قد يبدو انحصار المرء في الفضاء كسيناريو من صنع منتجي أفلام الخيال العلمي الدرامية؛ ولكن الواقع أقل درامية من ذلك. يتضمن السفر في الفضاء التحضير الصارم وفِرق الدعم التي تضم الكثير من الموظفين ووضع خطط احتياطية لكل سيناريو يمكن تخيّله.
هذا التخطيط المكثّف هو السبب الذي يجعل تسرب المادة المبرّدة الذي حدث في مركبة سويوز الروسية مؤخراً أقل سوءاً مما بدا عليه.
تخطيط مسبق مكثف لرحلات الفضاء
في شهر ديسمبر/ كانون الأول 2022، تسبب نيزك بالغ الصغر في إتلاف مركبة سويوز إم إس-22 الفضائية الراسية في محطة الفضاء الدولية؛ ما أثر في أنظمة التبريد الخاصة بهذه المركبة والتي تحافظ على درجة حرارة آمنة بالنسبة إلى رواد الفضاء في أثناء عودتهم إلى الأرض. قدّر المهندسون أن هذه المركبة ليست في حالة تسمح لها بالعودة إلى الأرض إلا في الحالات الاضطرارية، وعلق الفريق الذي حملته هذه المركبة إلى محطة الفضاء الدولية في المحطة.
مع ذلك، تُعتبر محطة الفضاء الدولية أكثر مكان آمن في الفضاء. ويقول رائد الفضاء السابق من وكالة ناسا، مايك ماسيمينو (Mike Massimino) الذي حملته محطة الفضاء الدولية في عاميّ 2002 و2009 تجاه تلسكوب هابل الفضائي لإجراء الإصلاحات: "تُعتبر محطة الفضاء الدولية ملاذاً آمناً بالنسبة إلينا"، ويضيف: "إذا علقت في هذه المحطة، يمكنك البقاء هناك لفترة من الوقت حتى يأتي شخص ما لينقلك إلى الأرض".
اقرأ أيضاً: ما أبرز المحطات في استكشاف الفضاء عام 2023؟
محطة الفضاء الدولية: الملاذ الآمن في الفضاء
تبلغ مساحة محطة الفضاء الدولية مساحة ملعب كرة القدم الأميركية تقريباً، وهي تتألف من نحو 40 وحدة مختلفة من الألواح الشمسية ومنافذ الإرساء إلى المناطق المضغوطة الصالحة للعيش. بدأت عملية بناء هذه المحطة المدارية العملاقة في عام 1998، ولم تخلُ من رواد الفضاء منذ مطلع القرن الجاري.
لا يُعتبر تصميم هذه المحطة التركيبي خياراً تجميعياً؛ ولكن كان اعتماده قراراً تصميماً واعياً. في حالات الطوارئ مثل الحرائق وانخفاض الضغط وانتشار الغازات السامة، يستطيع الفريق في محطة الفضاء الدولية الخروج من الوحدات المتضررة وإغلاقها في أثناء عزل التسربات أو حل المشكلات الأخرى . ووفقاً لماسيمينو، حتى لو وقعت مشكلة ما على متن محطة الفضاء الدولية خلال الفترة التي علق فيها طاقم مركبة سويوز إم إس-22، "فمن المرجح أن يتمكن رواد الفضاء من عزل "المشكلة" حتى يجدوا طريقة لإعادة الطاقم إلى الأرض".
اقرأ أيضاً: لماذا ترسل ناسا معدات كاشفة عن الغبار إلى محطة الفضاء الدولية؟
تدريب الطاقم على الطوارئ
يخضع رواد الفضاء إلى تدريبات للتعامل مع المواقف الخطرة؛ إذ إنهم يحضّرون أنفسهم على الأرض قبل إجراء الرحلات وفي محطة الفضاء الدولية أيضاً. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يكون رواد الفضاء الأميركيون على دراية بآلية عمل التكنولوجيا الروسية المستخدمة على متن المحطة (والعكس صحيح أيضاً)؛ كما عليهم أن يتعلموا التحدث باللغة الروسية حتى يتمكنوا من العمل بكفاءة مع رواد الفضاء الروس.
