يتنافس رواد الفضاء حول من يصل إلى كوكب ما أولاً ومن يقضي أطول فترة في الفضاء، فلطالما كان استكشاف الفضاء هو أكثر من مجرد رؤية ما وراء الأفق فهو يساعدنا أيضاً في فهم المزيد عن كوكبنا ونظامنا الشمسي وكوننا والطريقة التي تتبدل فيها أجسامنا مع العوامل المختلفة.
ولا يمكن إنكار الحماس والفضول الذي يغمرنا عند التحدث عن الأرقام الجديدة التي يحققها رواد الفضاء. وبالحديث عنها، هل تعلم ما أطول مدة زمنية قضاها الرائد "فاليري بولياكوف" في الفضاء؟
ما أطول مدة زمنية لبقاء الإنسان في الفضاء؟
انطلق "فاليري بولياكوف"، وهو طبيب متخصص بعلوم الفضاء، إلى محطة الفضاء الروسية في الثامن من يناير/ كانون الثاني من عام 1994، ليعود إلى الأرض بعد 437 يوماً و17 ساعة و38 دقيقة في الثاني والعشرين من مارس/ آذار من عام 1995، ليحقق بذلك الرقم القياسي لبقاء إنسان أطول مدة مستمرة في الفضاء، وليكون بولياكوف قد حقق أرقاماً مثيرة أيضاً، فهو بذلك دار 7075 مرة حول كوكب الأرض وسافر 187 مليون ميل، وكان هدفه من هذه المهمة التطوع لإثبات أن جسم الإنسان قادر على تحمل جاذبية الفضاء الصغرى لفترة كافية حتى الوصول إلى المريخ.
اقترب رائد فضاء ناسا "مارك فاندي هاي" من الرقم القياسي الخاص ببولياكوف حيث حقق رقماً قياسياً قريباً إلى حد ما، فهو أكمل 355 يوماً و8 ساعات و42 دقيقة في الفضاء في تاريخ 31 مارس/آذار من عام 2022، ليكون أول شخص أميركي يمضي هذه الفترة في الفضاء.
ما العقبات التي يواجهها رواد الفضاء الذين يقضون فترات طويلة في الفضاء؟
إننا لا ندعو كوكب الأرض بـ "كوكب الحياة" عن عبث، إذ يملك هذا الكوكب جميع المقومات اللازمة لحماية الحياة واستدامتها، في الوقت الذي يفتقر فيه الفضاء إلى ذلك، حيث يواجه رواد الفضاء العديد من التحديات مع وجود كميات أكبر من الإشعاع الكوني. فإن كنت قد حلمت يوماً بالذهاب إلى الفضاء، فربما ستغيّر رأيك بعد معرفة نوع التأثيرات التي تختبرها أجسامنا هناك.
اقرأ أيضاً: هكذا يتم إنقاذ رواد الفضاء عند التعرض لأذى على سطح القمر
المتلازمة العصبية العينية
على الأرض، يقاوم الجسم الجاذبية باستمرار لضخ السوائل بعكسها أي من الأسفل إلى الأعلى، وعندما تخرج الجاذبية من المعادلة كما يحدث في الفضاء، تتجمع السوائل في كلٍ من الوجه والجمجمة ولا تتركز في الطرفين السفليين كما يحدث على الأرض، ويُعرف هذا بالمتلازمة العصبية العينية المرتبطة برحلة الفضاء.
حيث ينتفخ الوجه ويزداد التوتر داخل القحف، وعادةً لا يشكل انتفاخ الوجه مشكلة كبيرة إذ يتحلل انتفاخه خلال الأسابيع القليلة الأولى عندما يتأقلم الجسم مع الجاذبية الصغرى للفضاء، ولكن يبقى ضغط السائل الدماغي الشوكي الذي يحيط بالدماغ مرتفعاً، كما تتضخم الأغشية المخاطية للأنف أيضاً، لهذا السبب غالباً ما يعاني رواد الفضاء من احتقان أنف مستمر.
ازدياد مخاطر الإشعاع
على الأرض، نحن محميون من الإشعاع الكوني بواسطة الغلاف الجوي وطبقة الأوزون والتي تعتبر الدرع المغناطيسية للأرض، أما في الفضاء الخارجي بغياب الدرع الحامية، يكون الإشعاع أكثر كثافة وله تأثيرات كبيرة على جسم الإنسان أهمها إتلاف الخلايا وزيادة خطر تطوير أنواع مختلفة من التنشؤات الخبيثة والسرطان، وكلما كانت مدة البقاء في الفضاء أطول ازدادت هذه المخاطر.
اقرأ أيضاً: في الفضاء الخارجي: 5 مخاطر صحية يتعرض لها رواد الفضاء
حدوث ضعف في العضلات والعظام
يُضعِف البقاء في الفضاء لفترات طويلة العضلات والعظام وخاصةً عضلات الساقين وأسفل الظهر، فعندما تكون على الأرض أنت تستخدم عضلات الجزء السفلي من جسمك بشكل متواصل للقيام بأبسط المهام، أما في الفضاء حيث تكون الجاذبية ضعيفة، يمكنك التحرك بحرية دون الحاجة لاستخدام عضلات الساقين، لهذا السبب تضعف العضلات ويزداد ارتشاف الكتلة العظمية إذا بقيت في الفضاء لفترة طويلة.
اقرأ أيضاً: ما هو تأثير العيش في الفضاء على عظام رواد الفضاء؟
اضطراب توازن البكتيريا المتعايشة داخل وخارج الجسم
تحافظ الميكروبات النافعة على العديد من جوانب صحتنا من الهضم الجيد واستقرار المزاج إلى صحة الجلد، فلا يمكن إهمال آليات التكيف المعقدة للبكتيريا والفطريات والأوليات والفيروسات التي تعيش داخلنا وعلى سطح جلدنا.
يتغير توازن هؤلاء المساعدين الصغار في الفضاء، حيث يتناقص التنوع الميكروبي في الأمعاء وعلى سطح الجلد والذي بدوره يزيد من حدوث الطفح الجلدي ونوبات فرط الحساسية. ومن جهة أخرى يزيد الإشعاع الكوني من تحور البكتيريا المتعايشة داخل وخارج الجسم والذي بدوره يعبث بوظيفتها والدور الطبيعي لها.
اقرأ أيضاً: كيف تؤثر الأشعة الكونية على أجسام الإناث في الفضاء؟
ختاماً، تُخفى علينا جوانب مهام رائد الفضاء ولا نفكر عندما يُقال لنا إن فلاناً رائدُ فضاءٍ إلا بكم عمله بطولي ومثير للحماس. ولكن أصبحنا نعلم الآن العقبات والتحديات التي تحملها هذه المهمة والتي يواجهها هؤلاء الرواد. والآن، إذا سمعت طفلك يجيب عن سؤال "ماذا تريد أن تصبح في المستقبل" برائد فضاء هل ستشجعه بعد معرفة هذه التحديات؟