كيف تتناول الخضروات في الشتاء دون الإضرار بالبيئة؟

6 دقائق

يحتاج الناس لاتباع نظامٍ غذائي صحي، وذلك ينطوي على تناول الكثير من الخضار والفواكه. لكن تخزين هذه المواد في المتاجر غالباً ما ينطوي على شحنها من مسافاتٍ طويلة كي تصل إليها، مما يجعل البصمة الكربونية لهذه العملية كبيرة وتؤثّر سلباً بشدة على البيئة.

يمكننا في الصيف مثلاً تجنب شراء المنتجات المشحونة من بعيد عن طريق التحقق من المكان الذي تأتي منه، أو شرائها مباشرة من المزارعين في المزارع القريبة. ولكن بمجرّد أن أن يحل الشتاء، يصبح من الصعب الحصول على مجموعة متنوعة من الخضار الطازجة وحماية البيئة في نفس الوقت. لحسن الحظ، ومع القليل من علم النبات وبعض المهارات الحديثة، لا يزال بإمكانك تناول نظام غذائي في الشتاء وتقليل البصمة الكربونية في نفس الوقت.

لماذا يؤثر إنتاج الخضار في الشتاء على البيئة سلباً؟

الالتزام بنظامٍ غذائي صحي مفيدٌ للبيئة عموماً، لكن الحد من بصمة الكربون لانتاج الجزر مثلاً في الشتاء أصعب مما يبدو في الحقيقة. في الواقع، تشجع الإعفاءات الضريبية التي لا تزال تتمتع بها خدمات الشحن الدولي على زراعة الخضار أو الفواكه، وشحنها من أي مكان إلى مكان آخر. فغالباً ما تكون التكلفة النهائية لذلك أقل من زراعتها وإنتاجها محلياً. لذلك، على سبيل المثال، حظرت الولايات المتحدة استيراد الحمضيات من الأرجنتين لما يقرب من 20 عاماً لدعم المزارعين المحليين؛ فحتى بعد حساب تكلفة شحنه على متن السفن والطائرات، كانت تكلفة استيراد الحمضيات من أميركا الجنوبية أقل من إنتاجها في كاليفورنيا.

وكي تتحقق من ذلك بالفعل، ما عليك سوى الذهاب إلى المتجر والتحقق من بلد منشأ الخضروات التي تتناولها ومقارنة أسعارها. غالباً ما ستجد أن الطعام قد قطع آلاف الأميال حتى يصل إلى مائدتك، ولكن كي يصل إليك، فإنه يتسبب بالكثير من انبعاثات الكربون، وهذه أخبارٌ سيئة جداً للبيئة. إذن، كيف يمكنك أن تحافظ على نظامٍ غذائي صحي وتحافظ على البيئة بنفس الوقت؟

في الواقع، ليس هناك حل سحري لتقليل البصمة الكربونية لما نستهلكه، ولكن هناك بعض الإرشادات التي علينا اتباعها ويمكن أن تخفف بصمتنا الكربونية إلى حدٍ كبير:

  • تجنب الأطعمة المصنعة. تزيد معالجة الأطعمة، مثل طحن الحبوب إلى دقيق والطاقة المصروفة في تحضير الطعام، من انبعاثات الكربون الإجمالية.
  • اعتمد على المحاصيل المحلية. تُعد زراعة المحاصيل الأصلية في المنطقة أكثر ملائمة للنظام البيئي المحلي حيث تقيم، فهي تحتاج إلى كمية أقل من الأسمدة وتغييراتٍ أقل بالتربة. وبالإضافة لذلك، فإن المنتجات المحلية أقل عرضة لشحنها لمسافاتٍ بعيدة.
  • كل خطوة من خطوات إنتاج الغذاء مهمة، لذلك ابحث عن كيفية صنع طعامك. على سبيل المثال، وجد باحثون في المملكة المتحدة عام 2006 أن لحم الضأن المستورد من نيوزيلندا له بصمة كربونية أقل من اللحوم المنتجة محلياً، ويرجع السبب في ذلك إلى أن النيوزيلنديين يديرون مزارعهم مستخدمين الطاقة الكهرومائية، بينما يعتمد البريطانيون على الفحم.
  • تذكر أن بصمة الكربون الناجمة عن إنتاج الغذاء يمكن أن تتغير في أي وقت. في عام 2006، كانت المملكة المتحدة بأكملها تقريباً تستخدم الوقود الاحفوري، لكنها تتحول تدريجياً وبسرعة نحو توليد الطاقة من المصادر النظيفة.

