طريقة لتخفيف الانبعاثات الكربونية باستخدام البازلت في الأراضي الزراعية

كيف يمكن أن يساعد نثر مسحوق الصخور البركانية في الأراضي الزراعية على عزل الكربون؟
عملية التجوية الصخرية المحسّنة يمكن أن تساعد على عزل الكربون وتعزيز نمو المحاصيل في الوقت نفسه. ديبوزيت فوتوز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

التقاط ثنائي أوكسيد الكربون من الغلاف الجوي وتخزينه، المعروف أيضاً باسم عزل الكربون، هو إحدى الطرق العديدة للتخفيف من تأثيرات التغير المناخي. يُخزّن ثنائي أوكسيد الكربون في التكوينات الجيولوجية تحت الأرضية أو النُظم الحيوية مثل الغابات والتربة والمحيطات بطرق مختلفة. اكتشف العلماء في دراسة جديدة أن نثر غبار البازلت في الأراضي الزراعية يمكن أن يعزل ثنائي أوكسيد الكربون من الغلاف الجوي بفعالية وبكميات هائلة تصل إلى غيغايات الأطنان.

يتسبب تفاعل صخور السيليكات مثل البازلت مع مياه الأمطار ببدء عملية تحمل اسم التجوية الكيميائية، التي تزيل ثنائي أوكسيد الكربون من الغلاف الجوي وتحوّله إلى مواد تُنقل وتُخزّن في المحيط. يمكن تسريع عملية التجوية الطبيعية من خلال سحق صخور السيليكات وتحويلها إلى جسيمات دقيقة ثم نثرها في التربة، ما يؤدي إلى زيادة مساحة السطح المتفاعل مع مياه الأمطار وامتصاص كميات أكبر من ثنائي أوكسيد الكربون. تحمل هذه العملية اسم التجوية الصخرية المحسّنة.

اقرأ أيضاً: علماء الجيولوجيا يحذرون: البشر غير مستعدين للتعامل مع الانفجارات البركانية

التجوية الصخرية المحسّنة

يقول الأستاذ المساعد في قسم علم المحيطات في جامعة تكساس أيه آند إم، شوانغ جانغ: “تخضع هذه الجسيمات لتفاعلات كيميائية مع ثنائي أوكسيد الكربون، وتحوله إلى أيونات البيكربونات أو الكربونات المعدنية المستقرة. تتسبب هذه العملية بعزل الكربون وإزالته بفعالية من الغلاف الجوي لفترة طويلة”.

وفقاً لدراسة نشرت مؤخراً في مجلة إيرثز فيوتشر (Earth’s Future)، يؤدي استخدام 10 أطنان من غبار البازلت لكل 10 آلاف متر مربّع في نحو ألف موقع زراعي في دول مختلفة إلى عزل 64 غيغا طن من ثنائي أوكسيد الكربون على مدى فترة تمتد إلى 75 عاماً. إذا أمكن تطبيق هذه الطريقة في الأراضي الزراعية جميعها في العالم، فقد تساعد على عزل أكثر من 215 غيغا طن من ثنائي أوكسيد الكربون خلال الفترة الزمنية نفسها.

يقول جانغ، الذي شارك في تأليف هذه الدراسة: “تشير الأرقام إلى أن عملية التجوية الصخرية المحسنة تمثّل استراتيجية مقنعة لعزل الكربون على نطاق واسع”. ويضيف قائلاً إن هذه العملية تتمتّع “بالعديد من المزايا الفريدة مقارنة باستراتيجيات التقاط الكربون البديلة مثل التشجير أو طرق التقاط الكربون وتخزينه المعتمدة على الطاقة الحيوية”.

ما الذي يميز التجوية الصخرية المحسنة عن غيرها من تقنيات التقاط الكربون؟

التشجير؛ أي زراعة الأشجار في المناطق غير الحرجية، هو استراتيجية تهدف إلى الحد من الغازات الدفيئة، ولكنها قد لا تكون فعالة في الأنظمة البيئية جميعها. على سبيل المثال، عزل الكربون بالتشجير أقل فعالية من عزله باستخدام الأعشاب في سهول السافانا الاستوائية، كما يمكن أن تكون فعاليته محدودة في الأراضي الجافة.

من ناحية أخرى، فإن فعالية طرق التقاط الكربون وتخزينه المعتمدة على الطاقة الحيوية، التي تُستخرج ضمنها الطاقة الحيوية من الكتلة الحيوية وتُخزّن انبعاثات ثنائي أوكسيد الكربون الناجمة عن هذه الكتلة في التكوينات الجيولوجية تحت الأرضية لمنع إطلاقها في الجو، قد تنخفض في نهاية المطاف بسبب تأثيرات التغير المناخي في غلّات المحاصيل والمواد الأولية التي تتألف منها الكتلة الحيوية.

