أتاح انفجار نجمي غامض للعلماء فرصة لفهم مصدر بعض المستعرات الأعظمية الضخمة قصيرة العمر.
ظهور مفاجئ لانفجار إيه تي 2018 كاو
ظهر هذا الانفجار، والمسمى من الناحية الإجرائية «إيه تي 2018 كاو»، والمشار إليه باسم «البقرة»، كمستعر أعظم في يونيو/حزيران من عام 2018. لكنه استمر لفترة أقصر بكثير من المستعرات الأعظمية العادية، وأصدر ضوءاً ملوناً مختلفاً، ما جعله ينطوي تحت ما يسميه علماء الفلك «عابر ضوئي أزرق سريع».
مثل هذه الأحداث عابرة وبالتالي يسهل تفويتها. يقول «ديراج باشام»، عالم الفيزياء الفلكية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وقائد فريق أجرى دراسة جديدة عن المستعر الأعظم نشرت في دورية «نيتشر أسترونومي» بتاريخ 13 ديسمبر/كانون الأول 2021، إن المستعرات الأعظمية النموذجية تتطور خلال شهر أو اثنين وتخبو خلال بضعة أشهر، ولكن هذه الأجرام السماوية العابرة «تظهر لأسبوع واحد» و«تختفي خلال أقل من شهر». يصعب اكتشاف هذه الانفجارات السريعة باستخدام معظم أدوات الاستطلاعات الفلكية، والتي تعيد مسح نفس المنطقة من السماء مرة واحدة شهرياً فقط، لذلك فهي أبطأ من أن تلتقط حدثاً يستمر بضعة أسابيع.
يقول باشام إن التطورات الحديثة في تكنولوجيا التلسكوبات سمحت بإجراء عمليات مسح أسرع بكثير، ما يمكّنها من التقاط صور متعددة لنفس الرقعة من السماء كل ليلة، ويضيف أنه لحسن الحظ، «تم كشف الانفجار العابر في الوقت المناسب».
أدرك علماء الفلك أن هذا الانفجار كان موجوداً بعد أيام قليلة من ظهوره. وجّه الباحثون في جميع أنحاء العالم مختلف أنواع التلسكوبات نحو هذا الانفجار، وفحصوه عبر الترددات المرئية، والأشعة فوق البنفسجية، والأشعة السينية، والأمواج الراديوية وترددات الضوء الأخرى.
يعتبر انفجار البقرة أكثر سطوعاً بـ 100 مرة من الانفجارات النجمية النموذجية، وهو واحد من أسطع المستعرات الأعظمية الغريبة. في انفجارات المستعرات الأعظمية النموذجية، ينفد وقود النجم وينهار على نفسه وينفجر انفجاراً هائلاً. أما الانفجارات العابرة شديدة لدرجة أن العلماء لا يستطيعون تفسيرها من خلال هذه الآليات وحدها.
اقرأ أيضاً: هل ابتلعه ثقب أسود؟ اختفاء نجم عملاق يحير علماء الفلك
فروقات طاقية يجب تفسيرها
يقول باشام: «يجب أن يكون هناك مصدر إضافي للطاقة» لسد الفرق الهائل في السطوع بين هذه المستعرات الأعظمية والمستعرات الأعظمية النموذجية. هناك العديد من الأفكار التي يمكن أن تفسّر مصدر هذه الطاقة.
أحد الاحتمالات، وهو ليس بعيداً عما يحصل في المستعرات الأعظمية النموذجية، هو أن نواة النجم انهارت وشكّلت نجماً نيوترونياً دواراً له حقل مغناطيسي شديد، يسمى «النجم المغناطيسي». قد يكون الدوران السريع لهذا النجم المغناطيسي قد نقل الطاقة إلى الانفجار الضخم الذي رصده علماء الفلك.
بالمثل، يمكن أن تكون نواة النجم قد شكّلت ثقباً أسوداً، ما تسبب في انهيار الطبقات الخارجية للنجم باتجاهه، وهو أمر قد يؤدي أيضاً إلى إصدار الكثير من الطاقة، وبالتالي فهو يفسّر الانفجار الكبير.
