ملخص: يتجه العديد من الدول العربية نحو توفير مصادر طاقة مستدامة ونظيفة لتأمين الاحتياجات المتزايدة للطاقة على الصعيدين الصناعي والخدمي، وتتوفر في الدول العربية الظروف الملائمة؛ كوجود الكثير من النفايات العضوية المنزلية والمخلفات الزراعية لتوليد الوقود الحيوي من خلال تحويل هذه المخلفات إلى ديزل حيوي وهو نوع وقود سائل، ويمكن أيضاً استخدام الكتلة الحيوية الناتجة عن المخلفات الصلبة الزراعية عن طريق إحراقها، وهناك الطاقة النووية التي تسعى عدة دول عربية لاستخدامها، حيث تمكنت الإمارات من توليد الطاقة النووية من محطة براكة النووية، حيث تم تفعيل المفاعل الرابع والأخير للمحطة في 5 سبتمبر/أيلول لكي توفّر نحو ربع حاجة الإمارات من الطاقة. بالإضافة لهذه الأنواع من الطاقة، هناك طاقة الرياح والطاقة الشمسية والغاز الحيوي، وتسعى الدول العربية لزيادة الدراسات حول كيفية الاستفادة من مصادر الطاقة النظيفة واعتمادها بشكلٍ يحقق الكفاءة التشغيلية والاقتصادية والبيئية.
أصبحت القضية البيئية التي تشمل التغيّر المناخي والاحتباس الحراري والتلوث جزءاً لا يتجزأ من الأخبار اليومية، وهناك حاجة عالمية إلى إيجاد حلول عملية فعّالة وتطبيقية مباشرة تحافظ على سلامة البيئة، وخاصة في قطاع إنتاج الطاقة النظيفة، فما هي حلول الطاقة البديلة المتوفرة في البلدان العربية؟ وهل سنشهد توسعاً للطاقة النظيفة عربياً؟
اقرأ أيضاً: في حال نجاحه: الاندماج النووي البارد قد يشكّل ثورة في إنتاج الطاقة
الإمكانات العربية في مجال الطاقة النظيفة
يمكن تلخيص أبرز المجالات الرئيسية لتوليد الطاقة النظيفة في العالم العربي بما يلي:
الطاقة النووية
أبدت أكثر من 12 دولة في الشرق الأوسط اهتمامها بتطوير الطاقة النووية، وسبب اهتمام الدول العربية بالطاقة النووية هو توفير الطاقة الكافية والمستدامة لتشغيل محطات تحلية المياه نظراً لنقص المصادر المائية في العديد من البلدان العربية واللجوء إلى تحلية مياه البحار، وتوفير مصدر طاقة بديل ومستدام للوقود الأحفوري وتعزيز التنمية الاقتصادية والعلمية.
حيث اقترحت مصر بناء محطات نووية لتحلية المياه أول مرة عام 1964، ثم مرة أخرى في عامي 1974 و1983، ولكن القاهرة ألغت تلك الخطط بسبب المخاوف المتعلقة بالسلامة في أعقاب حادث تشيرنوبيل عام 1986، وطلبت الجزائر ومصر وليبيا والمغرب وتونس أيضاً توفير مصدر للطاقة النووية عام 1996، لكن لم تكتمل الإجراءات اللازمة لعدة اعتبارات مادية وأمنية.
وحالياً تُعدّ دولة الإمارات الأولى عربياً في تأسيس وتفعيل أول محطة للطاقة النووية في العالم العربي، حيث دخلت محطة براكة للطاقة النووية مرحلة التشغيل الكامل عندما بدأ المفاعل الرابع بتوزيع الطاقة تجارياً يوم الخميس 5 سبتمبر/أيلول 2024.
تقع محطة براكة في أبو ظبي وستنتج 40 تيراواط/ ساعة من الكهرباء سنوياً، ووفقا لمنشور رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان على منصة إكس، يلبي هذا الإنتاج نحو 25% من الطلب على الكهرباء في الإمارات، كما ستوفّر المحطة هذه الطاقة لصناعات رئيسية في الإمارات مثل شركة أبو ظبي الوطنية للبترول وشركة الإمارات للصلب وشركة الإمارات العالمية للألمنيوم.
مع بدء العمليات التشغيلية في المحطة الرابعة من محطات براكة للطاقة النووية، تخطو دولة الإمارات خطوة مهمة أخرى في رحلتها نحو تحقيق هدف الحياد المناخي، وسنواصل إعطاء الأولوية لأمن الطاقة واستدامتها لما فيه خير الإمارات وشعبها حاضراً ومستقبلاً.
— محمد بن زايد (@MohamedBinZayed) شاهد على إكس
تسعى المملكة العربية السعودية، وهي دولة عضو في مجلس التعاون الخليجي، إلى تنفيذ خطط لتطوير صناعة نووية كجزء من استراتيجيتها الأوسع نطاقاً للتحول في مجال الطاقة، إذ تهدف إلى إضافة 17 غيغاواط من الطاقة النووية بحلول عام 2032.