ومع أخذ ما سبق في الاعتبار، إليك أيضاً بعض الخطوات العملية التي يمكنك القيام بها للحفاظ على صحتك والتقليل من بصمتك الكربونية حتى في منتصف فصل الشتاء:

اقرأ أيضا: الوجه الآخر لصناعة زيت النخيل: تاريخٌ من العبودية وأضرارٌ للبيئة

تعرف على النباتات المنتجة محلياً

لتجنب المنتجات التي تترك بصمةً كربونية عالية نتيجة شحنها، يمكنك الاعتماد على استهلاك المزيد من الأطعمة المزروعة في منطقتك. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يكون للمنتجات المحلية فائدةٌ أكبر على البيئة؛ مثل حماية التنوع الحيوي وتقليل استخدام المبيدات. عليك فقط الأخذ بعين الاعتبار أن العثور على تلك المنتجات يتطلب بعض الجهد.

ابدأ البحث في السوبر ماركت. نظراً لطلب المستهلكين عليها، أصبح شراء المنتجات المحلية أمراً شائعاً للغاية رغم أن بعض المتاجر تواجه صعوبةً في تأمين كمياتٍ كافيةٍ منها لتلبية الطلب عليها. ابحث عن مُلصق بلد المنشأ، حيث يجب أن يكون موجوداً وفقاً للقوانين.

يمكنك أيضاً البحث عن أماكن جديدة للتسوق. ابحث عن المزارعين المحليين عبر الإنترنت، أو عن أسواق المزارعين الشتوية، اسأل مجموعات الزراعة المدعومة من المجتمع المحلي عن المزارع القريبة، أو يمكنك الحصول على عناوينها ببساطة من الملصقات الموجودة عليها في المتاجر. على سبيل المثال، يمكن أن تساعدك بعض المواقع الإلكترونية في معرفة المزارع القريبة منك. أخيراً، يمكنك اختيار منتجات المزارع التي تعتمد تقنياتٍ جديدةٍ صديقةٍ للبيئة، وإذا كنت تعيش في مدينة، يمكنك الاستفادة من المزارع الحديثة التي باتت تنتشر أكثر في المناطق الحضرية.

لا تتوقف عند هذا الحد. اتصل بالمزارعين واسألهم عن طريقتهم في الزراعة ومدى تأثيرها في البيئة. حاول معرفة ما إذا كانوا يتبعون نهج الزراعة المستدامة، مثل اتباع الدورات الزراعية وإدارة التربة، وما إذا كانوا يستخدمون تقنيات الطاقة المتجددة في مزارعهم، وكيف يقومون بتدفئة بيوت الزراعات المحمية، وكيف يشحنون منتجاتهم ويوزعونها. ليس بالضرورة أن تحصل منتجات المزارع الصغيرة على توصيف المنتجات العضوية من وزارة الزراعة الأميركية، قد يكون ذلك مكلفاً أو غير ممكن للمزارع الصغيرة، لذلك لا تُسقط منتجات هذه المزراع من حساباتك إذا لم تحصل على ذلك التوصيف.

بالنسبة للمنتجات المحلية، ابحث عن المزروعات التي تنمو محلياً في منطقتك والمزارع التي تنتجها، إذ أن معرفة ما ينمو محلياً سيساعدك على اتخاذ خيارات أفضل في متجر البقالة. كبداية، ابحث عما كان يتناوله السكان المحليون تاريخياً في منطقتك. عليك الانتباه إلى أن ذلك لا يعني ببساطة أنهم اعتمدوا على النباتات التي تنمو محلياً فقط، خصوصاً شعوب الأميركتين، حيث كانوا يتمتعون بتاريخ طويل من الزراعة وطرق تحسينها، بما في ذلك إدخال أنواعٍ نباتية وحيوانية جديدة من الخارج. وبذلك تصبح على درايةٍ أكثر بمسار المزروعات المحلية تاريخياً.

أخيراً، تعرّف على ميزات الخضراوات الشتوية؛ يمكن للعديد من النباتات التعامل مع الظروف الباردة بشكل مدهش والاستمرار في النمو، أو على الأقل الاستمرار في إنتاج أجزاءٍ صالحة للأكل منها. يمكن للكثير من الخضراوات الشتوية، مثل الكرنب والقرع، ومعظم الخضراوات الجذرية، أن تزدهر طالما بقيت الأرض غير متجمدة. ويمكن أن يكون إنتاج هذه الخضار أكثر استدامة في المناطق الباردة طالما أنها تنمو محلياً ولا تتطلب شحناً لمسافاتٍ طويلة. يساعد شراء الخضراوات الشتوية المحلية أيضاً المزارع القريبة على استمرار العمل فيها، مما يضمن استمرارها في زراعة المزيد من الخضار شتاءً.

اقرأ أيضا: 4 أسباب تجعل الحفاظ على البيئة أهم أهدافنا

كل مثل أسلافنا الرُّحل

كان أسلافنا الرحّل يأكلون كل شيء في الشتاء، كل شيءٍ فعلاً، لأنهم إن لم يفعلوا ذلك كانوا سيموتون جوعاً. لكن، هذه الأيام، لم يعد هناك خطرٌ من حدوث مجاعةٍ أو نقصٍ في الأغذية شتاءً، ولكن يمكننا أخذ الدروس من هؤلاء المسافرين لتنويع نظامنا الغذائي في الأشهر الباردة وتقليل بصمتنا الكربونية.