طُرحت فرضيات أخرى من قبل أيضاً، مثل حدوث اصطدام بين قزمين أبيضين، أو ثقب أسود يمزّق قزماً أبيضاً بجاذبيته الساحقة. لكن وفقاً لـ «كوزيمو إنسيرا»، عالم الفيزياء الفلكية الذي يدرس المستعرات الأعظمية في جامعة كارديف في المملكة المتحدة (لم يشارك في الدراسة الجديدة)، يبدو أن فريق باشام قد استبعد الأسباب التي لا تتعلق بنجم نيتروني أو ثقب أسود.
يقول إنسيرا: «لم يكتشف العلماء سبباً واضحاً مؤكّداً بعد» يكشف ما حدث، لكن الدراسة الجديدة التي أجريت باستخدام الأشعة السينية كانت مفصّلة للغاية»، واستبعدت العديد من التفسيرات المحتملة. وفقاً لإنسيرا، في الوقت الحاضر، يبدو أن كل تفسير محتمل لانفجار البقرة له عيوبه الخاصة. بالنسبة لتفسير النجم النيوتروني، يقول إنسيرا إن إشارة الأشعة السينية كان يجب أن تتباطأ على مدار 60 يوماً، لكنها لم تفعل ذلك. قد يكون الثقب الأسود مستقراً إلى هذا الحد، لكن لم يُرصد من قبل أي ثقب أسود يتصرف بهذه الطريقة.
اقرأ أيضاً: انظر إلى السماء: إنه انفجار نووي!
أسباب أخرى لهذا الانفجار
يقول إنسيرا إن الانفجار قد يكون نتج عن طاقة جسم مضغوط، أي ثقب أسود أو نجم نيوتروني، بالإضافة إلى عامل آخر غير معروف. على سبيل المثال، يمكن أن يكون النجم محاطاً بغلاف من المادة. بمجرد أن ينفجر النجم، تنتشر بقاياه في هذا الغلاف، منتجة وميضاً أكثر سطوعاً. أو ربما كان النجم المتفجر في مدار مع جسم آخر، ما يزيد من شدة الانفجار.
يقول باشام وزملاؤه إنهم مقتنعون بوجود ثقب أسود أو نجم نيوتروني، وذلك بناءً على قياسات الأشعة السينية التي أجروها باستخدام «مستكشف التركيب الداخلي للنجوم النيوترونية» التابع لوكالة ناسا، وهي أداة موجودة في محطة الفضاء الدولية. يشير باشام أنه حالياً، لا توجد أداة أخرى تجمع البيانات بسرعة كافية لرصد هذا النوع من إشارات الأشعة السينية.
وفقاً لباشام، وفّرت الدراسة الجديدة، إضافة إلى عدة دراسات سبقتها، «أدلة حاسمة تبين أن الجسم المتفجّر هو جسم مضغوط».
تغيّر سطوع الأشعة السينية الخاصة بانفجار البقرة بمرور الوقت (أي ازداد ونقص) في دورة استمرت 4.4 ميللي ثانية. بالنسبة إلى باشام، يبدو هذا كإشارة إلى أن المادة تدور حول ثقب أسود «حديث الولادة»، أو نوع من النجوم النيوترونية يُدعى بالنجم المغناطيسي، وتصدر المادة الأشعة السينية في كل مرة تكمل فيها دورة واحدة.
حالياً، لا يستطيع الفريق البحثي معرفة ما إذا كان الثقب الأسود أو النجم المغناطيسي هو الذي تسبب في الإشعاعات الدورية التي رصدوها. حسب باشام، سيتطلب القيام بذلك «قدراً هائلاً من القدرة الحاسوبية»، وهو ما يسعى إليه الفريق حالياً.
مع التخطيط لإجراء العديد من المسوحات للسماء حالياً، فإن باشام واثق من أن علماء الفلك سيرصدون المزيد من هذه الأجسام، ويقول: «هذه ليست سوى البداية».