مع ذلك، من بين حالات الطوارئ العديدة والمختلفة التي يستعد رواد الفضاء للتعامل معها، لا يُعتبر تلف كبسولات العودة رائجاً. تركّز فِرق المهمات الفضائية بشكل أكبر على ضمان أمان محطة الفضاء الدولية وصلاحيتها للسكن، ولا تهتم بالقدر نفسه بوسائل النقل بين المحطة والأرض. ويقول الممثل الإعلامي لوكالة ناسا، جوشوا فينش (Joshua Finch): "يتم استخدام المركبات الفضائية نفسها التي يسافر على متنها رواد الفضاء إلى المحطة الفضائية لإعادة رواد الفضاء إلى الأرض".
قارب نجاة في الحالات الخطيرة
في الفترة بين أواخر تسعينيات القرن الماضي وبداية القرن الجاري، أخذت وكالة ناسا بعين الاعتبار تصميم "قارب نجاة" مخصص لمحطة الفضاء الدولية يحمل اسم إكس-38. كان من المخطط أن يكون هذا القارب عبارة عن طائرة انزلاقية تشبه محطة الفضاء الدولية ويتم استخدامها لإعادة رواد الفضاء إلى الأرض في حالات الطوارئ. وعلى الرغم من أنه تم اختبار النماذج الأولية بنجاح، فقد تم إلغاء المشروع في عام 2002 بسبب محدودية الميزانية. بدلاً من ذلك، اعتاد رواد الفضاء استخدام المحطة نفسها في حالات الطوارئ.
يتذكر ماسيمينو قائلاً: "عند إجراء الرحلات المكوكية بعد حادثة مكوك الفضاء الكولومبي، كان من المحتمل ألا يتمكّن رواد الفضاء من العودة إلى الأرض بسبب المشكلات في مركبات العودة"، ويضيف: "لكن لم نشعر بالقلق نتيجة لذلك لأنه إذا فحصنا المركبة وفشلنا في إصلاحها، سنتمكن من البقاء في المحطة ببساطة". نظراً لأن رواد الفضاء عاشوا في محطة الفضاء الدولية لمدة تصل إلى عام واحد في كل مرة، فإن العيش فيها لفترة قصيرة بانتظار رحلة جديدة للعودة إلى الأرض لا يبدو سيئاً.
بدأت فِرق الدعم في المهمات الأميركية والروسية على الفور تنسيق الخطوات الضرورية بعد حدوث التسرّب الأخير سابق الذكر. ووضع العاملون تدريباتهم الصارمة موضع التنفيذ بينما انتظر رواد الفضاء المحتجزون على متن مركبة سويوز. تم وضع الكثير من الخطط، من زيادة سعة كبسولة شركة سبيس إكس (SpaceX) الراسية في المحطة أيضاً إلى إرسال مركبات أخرى من الأرض. ويقول فينش: "يعمل المهندسون من وكالتيّ الفضاء الأميركية والروسية معاً لوضع خطط بهدف إعادة رواد الفضاء بأمان إلى الأرض في حال وقوع مكروه ما"، ويضيف: "حدث ذلك عندما قامت وكالتا ناسا وروسكوسموس بوضع خطة الإعادة الخاصة بطاقم مركبة سويوز إس 68".
اقرأ أيضاً: لماذا لم تتسبب المادة المظلمة في وفاة أي شخص حتى الآن؟
في أوائل شهر يناير/ كانون الثاني 2023، قررت وكالة ناسا ووكالة روسكوسموس الروسية أن الخيار الأفضل هو إبكار موعد إطلاق مركبة سويوز التالية وإرسال كبسولة غير مأهولة لإعادة رواد الفضاء إلى الأرض. تم إطلاق مركبة سويوز إم إس-23 في 20 فبراير/ شباط 2023، في ظل استمرار رواد الفضاء في العمل كالمعتاد والعيش في محطة الفضاء الدولية التي تعتبر الملاذ الوحيد للبشر في الفضاء خارج كوكب الأرض.