العلماء يصممون أدق خريطة لتوزع المادة في الكون حتى الآن

العلماء يصممون أدق خريطة لتوزع المادة في الكون حتى الآن
أصدر العلماء مسحاً جديداً للمادة في الكون تم إجراؤه من خلال تحليل البيانات التي تم جمعها في مسح الطاقة المظلمة وباستخدام تلسكوب القطب الجنوبي. أندرياس بابادوبولوس
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

عندما نشأ الكون قبل نحو 13 مليار سنة، تم قذف المادة التي شكّلت لاحقاً جميع المجرات والنجوم والكواكب كالطلاء المتناثر من فرشاة الرسم.

نشرت مجموعة دولية من أكثر من 150 عالماً وباحثاً أحد أدق القياسات التي أجريت على الإطلاق والتي تبين كيف توزّعت المادة عبر الكون. سيتمكن العلماء باستخدام خرائط توزّع المادة في الكون من محاولة فهم القوى التي أثرت في تطور الكون.

مزج الفريق البيانات التي وفرها كل من مسح الطاقة المظلمة وتلسكوب القطب الجنوبي، واللذان تم استخدامهما لإجراء مسحين كبيرين للكون. تم نشر التحليل في مجلة فيزيكال ريفيو دي (Physical Review D) في 3 مقالات بتاريخ 31 يناير/ كانون الثاني 2023.

النموذج المعياري لوصف الكون ليس مكتملاً

وجد الفريق في هذا التحليل أن المادة في الكون ليست “متكتّلة” كما اعتقد العلماء سابقاً، ما يزيد من الأدلة العلمية التي تشير إلى أن النموذج المعياري الذي يستخدمه العلماء لوصف الكون اليوم ليس مكتملاً.

من خلال تعقّب مسار المادة لمعرفة وجهاتها النهائية، يستطيع العلماء محاولة إعادة إنشاء ما حدث في أثناء الانفجار العظيم ومحاكاة القوى المطلوبة لحدوث هذا الانفجار.

لإنشاء هذه الخريطة، تم تحليل كمية هائلة من البيانات التي تم جمعها في مشروع مسح الطاقة المظلمة وباستخدام تلسكوب القطب الجنوبي. قام العلماء في هذا المشروع بمسح سماء الليل لمدة 6 أعوام من قمة جبل في تشيلي. بينما تم استخدام تلسكوب القطب الجنوبي لمسح الكون بحثاً عن آثار الإشعاعات الباهتة التي تعود للحظات الأولى من تشكل الكون.

Cosmic cartographers release a more accurate map of the universe’s matter
من خلال تراكب خرائط السماء التي أنشأها مسح المادة المظلمة (على اليسار) وتلسكوب القطب الجنوبي (على اليمين)، تمكّن الفريق من إنشاء خريطة تبين توزّع المادة في الكون، وهو إنجاز بالغ الأهمية عندما يتعلق الأمر بفهم القوى التي منحت الكون شكله الحالي. المصدر: يوكي أوموري

توزع المادة في الكون

تمكّن العلماء من استنتاج توزع المادة في الكون، وقدّموا خريطة أكثر دقة للمادة من خلال تحليل مجموعتي البيانات بدقة عالية. قال المؤلفون: “هذه الخريطة أكثر دقة من القياسات السابقة من ناحية أنها تقلل من عدد المواضع المحتملة التي توزعت فيها المادة في الكون”.

قلل المزج بين طريقتين مختلفتين لمسح السماء من احتمال احتواء الخريطة الجديدة على الأخطاء في القياسات، والتي تقلل من دقة النتائج. قال عالم الفيزياء الفلكية في جامعة شيكاغو والمؤلف المشارك للتحليل الجديد، تشيهواي تشانغ (Chihway Chang)، في بيان صحفي: “تؤدي هذه العملية دور التدقيق المتقاطع. لذلك، فهي تولد قياسات أكثر دقة بكثير من تلك التي تنتج عن استخدام طريقة واحدة لمسح السماء”.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن تساعد دراسة المجرات المنعزلة في فهم تاريخ الكون؟

التعديس الثقالي

نظر مؤلفو التحليل في ظاهرة فيزيائية تحمل اسم التعديس الثقالي، والتي تحدث عندما ينحني الضوء الذي يسافر عبر الفضاء عندما يمر بالأجسام الكبيرة مثل المجرات والتي تتمتع بجاذبية كبيرة.

يمكن أن تتأثر المادة العادية والمادة المظلمة بهذه الظاهرة. المادة المظلمة هي شكل غير مرئي للمادة يشكّل معظم كتلة الكون. ولكنها غامضة لدرجة أن العلماء يعرفون أكثر عما هي ليست عليه مما يعرفون عن ماهيتها. لا تصدر هذه المادة الضوء، لذلك فهي لا يمكن أن تشكّل الكواكب أو النجوم، ولكنها لا تتألف من الثقوب السوداء أيضاً.

على الرغم من أن معظم النتائج الجديدة تتوافق بشكل تام مع النظرية المقبولة الأكثر دقة عن نشوء الكون وتطوره، هناك بعض المؤشرات التي تبين أن هذه النظرية غير مكتملة.

قال عالم الفيزياء الفلكية في جامعة هاواي وأحد مؤلفي التحليل، إريك باكستر (Eric Baxter)، في بيان صحفي: “يبدو أن معدل التقلبات في الكون أقل بقليل من المعدل الذي تنبأنا به عند افتراض صحة النموذج الكوني المعياري لوصف الكون المبكّر”.

اقرأ أيضاً: ما الذي تخبرنا به صور تلسكوب هابل عن تقدمنا في دراسة الكون السحيق؟

حتى ولو تبين أن النماذج الفيزيائية الحالية التي تصف المادة ناقصة، يعتقد فريق المؤلفين أن استخدام المعلومات التي تم جمعها من مسحين تلسكوبيين مختلفين سيمثّل استراتيجية واعدة في مستقبل الفيزياء الفلكية.

قال تشانغ: “أعتقد أن هذه الطريقة بيّنت كلاً من التحديات والفوائد المرتبطة بإجراء هذا النوع من التحليلات”، وأضاف: “هناك الكثير من الأمور التي يمكننا فعلها من خلال المزج بين هذه الطرق المختلفة لرصد الكون”.