اقرأ أيضاً: صغيرة الحجم وعالية الأداء: ماذا تعرف عن الجيل الجديد من المفاعلات النووية؟
الوقود الحيوي
يسهم الوقود الحيوي في تخفيف الانبعاثات الكربونية، ويمكن تصنيعه من خلال إعادة تدوير زيت الطهي والنفايات الزراعية لإنتاج وقود الديزل الحيوي الذي يُستخدم في تشغيل المولدات الكهربائية والماكينات التي تعمل على وقود الديزل الحيوي بشكلٍ مخصص أو يمكن خلط الديزل الحيوي مع الديزل العادي (المازوت) في المركبات و الآليات المصممة لاستخدام الديزل العادي لتخفيف أضراره.
تعمل السعودية على استخدام الوقود الحيوي لدعم 25 مجموعة من المولدات الألمانية المخصصة للديزل الحيوي (B100) في مشروع البحر الأحمر، وستنتج هذه المولدات نحو 112 ميغاواط من الطاقة للمنشأة حتى في حالة عدم توفر الطاقة الشمسية. بينما تقع أكبر مصفاة في الشرق الأوسط لإنتاج الديزل الحيوي في جبل علي بالإمارات، حيث يُعاد تدوير النفايات العضوية.
وفقاً لموقع ستاتيستا الإحصائي، من المتوقع أن تبلغ قيمة سوق إنتاج الوقود الحيوي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا 4.24 مليارات دولار أميركي عام 2024، ما يمثّل زيادة قدرها 240 مليون دولار أميركي مقارنة بالعام السابق، وهذا يدل على أن سوق إنتاج الوقود الحيوي في العالم العربي تنمو بشكلٍ متزايد وتتناسب مع التوجه العالمي لاستخدام الطاقات المتجددة.
يذكر تقرير الطاقة الحيوية والتنمية المستدامة في الريف العربي الذي أصدرته منظمة الإسكوا التابعة للأمم المتحدة عام 2019، أن الدول العربية تتفق على عدم زراعة محاصيل مخصصة لتوليد الطاقة الحيوية بسبب شح المياه وتقنينها لتوفير الحاجة الغذائية، وتتجه الدول العربية لإنتاج الوقود الحيوي من المخلفات الزراعية مثل مخلفات الزيتون بعد العصر ومخلفات الذرة وغيرها من المحاصيل والنفايات العضوية المنزلية، نظراً لأن البلدان العربية تتميز بمحتوى عالٍ من النفايات العضوية على مستوى المنزل الواحد.
اقرأ أيضاً: ما هي أهم استخدامات الطاقة النووية في الزراعة؟
الكتلة الحيوية
يمكن إنتاج الكتلة الحيوية من المخلفات الصلبة من الحيوانات والنباتات، ويستخدم الكثير من المجتمعات الريفية في البلدان العربية الكتلة الحيوية في إنتاج الطاقة عن طريق إحراقها، لكن لا يتم استغلال هذه الطاقة بشكلٍ كبير في المدن.
أظهرت نتائج دراسة مشتركة جرت بين جامعة الزقازيق في مصر وجامعة شقراء في السعودية عام 2021، أن نفايات الكتلة الحيوية السنوية في السعودية يمكن أن تصل إلى نحو 31.50 مليون طن، ويمكن أن تولد 15 تيراواط/ ساعة من الكهرباء سنوياً. وتبين في الدراسة أن السعودية لديها أكبر إمكانات لتوليد الكتلة الحيوية بين البلدان العربية، حيث بلغت إمكاناتها التقديرية نحو 58% من الطاقة الكامنة في نفاياتها التي يمكن استخدامها ككتلة حيوية للوقود، من الحيوي تليها الإمارات العربية المتحدة بنسبة 17.19% وعمان بنسبة 9.60% والكويت بنسبة 7.60%، وقطر بنسبة 5.44%، والبحرين بنسبة 2.07%.
لكن بشكلٍ عام، تُعدّ الدراسات التي تحلل إمكانية توليد الطاقة من نفايات الكتلة الحيوية محدودة،
وتفتقر الدول العربية إلى دراسة كاملة ومفصلة للأنواع الرئيسية من نفايات الكتلة الحيوية وإمكانية توليدها بواسطة تقنيات مختلفة.
بالإضافة للطاقات المذكورة، هناك طاقة الرياح والغاز الحيوي والطاقة الشمسية التي تسعى عدة دول عربية إلى إنشاء بنى تحتية قادرة على الاستفادة منها وتوفير الطاقة النظيفة، حيث تتوفر الموارد الخاصة بها مثل الصحاري التي تسقط عليها أشعة الشمس ساعات طويلة، والرياح في عدة جيوب هوائية بالوديان والكافية لتوليد طاقة الرياح. هذه الطرق المستدامة كلّها توفّر بديلاً صديقاً للبيئة محلياً للحصول على ما يكفي من الطاقة وتلبية حاجة السكان والصناعات العربية المختلفة.