كان الرواد الأوائل يشترون كمياتٍ كبيرة من «البضائع الجافة» عند انخفاض درجات الحرارة، لأنها كانت قابلة للحفظ لفترة طويلة جداً ومن السهل تحضيرها. على سبيل المثال، تدوم الفاصولياء صالحة للأكل لسنوات، وحتى البقوليات المخزنة منذ فترةٍ طويلة لا تحتاج سوى لوضعها في الماء لبعض الوقت حتى تصبح صالحة للأكل. ويمكن أن يبقى الطحين لعامٍ طالما بقيت الحشرات بعيدةً عنه، وقد تمكّن الرواد من فعل ذلك بدون استخدام عبواتٍ مفرغة من الهواء أو حاويات محكمة الإغلاق.

لا تزال السلع الجافة متوفرة في أي متجر بقالة، ويمكن أن تضيف هذه المواد الغذائية الكثير إلى نظامك الغذائي الشتوي. يمكن تخزين كميةٍ مناسبةٍ منها في المنزل واستهلاكها تدريجياً، وذلك سيوفر قيادة سيارتك إلى المتجر مراراً وتكراراً، وبذلك توفر من الوقود، وبالإضافة إلى ذلك، ونظراً لأنك لست مضطراً لتخزينها في الثلاجة، ستقلّ بصمتك الكربونية أيضاً.

بما أنك تعلم أنك ستفتقد خضروات الصيف في الشتاء، يمكن أن تساعدك تكتيكات الرواد أيضاً في التخطيط مسبقاً وتخزينها لفصل الشتاء، حيث يمكنك الاحتفاظ بهذه الأطعمة لوقت لاحق عن طريق تخليلها أو تجفيفها أو تعليبها. بهذه الطريقة، ستكون أقل رغبة في شراء المنتجات الطازجة عندما تتجمد الأرض وأنت تعلم أنها شُحنت من مكان بعيد، ناهيك عن أن ذلك سيضيف نكهاتٍ مختلفة وتنوعاً إلى طعامك.

الخطوة الأخرى التي يمكنك القيام بها هي البدء في معالجة طعامك بنفسك. في الواقع، كلما زاد العمل الذي تنطوي عليه معالجة الطعام الجاهز، زادت بصمته الكربونية. على سبيل المثال، يمكن أن يسهم قيامك بطحن الحبوب إلى دقيق وصنع الخبز بنفسك بخفض حوالي 40% من الانبعاثات الناجمة عن صناعة الخبز. لحسن الحظ، بات طحن الدقيق وصنع الخبز أسهل بكثير من السابق، حيث بتنا نمتلك المطاحن الآلية المنزلية والخلاطات الكهربائية اللازمة لذلك. ولكن قبل استخدام هذه المعدات، احرص على استخدام الطاقة النظيفة في تشغيلها إن أمكن ذلك.

لا تنسَ استخدام العناصر القابلة لإعادة الاستخدام

أخيراً، لا تنس الخطوات القياسية التي يمكنك القيام بها لتقليل انبعاثاتك على مدار العام. يمكنك مثلاً المشي أو ركوب الدراجة، أو استخدام وسائل النقل العام للذهاب إلى متجر البقالة متى استطعت بدلاً من استخدام السيارة. تأكد من إستخدام أكياسٍ قابلة لإعادة الاستخدام معك. إذا كنت بحاجةٍ لاستخدام أدوات مائدةٍ وأطباق ستتخلص منها لاحقاً، فمن الأفضل تجنب المواد التي يدخل في صناعتها البلاستيك، واشتري بدلاً منها المنتجات المستدامة الأخرى.

ضع في اعتبارك أنه قد لا تتمكن من الحصول على كل ما تحتاجه من مصادر محلية. في هذه الحالة، ابحث عن الأطعمة التي تترك بصمة كربونية أقل من غيرها، مثل منتجات التجارة العادلة (وهي حركة اجتماعية هدفها المعلن هو مساعدة المنتجين في البلدان النامية على تحقيق ظروف تجارية أفضل، وتعزيز الزراعة المستدامة)، ومنتجات الشركات التي تستخدم مصادر طاقةٍ نظيفة، والمواد المعبئة في عبواتٍ قابلةٍ لإعادة الاستخدام أو القابلة للتحلل الحيوي (طريقة طبيعية لإعادة تدوير النفايات). وبمناسبة الحديث عن المواد القابلة للتحلل الحيوي، يمكنك البدء باستخدام هذه العناصر مثلاً في تسميد النباتات في حديقتك مثلاً.

بقليلٍ من البحث والقيام ببعض الخطوات السهلة، يمكنك الحد من بصمتك الكربونية الناجمة عن استهلاكك للطعام.

هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً

اقرأ أيضا: الأكياس القابلة لإعادة الاستخدام ليست صديقة للبيئة كما قد تعتقد

المحتوى محمي