ماذا يحدث عندما يصيب سهم نقطة الهدف؟ في لعبة رمي الأسهم التي يلعبها الهواة يتسبب هذا الحدث في إثارة حماس الجميع وينتهي الأمر، ولكن اللاعبين المحترفين سيحللون الرمية الناجحة تحضيراً للرمية التي تليها.
في هذا التشبيه، السهم هو مركبة دارت التابعة لوكالة ناسا (مركبة اختبار إعادة توجيه الكويكب المزدوج، DART)، التي اصطدمت بكويكب ديمورفوس (Dimorphos) في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 بهدف حرف مساره. أكّدت دراستان نشرتا بتاريخ 2 مارس/ آذار 2023 في مجلة نيتشر ما تنبّأ به فريق مهمة دارت من قبل، وهو أن المهمة نجحت بشكل باهر.
مهمة ناجحة: وماذا بعد؟
مع ذلك، لن تكون مهمة دارت آخر مهمة يجريها البشر لدراسة الكويكب ديمورفوس والكويكب الأكبر الذي يدور حوله ديمورفوس، الذي يحمل اسم ديديموس (Didymos).حيث سترسل وكالة الفضاء الأوروبية قريباً مهمة تحمل اسم هيرا (Hera) ترسل فيها مركبة فضائية إلى هذا النظام الكويكبي لدراسة تبعات مهمة دارت بتفصيل أكبر بكثير من الذي تمكن العلماء من تحقيقه باستخدام التلسكوبات الأرضية والمستشعرات على متن مركبة دارت.
من المخطط إطلاق مهمة هيرا في شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2024 من رأس كيب كانافيرال في ولاية فلوريدا الأميركية على متن صاروخ فالكون 9 (Falcon 9) من شركة سبيس إكس (SpaceX). وفقاً لمخطط الرحلة الحالي، ستصل المركبة إلى النظام الكويكبي في أواخر عام 2026 وستقضي فيه قرابة 6 أشهر للاستطلاع. بعد ذلك، ستحاول مركبة هيرا الهبوط على كويكب ديديموس، وهي مسبار فضائي بحجم سيارة مزود بهوائي راديوي كبير وزوج من الألواح الشمسية.
اقرأ أيضاً: ما تأثير نجاح مهمة دارت التابعة لوكالة ناسا على مستقبل الدفاع الكوكبي؟
مهمة هيرا
سيحمل المسبار أيضاً قمرين اصطناعيين مكعبين يحملان اسمَي ميلاني (Milani) وجوفينتاس (Juventas) (الأقمار الاصطناعية المكعبة هي فئة من الأقمار الاصطناعية المصغّرة مكعبة الشكل). سيستخدم العلماء القمر الاصطناعي ميلاني لدراسة البنية الخارجية للنظام الكويكبي، بينما سيستخدمون القمر جوفينتاس لدراسة البنية الداخلية لهذا النظام، وسيتمكن العلماء من الحصول على 3 وجهات نظر مختلفة لموقع تصادم مركبة دارت بكويكب ديمورفوس من خلال استخدام هذه المسابير الثلاثة. يتمثّل الهدف الأساسي للمهمة في تقييم نتائج مهمة دارت والضرر الذي سببه الاصطدام في هذا الكويكب.
تعتبر عملية الاصطدام هذه أحد اختبارات برنامج الحماية الكوكبية، وحصل العلماء على معلومات قيمة حولها من كاميرات مركبة دارت التي تحطّمت في الاصطدام وقمر ليسيا كيوب الاصطناعي (LICIACube) المرافق لمهمة دارت، بالإضافة إلى الأقمار الاصطناعية الأرضية وتلك التي تدور حول الأرض. تمكّن العلماء من رصد مدار كويكب ديمورفوس قبل حدث الاصطدام وبعده، وهم يعلمون أن مركبة دارت نجحت في حرفه من خلال تقريب ديمورفوس من ديديموس وتقصير دوره المداري (زمن الدورة الواحدة)، كما يستطيعون تحديد موقع تصادم المركبة بسطح الكويكب بارتياب لا يتجاوز 120 سنتيمتراً (والارتياب هو نسبة الخطأ في القياس).
اقرأ أيضاً: في خطوة جديدة لحرف مسار الكويكبات التي تشكل تهديداً للأرض: نجاح اصطدام المركبة دارت بكويكب
بحثاً عن معلومات مهمة متعلقة بالكويكب ديمورفوس
لكنهم يجهلون الكثير من المعلومات، وأهمها كتلة كويكب ديمورفوس قبل الاصطدام وبعده؛ لا يستطيع العلماء حساب هذه الكتلة من الأرض، ولكنهم سيتمكنون من ذلك باستخدام أدوات مركبة هيرا، إذ لن يتمكنوا من معرفة السبب الدقيق الذي جعل حدث الاصطدام يدفع كويكب ديمورفوس إلى مداره الجديد دون قياس كتلة هذا الكويكب.
يقول عالم الفلك في مرصد كوت دازور في فرنسا (Côte d’Azur Observatory) والباحث الرئيسي في مهمة هيرا، باتريك ميشيل (Patrick Michel): "نريد قياس كمية الحركة التي انتقلت من مركبة دارت إلى كويكب ديمورفوس بالضبط". (كمية الحركة هي مقدار فيزيائي يساوي الكتلة مضروبة بالسرعة).
يمكن أن تكشف مركبة هيرا أيضاً العلامات التي أحدثها الاصطدام في سطح ديمورفوس. من المحتمل أن تكون مركبة دارت قد تسببت في تشكّل فوهة صدمية أو اهتزاز عنيف للكويكب أدى إلى تغير شكله الخارجي. يقول عالم الفلك في مختبر جونز هوبكنز للفيزياء التطبيقية الذي عمل أيضاً في مهمة دارت، أندي تشينغ (Andy Cheng): "يتساءل العديد من العلماء عن شدّة التغيير الذي أحدثه الاصطدام في سطح الكويكب".
