هل يمكن إغلاق ثقب الأوزون؟

لماذا تشكل ثقب الأوزون فوق القطب الجنوبي وهل يمكن إغلاقه؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Terrance Emerson

في مايو/ أيار عام 1985، أعلن 3 علماء من هيئة المسح البريطاني عن اكتشاف ثقب في طبقة الأوزون لأول مرة فوق القطب الجنوبي. ومع انتشار الخبر، ساد تخوف كبير في جميع أنحاء العالم من أن تدمير طبقة الأوزون سيؤثّر سلباً على صحة البشر والنُظم البيئية. لذلك، حفّز المجتمع العلمي حكومات العالم على التعاون بطريقة غير مسبوقة للتغلب على المشكلة. فكيف تشكل ثقب الأوزون هذا وماذا حدث له منذ ذلك الحين وهل من الممكن إغلاقه؟

ما هي طبقة الأوزون وما أهميتها؟

تقع طبقة الأوزون على ارتفاع يمتد ما بين 16-50 كيلومتراً فوق سطح الأرض، داخل طبقة من الغلاف الجوي تُسمى طبقة الستراتوسفير (Stratosphere). والأوزون هو غاز يتألف من 3 ذرات أوكسجين (O3)، يتكون عندما يقوم ضوء الشمس بداية بتفكيك جزيء الأكسجين (O2) محرراً ذرات الأوكسجين الوليد (O)، ثم وفي المرحلة التالية، يتفاعل جزيء أوكسجين مع ذرة أوكسجين حرة مشكّلاً جزيء الأوزون.

طبقة الأوزون هي درع تحمي الحياة على الأرض، لأنها تمتص الأشعة فوق البنفسجية الضارة عالية الطاقة القادمة من الشمس، واستنفاد طبقة الأوزون يعني ارتفاع معدلات الإصابة بحروق الشمس وشيخوخة الجلد، وتلف المادة الوراثية وحدوث الطفرات الجينية، والإصابة بأمراض عديدة مثل سرطان الجلد، وإعتام عدسة العين، والتهاب قرنية العين (العمى الثلجي)، وضعف الجهاز المناعي، بالإضافة إلى إلحاق الضرر بنمو النباتات والمحاصيل الزراعية والحيوانات وغيرها.

اقرأ أيضاً: ما علاقة الأشعة فوق البنفسجية بالانقراضات الجماعية على كوكب الأرض؟

ما هو ثقب الأوزون؟

ثقب الأوزون هو منطقة ذات تركيز منخفض من غاز الأوزون فوق القطب الجنوبي، وقد تشكل بفعل المركبات الناتجة عن الأنشطة البشرية؛ حيث وُجد أن بعض المواد الكيميائية التي طُورّت في الستينيات من القرن الماضي والتي تسمى مركبات الكلوروفلوروكربون (Chlorofluorocarbons) واختصاراً (CFCs) وبعض الغازات الأخرى، تفكِّك جزيئات الأوزون وتسبب استنفاده من الغلاف الجوي.

استُخدمت هذه المركبات في العديد من المعدات والصناعات، مثل أجهزة تبريد وتكييف الهواء ومواد التنظيف الصناعية وتصنيع البلاستيك الرغوي (الستايروفوم) وغيرها.

اقرأ أيضاً: حقيقة صادمة: كل من على هذا الكوكب تقريباً يتنفس هواءً غير صحي

إذا كان ثقب الأوزون ناتجاً عن الأنشطة البشرية فلماذا رُصد فوق القطب الجنوبي الخالي من البشر؟

على الرغم من أن انبعاثات مركبات الكلوروفلوروكربون والهالونات (الغازات المحتوية على البروم) التي تستنفد طبقة الأوزون قد حدثت بشكلٍ رئيسي في نصف الكرة الشمالي، ومعظمها عند خطوط العرض المقابلة لأوروبا وروسيا واليابان وأميركا الشمالية، فإن ثقب الأوزون رُصد فوق القارة القطبية الجنوبية، لماذا؟

في الواقع، تحرِّك الرياح الغازات المستنفدة للأوزون في جميع أنحاء الغلاف الجوي بغض النظر عن مكان انبعاثها، حيث تختلط هذه الغازات في غضون عام إلى عامين في جميع أنحاء الغلاف الجوي السفلي، ثم ترتفع إلى طبقة الستراتوسفير بشكلٍ رئيسي عند خطوط العرض المدارية، فتقوم الرياح بتحريكها نحو الشمال والجنوب من المناطق المدارية. يمكن القول إن الهواء يحتوي على كميات متساوية تقريباً من الكلور والبروم في جميع أنحاء الستراتوسفير على مستوى العالم.

