلى وجود مركبات البولي والبيرفلورو ألكيل في أكثر من %97 من أجسام سكان الولايات المتحدة؛ إذ لاحظ الباحثون وجود هذه المركبات في عينات من حليب الثدي أيضاً.
توصلت دراسة منفصلة أُجريت في عام 2021 إلى وجود مركبات البولي والبيرفلورو ألكيل في شفاطات الشرب المصنوعة من النباتات في الولايات المتحدة، وأراد فريق الباحثين بقيادة المؤلف المشارك وعالم البيئة بجامعة أنتويرب (University of Antwerp) ثيمو غروفن (Thimo Groffen) معرفة ما إذا كانت النتائج مماثلة في بلجيكا.
يقول غروفن في بيان صحفي: "غالباً، يُروَّج للشفاطات المصنوعة من مواد نباتية مثل الورق والخيزران، على أنها أكثر استدامة وصديقة للبيئة مقارنة بتلك المصنوعة من البلاستيك؛ لكنّ وجود هذه المركبات الكيميائية في هذه الشفاطات يثير الشكوك حول تلك الادعاءات".
في الدراسة، اختبر الفريق 39 علامة تجارية من شفاطات الشرب المصنوعة من 5 مواد؛ وهي الورق والخيزران والزجاج والفولاذ المقاوم للصدأ والبلاستيك. ازداد عدد الدول التي حظرت المنتجات البلاستيكية، التي تُستخدم لمرة واحدة، فيما تعزز استخدام البدائل المصنوعة من النباتات.
جمع الباحثون الشفاطات من المحلات التجارية والمتاجر الاستهلاكية ومطاعم الوجبات السريعة وخضعت لاختبارين للكشف عن وجود مركبات البولي والبيرفلورو ألكيل. احتوى نحو 69% (27 علامة تجارية من أصل 39) من الشفاطات التي خضعت للاختبار في الدراسة، على مركبات البولي والبيرفلورو ألكيل، بالإضافة إلى اكتشاف 18 نوعاً مختلفاً من هذه المركبات في المجمل.
أظهرت النتائج أن الشفاطات الورقية هي أكثر الأنواع التي تحتوي مركبات البولي والبيرفلورو ألكيل؛ إذ اكتُشف وجود هذه المواد الكيماوية في 90% من الشفاطات الورقية التي خضعت للاختبار (18 علامة تجارية من أصل 20). واكتُشفت هذه المركبات في 80% من الشفاطات المصنوعة من الخيزران (4 علامات تجارية من أصل 5)، و75% من الشفاطات المصنوعة من البلاستيك (3 علامات تجارية من أصل 4)، و40% من الشفاطات المصنوعة من الزجاج (علامتان تجاريتان من أصل 5). لم يكتشف الفريق أي مركبات في 5 شفاطات مصنوعة من الفولاذ خضعت إلى الاختبار.
اقرأ أيضاً: ما المشكلة في الوعود التي تقطعها الشركات للتقليل من التلوث البلاستيكي؟
الشفاطات المصنوعة من الفولاذ هي الأكثر أماناً
كان حمض البيرفلوروكتانويك (Perfluorooctanoic acid) أكثر المواد الكيميائية الأبدية التي اكتُشفت في الدراسة، وعلى الرغم من ذلك، حُظرت مركبات البولي والبيرفلورو ألكيل عالمياً منذ عام 2020. وكشف الباحثون عن وجود حمض ثلاثي فلورو أسيتيك أو حمض التريفليك (trifluoroacetic acid) وحمض ثلاثي فلورو ميثان سلفونيك (trifluoromethanesulfonic acid). تتميز هذه السلسلة القصيرة جداً من مركبات البولي والبيرفلورو ألكيل بأنها قابلة للذوبان في الماء بدرجة عالية؛ ما يعني أنها يمكن أن تنتقل من الشفاطات إلى المشروبات بسهولة.
وفقاً للفريق؛ كان تركيز مركبات البولي والبيرفلورو ألكيل منخفضاً ولذلك فإنها لا تشكل خطراً كبيراً على الصحة، ولا سيّما أن الناس لا يستخدمون هذه الشفاطات بصورة مستمرة. وعلى الرغم من ذلك، يمكن أن تبقى هذه المركبات في الجسم لفترة طويلة تصل إلى عدة سنوات، ويمكن أن يتراكم تركيزها بمرور الوقت.
يقول غروفن: "إن هذه الكميات الصغيرة من مركبات البولي والبيرفلورو ألكيل، على الرغم من أنها ليست مضرة في حد ذاتها، يمكن أن تضاف إلى المواد الكيماوية الموجود بالفعل في الجسم".
لا توجد معلومات مؤكدة حول سبب إضافة هذه المركبات إلى الشفاطات، سواء لتحسين مقاومتها للماء في أثناء عملية التصنيع أو لأن ذلك كان نتيجة تعرضها للتلوث من مصدر خارجي غير مرتبط بعملية التصنيع. ويشمل بعض مصادر التلوث المحتملة التربة التي نمَت فيها المواد النباتية المستخدمة في صناعة الشفاطات، وكذلك الماء المستخدم في عملية التصنيع.
اقرأ أيضاً: حان الوقت لزيادة وضوح رموز المنتجات البلاستيكية القابلة لإعادة التدوير
يعتقد مؤلفو الدراسة أن تكون هذه المركبات استُخدمت بوصفها طلاءً مقاوماً للماء؛ نظراً لوجودها في أنواع الشفاطات الورقية جميعها التي خضعت للاختبار. يشير الفريق إلى أن بعض القيود الأخرى للدراسة تشمل عدم دراسة احتمالية ترشح هذه المركبات من الشفاطات وانتقالها إلى السوائل.
يقول غروفن: "إن وجود هذه المركبات في الشفاطات المصنوعة من الورق والخيزران يشير إلى أنها ليست قابلة للتحلل الحيوي بالضرورة، ناهيك بأننا لم نكتشف وجود أيٍّ من هذه المركبات في الشفاطات المصنوعة من الفولاذ المقاوم للصدأ. لذلك؛ أنصح المستهلكين باستخدام هذا النوع من الشفاطات، أو تجنب استخدام الشفاطات تماماً".