لماذا ينام الإنسان عدد ساعات أقل من الرئيسيات الأخرى؟

4 دقائق
لماذا ينام الإنسان عدد ساعات أقل من الرئيسيات الأخرى؟

انتشرت فكرة أنّ الإنسان يقضي ثُلث عمره نائماً، فإذا افترضنا أنّ هناك شخصاً يبلغ من العمر 75 عاماً، هذا يعني أنه قضى 25 عاماً منها في السرير نائماً أو يحاول النوم. وهذا بسبب احتياج أجسامنا لدورات النوم، خاصة مرحلة النوم العميق التي يتبدد فيها التعب ويستعيد فيها الجسم حيويته من جديد. واتضح أيضاً أنّ النوم يعيد لأجسامنا نشاطها ويعزز المناعة والذاكرة وغيرهما من وظائف الجسم المختلفة. 

لكن هذا الأمر لم يُعجب الكثير ممن رأوا أنّ 8 ساعات للنوم مضيعة للوقت، منهم: مارجريت تاتشر، رئيسة وزراء بريطانيا السابقة التي كانت تنام عدد ساعات أقل، وسلفادور دالي، وهو رسام أسباني كان يزعم أنه ينام 3 أو 4 ساعات فقط ويحصل على قيلولة صباحاً وغيرهما. لقد حاول هذان تحدي طبيعة الجسم بشري، واستجابت لهما أجسامهما، لكن تُرى ماذا إذا عرفا أنّ عدد ساعات نوم الإنسان أقل من الرئيسيات الأخرى؟ 

عدد ساعات نوم الإنسان والرئيسيات الأخرى 

يختلف عدد ساعات نوم الإنسان عن الرئيسيات الأخرى، ويُعتقد أنّ الإنسان أقل حظاً في النوم، كما يلي:

الكائن عدد ساعات النوم
الإنسان  7
ليمور أسود ذو العينين الزرقاوين 8.84
المكاك طويل الذيل 9
إنسان الغاب البورني 9.11
الشمبانزي 9.67
قرد السنجاب 9.72
رباح غينيا 10.07
ليمور حلقي الذيل 11.05
ليمور نمسي  11.9
طمارين قطني الرأس

ليمور فأري رمادي

13.18

15.36

قرد الليل ذو الخطوط الثلاثة  16.97

من ذلك يتضح مدى اختلاف أنواع الرئيسيات عن بعضها في عدد ساعات النوم، كما نجد أنّ الإنسان الأقل في عدد ساعات النوم مقارنة بالرئيسيات الأخرى، وهذا أثار حيرة العلماء والباحثين، وأُجريت العديد من الدراسات والأبحاث لمعرفة الأسباب المحتملة وراء ذلك. 

هل ينام البشر 7 ساعات حقاً؟ 

لمعرفة عدد ساعات النوم التي ينامها البشر حقاً، كان على الباحثين العودة إلى التاريخ التطوري، لكن مع التقدم الصناعي الموجود الآن، لم يكن الأمر سهلاً، ما جعلهم يدرسون المجتمعات غير الصناعية المعاصرة التي يعيش فيها البشر. وهذا ما فعلته مجموعة بحثية بقيادة الدكتور "جيروم سيجل"، فقد تتبعوا أنماط نوم البشر في 3 مناطق غير صناعية، في محاولة لفهم طبيعة الإنسان البدائي قبل عصر الصناعة. 

اقرأ أيضاً: دراسة حديثة: أسدل الستائر وأطفئ الأضواء في غرفة النوم من أجل صحة أفضل

كانت هذه المناطق لقبائل تعيش حياة بدائية، وهي: هادزا في تنزانيا وتسيماني في بوليفيا وسان في ناميبيا. اتضح أن أفراد هذه القبائل ينامون عدد ساعات متوسطها بين 5.7 و7.1 ساعة فقط، ويبدؤون النوم في المتوسط بعد غروب الشمس بـ 3.3 ساعة. ونُشرت الدراسة في أكتوبر/تشرين الأول 2015 في دورية "كارنت بيولوجي" (Current Biology).  ويعزو مؤلفو الدراسة هذا النقصان في عدد ساعات النوم مقارنة لما هو مألوف (8 ساعات نوم) إلى تقدم البشر خلال السنوات الأخيرة وظهور بعض الابتكارات مثل: المصباح الكهربائي والتلفاز، إضافة إلى زيادة استخدام الكافيين.

من هذه الدراسة يتضح أنّ عدد ساعات نوم الإنسان حسب النهج التطوري أصبحت 7 ساعات فقط كحد أقصى، لكن عدد الساعات هذا قليل مقارنة بالرئيسيات الأخرى. 

لماذا يقل عدد ساعات نوم عن الرئيسيات الأخرى؟ 

إجابة هذا السؤال تحتاج إلى سرد لحكاية الإنسان منذ ملايين السنين، وتبدأ القصة فوق الشجرة التي اتخذتها الرئيسيات مأوى بعيداً عن الحيوانات المفترسة. 

من الشجرة إلى الأرض 

كان أسلاف الإنسان من الرئيسيات ينامون فوق الأشجار، وهناك بعض الأنواع من الرئيسيات مثل: الشمبانزي والقردة العليا الأخرى تنام هناك حتى الآن، بينما تنام بعض الأنواع الأخرى مثل الغوريلا على الأرض. وتُشير بعض الدلائل إلى انتقال أسلاف البشر من الأشجار للنوم على الأرض، تاركين الأشجار بما توفره من الأمان بعيداً عن الحيوانات المفترسة، مثل الأسود. 

