هل يمكن أن تكون الكوارث الطبيعية مفتعلة؟ ومَن المسؤول عن ضررها الهائل؟

هل يمكن أن تكون الكوارث الطبيعية مفتعلة؟ ومَن المسؤول عن ضررها الهائل؟
حقوق الصورة: بوبيولار ساينس العربية. تصميم: مهدي أفشكو.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

شهدت الدول العربية خلال عام 2023 العديد من الكوارث الطبيعية المأساوية التي سببت خسائر كبيرة في الأرواح ودماراً هائلاً في البنى التحتية واضطرابات اجتماعية واقتصادية، بدءاً من الزلزال الذي ضرب شمال سوريا وجنوب تركيا والمغرب، انتهاءً بالفيضان الذي ضرب ليبيا. وفي كل مرة تحدث فيها كارثة طبيعية في منطقة ما، يتعالى بعض الأصوات هنا أو هناك بأنها حادثة مفتعلة لتحقيق مآرب سياسية أو اقتصادية. هذا ما يدفعنا إلى طرح السؤال التالي: هل يمكن أن تكون الكوارث التي تبدو “طبيعية” من صنع الإنسان؟ والجواب هو نعم، لكن ليس بالطريقة التي تتخيلها. وإليك كيف.

اقرأ أيضاً: أهم المحاصيل الزراعية التي تنمو في التربة الصحراوية

هل يمكن أن تكون الكوارث التي تبدو طبيعية من صنع الإنسان؟

بدايةً، عليك أن تعلم أنه لا يوجد دليل علمي موثوق يدعم فكرة أن الكوارث الطبيعية يمكن أن تكون مفتعلة بواسطة البشر (إلى يومنا هذا على الأقل). تحدث الكوارث الطبيعية في المقام الأول بسبب القوى أو العمليات الطبيعية الواسعة النطاق التي قد تنشأ على سطح الأرض أو داخلها؛ مثل حركات الصفائح التكتونية، والنشاط الجيولوجي، وأنماط الطقس والمناخ.

وعلى الرغم من أن بعض نظريات المؤامرة أو السيناريوهات الخيالية قد يوحي بخلاف ذلك، فإن هذه الادعاءات تفتقر إلى الصحة العلمية ولا تدعمها مجموعة واسعة من الأبحاث العلمية أو ملاحظات الخبراء في المجالات المتعلقة بالكوارث الطبيعية. عموماً، يؤكد الإجماع العلمي بقوة أن الكوارث الطبيعية ليست مفتعلة، بل هي نتيجة قوى طبيعية معقدة والتفاعلات فيما بينها، وينبغي تركيز الجهود على فهم هذه الأحداث والتخفيف منها والاستعداد لها للحد من تأثيرها على الإنسان والبيئة. لكن ومع ذلك، الإنسان ليس بريئاً كما يبدو، فهو يؤثّر في البيئة بطرق عدة قد تسبب زيادة شدة حدوث الكوارث الطبيعية. وإليك معنى هذا الكلام.

اقرأ أيضاً: دراسة جديدة: القارة القطبية الجنوبية ستتأثر أكثر بالتغيّر المناخي في المستقبل

كيف يكون الإنسان سبباً في حدوث الكوارث الطبيعية؟

على الرغم من أن الكوارث الطبيعية نفسها ليست ناجمة بشكلٍ مباشر عن البشر، فإن الأنشطة البشرية قد تسهم على نحو غير مباشر في حدوث بعض هذه الكوارث أو زيادة شدتها. وفيما يلي بعض الأمثلة على ذلك:

تغيّر المناخ

أدّت الأنشطة البشرية وما زالت، مثل حرق الوقود الأحفوري وإزالة الغابات، إلى إطلاق غازات الدفيئة في الغلاف الجوي مسببة حدوث ظاهرة الاحتباس الحراري، حيث يتفق العلماء على أن ارتفاع درجة حرارة الأرض يؤدي إلى موجات حر أشد وأطول مدة، وموجات جفاف أكثر تواتراً، وأعاصير أكثر قوة، بالإضافة إلى تفاقم بعض الكوارث الطبيعية الأخرى مثل الفيضانات وحرائق الغابات. وقد ذكر تقرير للأمم المتحدة أن الكوارث الطبيعية مثل الأعاصير والجفاف والفيضانات التي تحدث في أماكن مختلفة ومتباعدة من العالم أكثر ارتباطاً مما كان يعتقد، وأحد أهم الأسباب الجذرية في ذلك هو انبعاثات غازات الدفيئة التي يسببها الإنسان. 

