هذا هو السيناريو: أكدت الحكومة الأميركية أن علماء الفلك في وكالة ناسا اكتشفوا كويكباً جديداً كلياً يتجه نحو الأرض، وعلى الرغم من أنه سيستغرق 14 عاماً للوصول إلى الأرض، فاحتمال اصطدامه بها مباشرة بتاريخ 12 يوليو/تموز 2038 يساوي 72%. وفقاً للمعلومات المحدودة المتوافرة حالياً، يعتقد الراصدون أن قطر هذا الكويكب قد يتراوح بين 80 و800 متر. في الأحوال جميعها، كويكب بهذا القطر كبير بما يكفي للتسبب في دمار كارثي والكثير من الوفيات. ما يجعل الوضع أسوأ هو أن الخبراء لن يتمكنوا من إجراء تقييمات إضافية بالغة الأهمية خلال الأشهر السبعة المقبلة على الأقل لأن الكويكب سيمر خلف الشمس كما يُرصد من الأرض. ما العمل في هذه الحالة؟
اقرأ أيضاً: كيف يتعامل العلماء مع خطر اصطدام الكويكبات والمذنبات بالأرض؟
ما العمل إذا لم يكن توقع مسار الكويكب قبل مدة كافية ممكناً؟
هذه هي المعضلة الافتراضية التي طرحتها وكالة ناسا والوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ مؤخراً خلال تمرين الدفاع الكوكبي الخامس المشترك بين الوكالات الصغير النطاق والثنائي الحول، الذي أُجري في مختبر جونز هوبكنز للفيزياء التطبيقية في مدينة لوريل في ولاية ماريلاند. على الرغم من اكتمال التمرين في أبريل/نيسان 2024، أصدرت وكالة ناسا ملخصها الأولي في 20 يونيو/حزيران، وهي تخطط لتقديم "تقرير كامل تالٍ للإجراء" في وقت لاحق من عام 2024.
أحداث اصطدام الكويكبات والمذنبات الكارثية بالأرض نادرة ولكنها حتمية. على الرغم من أن إدراك أن اصطدام كويكب جديد بالأرض حتمي هو أمر مثير للقلق، هناك على الأقل جانباً يبعث على التفاؤل عندما يتعلق الأمر بالكويكب الجديد مقارنة بحالات الطوارئ البيئية الكبرى الأخرى.
قال ضابط الدفاع الكوكبي الفخري في وكالة ناسا، ليندلي جونسون، في إعلان الوكالة الصادر بتاريخ 20 يونيو/حزيران 2024: "من المحتمل أن اصطدام كويكب كبير هو الكارثة الطبيعية الوحيدة التي تمتلك البشرية التكنولوجيا اللازمة للتنبؤ بها قبل سنوات واتخاذ الإجراءات اللازمة لمنعها".
في ضوء هذه المعلومة، اجتمع نحو 100 ممثل من الهيئات الحكومية والشركات والمؤسسات الرقابية، مثل وزارة الخارجية الأميركية ومعهد سميثسونيان ووكالة الفضاء الأوروبية وجامعة كامبريدج، على مدى يومين في ولاية ماريلاند في ربيع عام 2024. حدد هؤلاء نقاط القوة والضعف التي تتمتع بها السلطات الدولية الحالية في مواجهة مثل هذه الحالة العالمية الكبيرة من عدم اليقين. مع ذلك، وعلى عكس التدريبات الصغيرة النطاق السابقة على الكوارث الفضائية، امتلك الفريق مورداً جديداً بالغ الأهمية تحت تصرفه، وهو البيانات من مهمة اختبار إعادة توجيه الكويكبات المزدوجة (DART) التي أجرتها وكالة ناسا.
ما الذي يمكن تعلمه من مهمة دارت الكويكبية؟
بعد رحلة بلغت 11.2 مليون كيلومتر، اصطدمت مركبة دارت الفضائية، التي يبلغ حجمها حجم سيارة وكلّفت 325 مليون دولار، عمداً بقمر كويكبيّ صغير يبلغ قطره 160 متراً يسمى "ديمورفوس" (Dimorphos) في أثناء دورانه حول الكويكب الأم الذي يحمل اسم "ديديموس" (Didymos) بتاريخ 26 سبتمبر/أيلول 2022. على الرغم من أن خبراء وكالة ناسا تنبؤوا من قبل أن احتمال نجاح مهمة دارت يساوي 10% فقط، تمكنت المركبة من الاصطدام بالكويكب بسرعة تبلغ نحو 22 ألف كيلومتر في الساعة، ما أدى إلى تشكّل فوهة صدمية كبيرة فيه وإطلاق نحو 907 آلاف كيلوغرام من الحطام إلى الفضاء. على الرغم من أن الخبراء شبهوا هذه العملية "بصدم عربة غولف بالهرم الأكبر"، تمكنت مهمة دارت من تغيير مسار ديمورفوس على نحو دائم، محولة فكرة الخيال العلمي الغريبة هذه إلى حقيقة.