اقرأ أيضاً: الحمض النووي القديم يحل بعض ألغاز حياة البشر الأوائل في إفريقيا

تطور نوم الإنسان على الأرض منذ ملايين السنين، وقد  نشر الدكتور "ديفيد سامسون" مراجعة في 13 يوليو/تموز 2021 في دورية "آنيوال ريفيو أوف أنثروبولوجي" (Annual Review of Anthropology)، تحدث فيها عن فرضية النوم الاجتماعي، والتي تُفسر السبب وراء ترك بعض الرئيسيات للشجر والنوم على الأرض، وأرجع ذلك إلى أنّ هذه الكائنات كانت قد وجدت بعض الأمان على الأرض، وكانت تعيش مجتمعة، بحيث تستطيع حماية بعضها إذا هاجمها حيوان مفترس، وربما تشاركت هذه الكائنات الملاجئ، أو كان ينام بعضها ويظل البعض الآخر يراقب. 

ضغط عدد ساعات النوم 

من المنطقي أن يكون تهديد الحيوانات المفترسة أحد العوامل المؤدية إلى تقليل عدد ساعات نوم البشر مقارنة بالرئيسيات التي تعيش فوق الأشجار، وفي هذا الصدد، نُشرت دراسة عام 2008 في دورية "ويلي أونلاين ليبرري" (Wiley Online Library)، أجرتها "إيزابيلا كابيليني" وزملاؤها، وجدت أنّ الثدييات المعرضة لخطر أكبر للافتراس تميل للنوم عدد ساعات أقل.

توجد مرحلتان مهمتان أثناء النوم، وهما: نوم حركة العين السريعة (REM) ونوم حركة العين غير السريعة (Non-REM)، وهناك دراسة أجراها الدكتور "ديفيد سامسون" ونُشرت في فبراير/شباط 2018 في دورية "ويلي أونلاين ليبرري" (Wiley Online Library)، لاحظ أنّ البشر أكثر مرونة في ساعات النوم، ويقضون في مرحلة نوم حركة العين السريعة فترةً أقصر من فترة النوم الإجمالية، وذلك عبر تقليل نوم حركة العين غير السريعة. 

على سبيل المثال، قبيلة تسيماني، وهي واحدة من القبائل الأمازونية التي تعيش في أطراف الغابات المطيرة، يقضي أفرادها اليوم في أداء المهام المختلفة، وفي الليل يشعلون النار للطهي، ويتشاركون الطعام، ثم يبقون بجوار النار وينتقل الأطفال مع أمهاتهم إلى النوم، بينما يتسامر البقية ويرون القصص، ربما لهذا السبب استطاع البشر القدامى تبديل ساعات من النوم بالمشاركة في القصص والروايات وتبادل الثقافات، فقد كان لديهم أشياء كثيرة ليتحدثوا عنها، وبالنتيجة تم ضغط عدد ساعات نومهم بمرور الوقت، ما يفسر لماذا ينام أهل القبائل البدائية البعيدة عن المناطق الحضرية لعدد ساعات أقل. 

جدل حول عدد ساعات النوم 

عادةً ما يمضي الإنسان عدد ساعات في السرير أكبر من عدد الساعات الفعلية التي نامها، ووفقاً لدراسة أجراها الدكتور سامسون وزملاؤه عام 2017 وشارك فيها 37 مشاركاً ممن كانت عدد ساعات نومهم الفعلية 6.25 ساعة، حيث صرح 35 منهم بأنّ ساعات النوم هذه كافية، لكنهم استيقظوا كثيراً أثناء النوم، وللحصول على 6.25 ساعات نوم، احتاجوا إلى ما يزيد عن 9 ساعات بقاء في السرير للحصول على عدد الساعات هذه. 

اقرأ أيضاً: النوم 5 ساعات أو أقل يزيد من خطر وفاة كبار السن

بينما وجدت دراسة أخرى أُجريت في 2016 على نحو 500 شخصاً من عرقيات مختلفة ة في شيكاغو، وجود اختلافات في جودة النوم حقاً بين العرقيات المختلفة، وأُجرى استطلاع في 2020 بعد جائحة كورونا لمقارنة جودة النوم قبل وبعد الوباء، قال 87% من الأفراد البالغين بالولايات المتحدة الأميركية إنهم لم يشعروا بالراحة في يوم واحد من الأسبوع. لكن هذا قد يكون له علاقة بالتوتر والاضطرابات اليومية، أو بسبب عدم التوفيق بين كيف تطورنا وكيف نعيش الآن. 

وهناك بعض الجدل حول عدد ساعات نوم الحيوانات، فلا يجب الاعتماد على أنّ عدد الساعات التي تنامها الحيوانات في المختبر هي نفسها عدد ساعات نومها في بيئتها الطبيعية، فقد ينام الحيوان بسبب الملل، والدليل على ذلك هو الدراسة التي أجراها الدكتور "نيلز راتينبورغ" وزملاؤه عام 2008، فقد وجدوا أنّ حيوان الكسلان البري ينام 9.5 ساعة، بينما ينام في المختبر 16 ساعة، لأنه أسير. وهذا يعني أنّ نوم الإنسان القصير قد لا يكون استثنائيّاً. 

المحتوى محمي