يؤثر التغيّر المناخي على كيمياء محيطات الأرض ويغيرها. تؤدي الحرارة الناجمة عن زيادة غاز ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي إلى ذوبان الجليد البحري المهم جداً وتسبب تحمّض المحيطات، أو بعبارة أخرى، انخفاض الرقم الهيدروجيني للمحيطات على مدى فترة طويلة من الزمن.
زيادة حموضة المحيطات
خلال الـ200 سنة الماضية، انخفض الرقم الهيدروجيني لمياه المحيطات السطحية بمقدار 0.1 درجة، أي بزيادة قدرها 30% في حموضة المحيطات. وفقاً للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA)، تصبح مياه البحر حمضية عندما يذوب غاز ثاني أوكسيد الكربون فيها مكوناً حمض الكربونيك. ثم يتفكك هذا الحمض الضعيف إلى أيونات الهيدروجين وأيونات الكربون. بسبب الأنشطة البشرية مثل حرق الوقود الأحفوري، هناك حالياً كمية زائدة من ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي، وبالتالي تذوب كميات أكبر منه في مياه المحيطات عبر العالم. مع استمرار المحيط في امتصاص المزيد من ثاني أوكسيد الكربون، ينخفض الرقم الهيدروجيني وتزداد حموضة مياه المحيط.
يؤدي تحمض المحيطات إلى الإضرار بالحياة البحرية، وخاصة المحار الملزمي والمحار العادي والمحار المروحي (الأسقلوب) والأسماك الأخرى التي تتكون هياكلها وأصدافها من كربونات الكالسيوم. وقد اكتشفت الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي دليلاً على أن تحمض المحيطات يمكن أن يؤدي إلى تحلل أصداف بعض أنواع الحلزونات البحرية.
اقرأ أيضاً: العلماء يحذّرون من ذوبان نهر القيامة الجليدي
المحيط المتجمد الشمالي أكثر تضرراً من باقي االمحيطات
ومع ذلك، لا يحدث التحمّض بنفس السوية في جميع أنحاء الكوكب، فقد يحدث في بعض المناطق أكثر من غيرها. فقد وجدت دراسة نُشرت نتائجها مؤخراً في مجلة "ساينس" أن التحمّض يحدث في غرب المحيط المتجمد الشمالي بمعدل أعلى 3 أو 4 مرات من معدل التحمض في أحواض المحيطات الأخرى.
يقول عالم المحيطات والكيميائي البحري ومؤلف هذه الورقة البحثية، وي جون كاي، في مقابلة مع مجلة العلوم للعموم: «بمجرد تخفيف حموضة مياه المحيط نتيجة ذوبان الجليد، يصبح من الصعب تحييد ثاني أوكسيد الكربون. لقد شهدنا ذلك بالفعل لأول مرة في المحيط المتجمد الشمالي عام 2008، وقد صدمت لأن مستويات ثاني أوكسيد الكربون كانت مرتفعة جداً في المياه السطحية، حيث يمكن أن يزيد التحمض من سمية المعادن الثقيلة في المياه».
تشير الدراسة إلى أن الزيادة كانت ناجمة عن الفقد السريع للجليد البحري في المنطقة، ما زاد من مساحة تعرّض مياه البحر للغلاف الجوي وأدى لامتصاصه المزيد من ثاني أوكسيد الكربون. تقدر ناسا أن القطب الشمالي يفقد الجليد البحري بمعدل 12.6% كل عشر سنوات بسبب الاحتباس الحراري. ووفقاً لكاي، فإن مستويات ثاني أوكسيد الكربون في الثمانينيات والتسعينيات كانت أقل في المحيط المتجمد الشمالي من مستوياتها الحالية، وكان من الواضح أن ذوبان الجليد كان يحدث أكثر في حوض البحر الهامشي، ثم امتد أكثر إلى أحواض المحيط المتجمد الشمالي الأخرى بحلول عام 2007.
يقول كاي موضحاً: «بسبب ذوبان الجليد البحري، باتت هناك اليوم مناطق جديدة تتفاعل فيها مياه المحيطات مع الغلاف الجوي».
اقرأ أيضاً: ذوبان جليد أكبر أنهار القارة القطبية الجنوبية يهدد مستويات البحار في كل العالم
مؤشرات تحمض المحيط
جمع الفريق بيانات من 47 رحلة بحثية في القطب الشمالي تمت بين عامي 1994 و2020 لدراسة التغيرات في درجة حموضة مياه البحر. وبالإضافة إلى ذلك، اختبر الفريق حالة التشبع لكل من كربونات الكالسيوم ومعدن الأراجونيت، حيث يُعتبر هذان العاملان مؤشرين دقيقين لتحمض المحيط. وقد كشفت النتائج أن التحمّض يتسارع في غرب القطب الشمالي، وأن هناك علاقة مدهشة بين هاتين السمتين والانخفاض الإقليمي في الجليد البحري على مدار 26 عاماً الماضية.
يمكن أن تتفاقم عملية التحمض أكثر خلال العقود القليلة القادمة إذا ما استمر الجليد البحري في التناقص في غرب القطب الشمالي.
يقول كاي: «من المرجح أن يستمر هذا التحمض خلال العقدين المقبلين حتى يذوب الجليد كله. ويتوقع علماء آخرون أن ذلك سيحدث بين عامي 2030 و2050. في الوقت الحالي، تباطأت وتيرة ذوبان الجليد مقارنة بعام 2012 حين شهدنا معدلات قياسية من الذوبان، ولكننا لسنا متأكدين مما إذا كان هذا التباطؤ سيستمر، ربما يتسارع ذوبان الجليد مرة أخرى».
اقرأ أيضاً: لماذا نشهد زيادة القدرة التدميرية لفيضانات المناطق الجبلية؟
يخطط الفريق حالياً لدراسة هذه البيانات بمزيد من التعمق لفهم عملية التحمض بشكلٍ أفضل. ويحذر كاي أخيراً من أن التحمض قد يمتد إلى مناطق العروض المنخفضة أيضاً، حيث يمكن أن تزداد سرعة ذوبان الجليد في أماكن أخرى غير القطب الشمالي.