اقرأ أيضاً: 5 رؤى مختلفة قدمتها مهمة «دارت» لعلماء الفلك
بدأ فريق سيناريو الأزمة العمل على تحديد الجهود التعاونية الدولية التي قد تكون فعالة وتلك التي قد لا تفيد في مواجهة حدث اصطدام كويكبي وشيك، وذلك في ضوء الكميات الكبيرة من المعلومات التي جمعتها مهمة دارت. بينما أشار المشاركون إلى أن "الجداول الزمنية لتخطيط المهام الفضائية وإدارة الكوارث وتبادل المعلومات والاتصالات متشابكة بطرق لم يستفد منها الخبراء على النحو الصحيح في البداية"، فإنهم توصلوا إلى مخطط عام لخطة استجابة مثالية قبل موعد الاصطدام الافتراضي في عام 2038.
التخطيط لمهمة حرف الكويكب
قرر أعضاء الفريق التخطيط أولاً لمهمة طيران قريب بقيمة 200-400 مليون دولار بقيادة وكالة ناسا ستُجرى بعد الحصول على المزيد من المعلومات عقب ظهور الكويكب من خلف الشمس مجدداً، كما أنه خطط لتشجيع وكالات الفضاء الدولية على إجراء مهمات مشابهة. ستُطلق مهمة "لقاء هادف" ثانية بتكلفة تتراوح بين 800 مليون دولار ومليار دولار بمجرد جمع بيانات دقيقة واكتشاف مسارات محددة، وستكون هذه المهمة هي مهمة خليفة لمهمة دارت لكنها تشمل مركبة أكبر تهدف إلى حرف الكويكب عن مسار اصطدامه بالأرض.
اقرأ أيضاً: ناسا تنجح باختبار حرف كويكب عن مساره بما يتجاوز جميع التوقعات
بطبيعة الحال، يعترف الخبراء بان هناك الكثير من العقبات التي يجب التغلب عليها في جهود التنسيق الدولية. تتمثل إحدى المشكلات الرئيسية التي ستواجه المهمة في الولايات المتحدة في "أن مجلس الشيوخ الأميركي لن يتخذ على الأرجح أي إجراء حتى يصبح حدث الاصطدام مؤكداً". على نحو مشابه، قد يكون إقناع الحكومات بتمويل هذه المشروعات الهادفة لحماية الأرض من كارثة محتملة صعباً حتى تقديم أدلة مقنعة تبين وجود تهديد وشيك، وهذه عقبة بديهية بالنظر إلى أن عامل الوقت سيكون بالغ الأهمية على الرغم من أن حدث الاصطدام لن يقع إلا بعد 14 عاماً. بالإضافة إلى ذلك، يجب على الخبراء كشف الكثير من المعلومات المزيفة والخاطئة التي ستنتشر لا محالة بين العوام حول هذا الكويكب.
تحديات عديدة تواجه المهمة
أحد العوامل المقيدة الأخرى هو أن مهمات "الاصطدام الحركي" مثل دارت هي الحل المحتمل الوحيد الذي اختُبر بالكامل في الفضاء. شدد الخبراء على أن البحث عن حلول محتملة أخرى وإثبات فعاليتها، مثل تكنولوجيا الشعاع الأيوني، من مصلحة البشرية.
على الرغم من التحديات العديدة، كانت آراء المشاركين في الاستقصاء الذي أجري بعد التمرين إيجابية إلى حد ما. يعتقد نحو 75% من المشاركين أن البشرية جاهزة بما يكفي بالفعل لإجراء مهمات الاستطلاع اللازمة. مع ذلك، يعتقد نحو 50% منهم فقط أن القادة الدوليين مستعدون لتنفيذ مهمات الحماية من حدث الاصطدام بالأرض.
اقرأ أيضاً: كيف ستؤثّر اصطدامات الكويكبات في الرحلات المستقبلية إلى المريخ؟
على أقل تقدير، هناك مشروعات مستقبلية قيد التنفيذ بالفعل تهدف لتعميق فهم العملاء وتعزيز استعداد البشرية لأحداث للاصطدام الفضائية المحتملة. تطور وكالة ناسا حالياً جهاز مسح الأجسام القريبة من الأرض، وهو تلسكوب يعمل بالأشعة تحت الحمراء يهدف إلى التركيز بصورة خاصة على اكتشاف الصخور الفضائية التي يحتمل أن تمثل خطراً وتصنيفها وتوصيفها قبل سنوات من تهديدها للأرض. ستطلق الوكالة هذا الجهاز في يونيو/حزيران 2028، بينما تجري حالياً المزيد من التدريبات الصغيرة النطاق لمواصلة تدريب خبراء الطوارئ حول السبل الأفضل للتعامل مع مثل هذه المواقف المرعبة التي تعد محتملة للأسف.