يقول ميشيل إن المشكلة تكمن في أن العلماء لن يتمكنوا من معرفة تأثير الاصطدام في سطح كويكب ديمورفوس إلا إذا أرسلوا مركبة راصدة إليه. يعتمد الشكل الخارجي الحالي للكويكب على طبيعة مواده الداخلية عندما اصطدمت مركبة دارت به. إذا غيّرت المركبة شكل الكويكب بدرجة عالية، فهذا يشير إلى أن المواد الداخلية لم تكن متماسكة بقوة. يقول عالم الفلك في مختبر جونز هوبكنز للفيزياء المتقدمة وأحد أعضاء فريق مهمة دارت، تيرك دالي (Terik Daly)، إنه حالياً، "ليست لدينا أي فكرة عن التركيب الداخلي لكويكب ديمورفوس". سيستخدم العلماء مركبة هيرا والقمر الاصطناعي الراديوي جوفينتاس لتصوير ما تحت سطح كويكب ديمورفوس.
لن تتمكن مركبة هيرا من رصد النظام بأكمله. ركّز العديد من علماء الفلك على دراسة المواد المقذوفة من كويكب ديمورفوس نتيجة اصطدام مركبة دارت به لفهم الطريقة التي أدى الاصطدام فيها إلى حرف مسار الكويكب. ستتبدد معظم هذه المواد المقذوفة بحلول الوقت الذي ستصل فيه مركبة هيرا إلى النظام الكويكبي، بعد 4 سنوات على الأقل من اصطدام مركبة دارت بكويكب ديمورفوس.
اقرأ أيضاً: ما تبعات تأخير مهمة سايكي على جهود وكالة ناسا في دراسة الكويكبات؟
ما هو منشأ المواد المقذوفة من ديمورفوس إلى الفضاء؟
مع ذلك، فإن استخلاص المزيد من المعلومات عن المواد الداخلية لهذا الكويكب سيساعد العلماء على فهم منشأ المواد المقذوفة وما يمكن أن يحدث إذا اضطررنا لصدم مركبة فضائية بكويكب آخر. يقول عالم الفلك في جامعة ولاية بنسلفانيا الذي عمل في فريق دارت، جيان-يانغ لي (Jian-Yang Li): "على سبيل المثال، إذا اضطررنا لاستخدام هذه الطريقة لحرف مسار كويكب ما في المستقبل، يمكننا أن نجري حسابات أدق [بهدف صدمه]".
قد يتغير شكل كويكب ديمورفوس بحلول عام 2026 لأسباب أخرى أيضاً؛ إذ يمكن أن تؤثر جاذبية كويكب ديديموس في شكل ديمورفوس تماماً كما تتسبب القوى المدية في دفع مياه المحيطات وسحبها على الأرض. يعتقد العلماء أنه من المحتمل أن تسبب هذه القوى تأرجح كويكب ديمورفوس حول مداره، ولكن لن يتمكن العلماء من رصد أي من هذه الظواهر حتى تقترب مركبة هيرا من النظام الكويكبي.
مع تقدّم المهمة، قد يتمكن العلماء على الأقل من وضع نقطة بداية تساعدهم على فهم ما يجري على الكويكب، وفقاً لميشيل، يستطيع علماء الفلك إجراء عمليات المحاكاة الحاسوبية لاستنتاج المدارات التي قد يتبعها كويكب ديمورفوس في المستقبل. يقول ميشيل: "لا يمثّل وصول مركبة هيرا إلى النظام الكويكبي بعد سنوات أي مشكلة؛ إذ إننا نستطيع استخدام الأدوات المتوفرة لملاحظة التغيرات التي طرأت عليه".
اقرأ أيضاً: ناسا تنجح باختبار حرف كويكب عن مساره بما يتجاوز جميع التوقعات
حماية الأرض من الاصطدامات المستقبلية
ستساعد البيانات التي جمعتها مركبة دارت وتلك التي سترسلها مركبة هيرا علماء الفلك على فهم الكويكبات بشكل أفضل قبل صدمها بالمركبات الفضائية وبعده. كما أنها ستساعدنا أيضاً على حماية الأرض من الاصطدامات الكويكبية في المستقبل. لطالما شعر البشر بالخوف من تضرر الأرض نتيجة لحدث اصطدام شبيه بذلك الذي تسبب في انقراض الديناصورات. وبعد إجراء مهمة دارت، بدأ التطبيق العملي لعلم الحماية الكوكبية الذي يبحث ضمنه العلماء في الطرق التي يمكن أن تحمي البشر من هذه المخاطر.
ليس من السهل أن نعرف متى سيحتاج البشر إلى حرف كويكب فضائي عن مساره لحماية الأرض، وتُبيّن تقديرات علماء الفلك أنه ليس من المتوقع أن يقترب أي جسم بقطر أكبر من كيلومتر واحد من الأرض خلال القرن التالي. مع ذلك، ووفقاً لميشيل، لم تحدد وكالات الفضاء المسارات الدقيقة لنسبة 60% من الأجسام العائمة في الفضاء التي تبلغ أقطارها 40 متراً على الأقل، وهي كبيرة بما يكفي لتدمير إقليم أو دولة صغيرة.
يقول ميشيل: "نعلم أنه في النهاية، سيصطدم جسم ما [بالأرض] مجدداً، ويجب علينا أن نخطط مسبقاً لهذا الحدث".