لكن، وبسبب الظروف المناخية الخاصة بالقطب الجنوبي، تصبح هذه الغازات أكثر فاعلية في استنفاد الأوزون مقارنة بأي مكان آخر، حيث تؤدي درجات الحرارة المنخفضة جداً في الشتاء مع الرياح القوية والباردة التي تستمر لمدة طويلة، إلى تشكيل سحب جليدية على ارتفاعات عالية (سحب قطبية ستراتوسفيرية) فوق القطب الجنوبي، ما يوفّر ظروفاً مواتية لحدوث تغيرات كيميائية تعزز تحلل مركبات الكلوروفلوروكربون وإطلاق ذرات الكلور والفلور وغيرها من الذرات النشطة كيميائياً، تعمل هذه الذرات على تفكيك جزيئات الأوزون بشكلٍ سريع عندما تعود أشعة الشمس إلى القارة القطبية الجنوبية في فصل الربيع من كل عام.

اقرأ أيضاً: ما دور اليود في تشكّل السحب وما تأثيره على طبقة الأوزون؟

لا توجد ظروف مماثلة فوق القطب الشمالي، فدرجات الحرارة في شتاء القطب الشمالي ليست منخفضة لعدة أسابيع متتالية، ما يؤدي إلى استنفاد أقل للأوزون فوقه. ومع ذلك، قد يحصل ترقق في طبقة الأوزون فوق القطب الشمالي خلال فصل الربيع، وقد تنخفض مستويات الأوزون في بعض الأحيان إلى الحد الذي يمكن وصفها بأنها ثقب للأوزون مثلما حصل في عام 2011.

اقرأ أيضاً: ثقب الأوزون في أصغر حجم له منذ عام 1988، وهذه هي الأسباب

هل من الممكن إغلاق طبقة الأوزون؟

دق ناقوس الخطر في جميع أنحاء العالم عندما اكتشف العلماء في الثمانينيات من القرن الماضي أن ذرات الكلور والفلور تفكك جزيئات الأوزون مؤدية إلى استنفاد طبقة الأوزون، وسارعت حكومات العالم إلى التعاون بطريقة غير مسبوقة؛ حيث وقّعت أكثر من 70 دولة على بروتوكول مونتريال (Montreal Protocol) عام 1987، وهو اتفاق بيئي متعدد الأطراف لحماية طبقة الأوزون عن طريق التخلص التدريجي من المواد الكيميائية التي تستنفدها. وخلال التسعينيات وأوائل القرن الحادي والعشرين، توقف إنتاج واستخدام مركبات الكلوروفلوروكربون، ثم وفي عام 2009، تم التخلص التدريجي من 98% من هذه المواد المتفق عليها في المعاهدة. 

يشار إلى أن مساحة ثقب الأوزون فوق القطب الجنوبي عام 2000 كانت الأكبر على الإطلاق، حيث بلغت نحو 29.8 كيلومتراً مربعاً، وهي مساحة تزيد على مساحة أستراليا بأكثر من 3.5 أضعاف، وفي بعض الأحيان، كان الثقب يتسع ممتداً إلى مناطق مأهولة بالسكان في تشيلي الواقعة في أميركا الجنوبية. أما اليوم، فما زال ثقب الأوزون موجوداً وهو يتشكل كل عام فوق القارة القطبية الجنوبية في الربيع، ويغلق مرة أخرى خلال فصل الصيف. فهل هذا يعني أنه من غير الممكن إغلاقه بشكل تام؟

في الواقع، تشير الأدلة إلى أن الثقب بدأ بالاختفاء والتعافي بشكل أو بآخر، وبناء على تقرير الأمم المتحدة الصادر في 9 يناير/ كانون الثاني عام 2023، فإنه من المتوقع أن تتعافى طبقة الأوزون في غضون 4 عقود. ووفقاً للتقرير، إذا استمرت السياسات البيئية الحالية على حالها، فمن المتوقع أن تعود مستويات الأوزون الى ما كانت عليه قبل عام 1980 بحلول عام 2066 في القطب الجنوبي، وبحلول عام 2045 فوق القطب الشمالي. يُعزى بطء التعافي بسبب العمر الطويل للجزيئات المستنفدة للأوزون، إذ يستمر وجود بعضها في الغلاف الجوي لمدة تتراوح ما بين 50 إلى 150 عاماً قبل أن تتحلل كلياً.

اقرأ أيضاً: خبر سار: طبقة الأوزون في طريقها إلى التعافي بشكل كامل

ختاماً، يمكن القول إنه لو لم يحظر العالم مركبات الكلوروفلوروكربون لوجدنا أنفسنا الآن نقترب من ثقب هائل في الأوزون، وكانت الظروف التي سيفرضها وجود ثقب هائل للأوزون ستغطي الكوكب بأكمله بحلول 2050، ليكون غير صالح للسكن.

المحتوى محمي