اقرأ أيضاً: لماذا تحتاج محطات الطاقة النووية إلى الكهرباء لتبقى آمنة؟
الأبحاث المنشورة في مجال توليد الطاقة النظيفة عربياً
أظهر تقرير نُشر في تقرير اليونسكو للعلوم عام 2021، أن العلماء العرب يبذلون جهوداً فائقة في مجال الأبحاث المتعلقة بالطاقة الشمسية وطاقة الرياح، حيث تُجري الدول المنتجة للنفط العديد من الأبحاث الموجّهة لتوليد الطاقة النظيفة، وتعتبر المملكة العربية السعودية ومصر من بين الدول الرائدة في إنتاج الأبحاث في مجال الطاقة النظيفة، بالإضافة إلى قطر والإمارات العربية المتحدة.
نجحت الدول العربية في زيادة حصتها العالمية من الأبحاث المتعلقة بتكنولوجيا الوقود النظيف إلى 3.3%، ولكن هذه النسبة تُعدّ منخفضة نسبياً بالنسبة لحجم المنطقة والتطلعات المعلنة من قِبل الدول العربية لتبني حلول توليد الطاقة النظيفة بدل الوقود الأحفوري.
تبين في التقرير أن دولة العراق كانت صاحبة أسرع معدل نمو بحثي بين البلدان التي نشرت ما لا يقل عن 1000 منشور عن الطاقة النظيفة بين عامي 2012 و2019، إذ ارتفع الناتج العلمي العراقي بشكلٍ عام بنسبة 530% بين عامي 2015 و2019، وهو أحد أسرع معدلات النمو البحثي في العالم.
وكانت حصة الدول العربية في الإنتاج العلمي بمجال مصادر الطاقة المتجددة تركّز على الطاقة الشمسية تليها تكنولوجيات توربينات الرياح.
اقرأ أيضاً: 6 طرق يمكننا من خلالها تخزين الطاقة التي نحصل عليها من مصادر الطاقة المتجددة
الفرص والتحديات في توليد الطاقة النظيفة عربياً
تشمل التحديات الأساسية لتوليد الطاقة النظيفة عربياً ما يلي:
- عدم توفر البنى التحتية التي تدعم استخدام الطاقة النظيفة مثل المركبات التي تعمل على الوقود الحيوي وشبكات الكهرباء التي تتوافق مع الطاقة البديلة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية.
- القضية البيئية والاستدامة لا تعد من الأولويات في معظم البلدان العربية، إذ تنتشر في معظم المناطق العربية صراعات سياسية تعوق التطور والاهتمام بالقضايا ذات الأفق البعيد في ظهور آثاره نسبياً مثل التلوث البيئي.
- عدم انتشار ثقافة الاهتمام بمصادر الطاقة النظيفة ودعم وتطوير الأبحاث بها، إذ أغلب الدراسات العربية تنصب ببوتقة العلوم الأدبية وتُعدّ الأبحاث التطبيقية أقل وتيرة وغالباً ما تهتم بقضايا طبية أو زراعية غالباً.
- قلة الوعي من قبل العرب بالطرق المختلفة في توليد الطاقة والخوف من التغيير في مصادر الطاقة وعدم نجاحها في توفير الحاجات المستمرة للطاقة.
- وجود الكثير من الثروات النفطية في المنطقة العربية يجعل من الصعب إقناع القيادات وصناع القرار بأهمية الاستثمار بأنواع جديدة من الطاقة النظيفة، علماً أن الحقول النفطية في نضوب مستمر.
- زيادة الطلب على الطاقة وعدم توفر ميزانية كافية للتحويل إلى الطاقة النظيفة.
تشمل الفرص المتاحة للدول العربية بمجال توليد الطاقة النظيفة ما يلي:
- الاستفادة من الشراكات مع الدول التي اعتمدت على مصادر طاقة متجددة في اكتساب الخبرات والقيام بالدراسات اللازمة لتبني حلول الطاقة النظيفة.
- توفر الإمكانات الخام لتوليد الطاقة النظيفة مثل الصحاري الواسعة التي تسمح ببناء حقول توليد طاقة شمسية وطاقة الرياح، بالإضافة إلى وجود نسبة كبيرة من النفايات العضوية التي يمكن استخدامها في توليد الطاقة الحيوية من الوقود الحيوي والكتلة الحيوية.
- بدء عدة بلدان عربية مثل الإمارات والسعودية اعتماد حلول للطاقة النظيفة تحقيقاً لرؤيتها المستقبلية في التنمية المستدامة.
- يمكن للتحول إلى الطاقة النظيفة أن يوفّر الكثير من فرص العمل ويدعم الاقتصاد المحلي، ويزيد من الاستقرار في مجال الإنتاج وتوفير البنى التحتية لصناعات متنوعة.