اقرأ أيضاً: ما هو تغير المناخ الجوفي وكيف يؤثّر في حياتنا؟

سوء استخدام الأراضي والتوسع الحضري

يمكن أن يؤدي سوء التخطيط للتنمية الحضرية وإزالة الغابات وتدمير الأراضي الرطبة الطبيعية والأنشطة الزراعية إلى زيادة خطر الفيضانات والانهيارات الأرضية؛ إذ غالباً ما تسبب هذه الأنشطة تدمير التربة السطحية وتغيير أنظمة الصرف الطبيعية وإزالة الغطاء النباتي الذي يساعد على استقرار التربة. بالإضافة إلى ذلك، فإن بناء المدن وتغطية الأسطح والشوارع جميعها بالمواد الخرسانية يمنع تغلغل المياه في طبقات التربة، ويسبب تجمعها فوق السطح في حال وجود أي خطأ في نظام الصرف أو عند أي حادث يسبب ارتفاع منسوب المياه، ما يؤدي في المحصلة إلى تفاقم مشكلات الفيضانات.

بناء السدود

يمكن أن يؤدي انهيار السدود أو ارتفاع منسوب المياه في أثناء هطول الأمطار الغزيرة إلى فيضانات كارثية. بالإضافة إلى ذلك، قد يسهم وزن المياه المتجمعة خلف السدود الكبيرة في تغيير الضغط الواقع على الصدوع الجيولوجية في المنطقة المحيطة، بالإضافة إلى أن الماء نفسه قد يتغلغل في باطن الأرض مالئاً الشقوق الموجودة في الصخور الأرضية ومحدِثاً شقوقاً جديدة، ما يسبب قدراً أكبر من عدم الاستقرار تحت الأرض.

تسبب هذه العوامل في بعض الحالات إطلاق الضغط على شكل أحداث زلزالية صغيرة والتي يشار إليها بالزلازل الناجمة عن السدود (Reservoir-induced Seismicity). لكن عادة ما تكون هذه الزلازل منخفضة الشدة، ونادراً ما تشكّل تهديداً كبيراً،  ولا يشعر بها البشر  في معظم الحالات ولا تسبب أضراراً.

بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن لسد بمفرده أن يسبب زلزالاً، بل يجب أن تتواجد معه عوامل خطر أخرى، وخصوصاً خطوط الصدع غير المستقرة. بالتالي ومع توفر الظروف المناسبة، يمكن أن يؤدي السد إلى حدوث الزلزال في وقت أبكر مما كان سيحدث بشكلٍ طبيعي، أو بشدة أعلى.

اقرأ أيضاً: هل يمكن أن تسبب السدود الزلازل؟

استخراج النفط وعمليات التعدين

يمكن لاستخراج النفط والتعدين أن يضعف القشرة الأرضية؛ إذ تنطوي عملية التكسير الهيدروليكي المستخدمة في هذه الأنشطة على حقن سوائل عالية الضغط في التكوينات الصخرية تحت الأرض لتكسيرها وتحرير المواد المحتجزة داخلها، ما يؤدي إلى حدوث زلازل صغيرة بسبب تغيرات الضغط والإجهاد داخل القشرة الأرضية، كما قد تسبب حدوث انهيارات أرضية. لكن ومرة أخرى يقتضي التنويه بأن هذه الزلازل غالباً ما تكون ضعيفة الشدة نسبياً مقارنة بالزلازل المرتبطة بحركة الصفائح التكتونية الطبيعية، تلك التي تكون مدفوعة بحركة القشرة الأرضية على طول الصدوع الجيولوجية.

اقرأ أيضاً: الموجات الزلزالية تكشف أسرار أعماق الأرض

ما الذي يجعل الكارثة الطبيعية مدمرة: طبيعتها أمْ شيء آخر؟

لو فرضنا أن زلزالاً حدث في القارة القطبية الجنوبية فهل سيكون مدمراً مثلما سيكون لو حدث في منطقة حضرية فقيرة في دولة نامية؟ في الواقع، تنجم النتائج الكارثية للأعاصير والزلازل والفيضانات عن مزيج من القوى الطبيعية والضعف الاجتماعي والبشري، فالضعف والفقر والتشرد والافتقار إلى البنى التحتية يعرّض البشر لخطر أكبر بكثير من الخطر الذي يسببه بعض الكوارث الطبيعية بمفردها.

إذاً، وعلى الرغم من أن تغيّر المناخ والأنشطة البشرية تفاقم احتمالية حدوث بعض الظواهر الجوية المتطرفة، ولا بُدّ من التخطيط الجيد للتخفيف منها وإدارتها والتعامل معها، لكننا بحاجة إلى النظر بعناية في روايات تغيّر المناخ وكيفية استخدامها، لأن كيفية تأطير هذه القصص أمر بالغ الأهمية إذا أردنا الوصول إلى الحلول التي تخفف من تأثيرها. إذاً، ربما لا يقدر الإنسان فعلاً وعمداً على افتعال زلزال أو فيضان، لكن نتائج هذه الظواهر الطبيعية قد تكون كارثية ومفتعلة بالإهمال وسوء التخطيط والاستعداد. ينبغي البحث عن سبب الكارثة الحقيقي قبل أن نلوم الطبيعة.