يقول جانغ إن عملية التجوية الصخرية المحسنة ملائمة للأراضي الزراعية ويمكن تطبيقها على نطاق واسع بسهولة من خلال استخدام البنى التحتية الزراعية الموجودة مسبّقاً، وذلك مقارنة بالآليات الأخرى. تتمتّع هذه العملية أيضاً بفوائد بيئية إضافية. وفقاً لجانغ، يمكن أن تخفض التجوية الصخرية المحسنة البصمة الكربونية لعملية إنتاج الأسمدة وتحد من انبعاثات أوكسيد النيتروز من التربة، كما يمكن أن تحافظ على درجة حموضة ملائمة في التربة وتعزز امتصاص المغذيات، ما يؤدي إلى زيادة غلات المحاصيل.

اقرأ أيضاً: هل تكفي قراءة عشرات الكتب الورقية لتعويض البصمة الكربونية للقارئ الإلكتروني؟

عوائق تطبيق هذه الطريقة

يقول جانغ: “تتيح لنا هذه القدرة المزدوجة على تحسين صحة التربة والتقاط الكربون في الوقت نفسه فرصاً فريدة لتحديث القطاع الزراعي في الدول النامية اقتصادياً، ما سيؤدي إلى تعزيز إمكانات التجوية الصخرية المحسنة التي قد تُحدث نقلة نوعية”. مع ذلك، هناك بعض العوائق التي تعطّل التطبيق الواسع النطاق لهذه العملية.

يقول جانغ إن أطر العمل المتطلبة لمراقبة أنشطة عزل الكربون والإبلاغ عنها والتحقق منها غير متوافرة. على سبيل المثال، “لم يُدرس كل من تأثير المنتجات الثانوية لعملية التجوية الصخرية المحسنة في أنظمة الأنهار وتسرّب الكربون المرتبط بهذه العملية بدقة، وهي مشكلة تجب معالجتها لتعزيز الحوافز المالية المتعلّقة بإجراء هذه العملية”، بحسب تعبيره.

يمكن أن يؤدي الاستخدام الخاطئ للبازلت المسحوق في أثناء نثره في الأراضي إلى انبعاث المواد الجسيميّة المحمولة جواً، ما قد يخفض جودة الهواء المحلي. من المحتمل أيضاً أن تتراكم المغذيات في الأنظمة المائية بسبب تدفق المعادن الناجمة عن عملية التجوية المتأثرة بالعوامل الجوية في اتجاه المجاري المائية، ما قد يؤدي إلى تفاقم المشكلات مثل فرط المغذّيات. بالإضافة إلى ذلك، يقول جانغ إن البلدان النامية تفتقر غالباً إلى البنى التحتية اللازمة لمعالجة البازلت واستخدامه على نطاق واسع. حل هذه المشكلات قبل تطبيق عملية التجوية الصخرية المحسنة على نطاق أوسع هو أمر بالغ الأهمية.

ويقترح جانغ عدّة طرق لفعل ذلك. من الناحية البحثية العلمية، يستطيع المجتمع العلمي صياغة المعايير التنظيمية المتعلقة بالمراقبة والإبلاغ والتحقق، وتستطيع الوكالات الحكومية ذات الصلة أن تصادق على هذه المعايير. يمكن أن تركّز الجهات الاستثمارية العامة أيضاً على تحديث البنى التحتية وتطوير النظم الزراعية، بينما تستطيع الجهات في القطاع الخاص الاستثمار في تطوير التكنولوجيات التي تعزز فاعلية عملية التجوية الصخرية المحسنة وفعاليتها من حيث التكلفة.

اقرأ أيضاً: تعرف إلى فوائد عملية التجوية وآثارها على مناخ الأرض

عموماً، يبقى استكشاف إمكانات عملية التجوية الصخرية المحسنة جديراً بالاهتمام لأن فعاليتها بصفتها وسيلة لعزل الكربون قد لا تنخفض في ظل التغيرات المناخية المستقبلية. يقول جانغ: “حتى في ظل سيناريوهات الانبعاثات العالية، فإن تأثير الاحتباس الحراري في معدلات إزالة ثنائي أوكسيد الكربون ضئيل جداً؛ إذ إنها قد تزداد بنسبة 2% فقط. يشير ذلك إلى أن التجوية الصخرية المحسنة ستظل استراتيجية فعالة لعزل الكربون حتى مع ارتفاع درجة حرارة الكوكب”.