استخدم فريق من علماء الفلك بيانات من «القمر الصناعي العابر الماسح للكواكب الخارجية» (أو تيس TESS اختصاراً) للعثور على كوكب خارج المجموعة الشمسية قريب جداً من نجمه لدرجة أن سطحه يمكن أن يكون منصهراً. هذا الكوكب «ذو الدور القصير للغاية» له مدار قصير، إذ يدوم عام واحد له 8 ساعات أرضية فقط.
كوكب خارجي دون أرضي
يبلغ قطر هذا الكوكب الخارجي، والمسمى «جي جاي 367 بي» (GJ 367b)، ثلاثة أرباع قطر الأرض، وينتمي إلى فئة الكواكب دون الأرضية النادرة. يصعب رصد الكواكب الخارجية التي يساوي حجمها حجم الأرض أو أصغر، وتعتمد الطرق الأساسية للكشف عن الكواكب الخارجية على قياس مقدار الضوء الذي يحجبه كوكب أثناء وقوعه بين نجمه وأداة الرصد، أو دراسة كيفية تذبذب ضوء النجم أثناء دوران الكوكب حوله. يصعب تطبيق هاتين الطريقتين لكشف الكواكب الأصغر حجماً والأخف وزناً. كوكب جي جاي 367 بي هو واحد من حفنة من الكواكب الصغيرة التي اكتُشفت من قبل.
كما تقول «كريستين لام»، عالمة الفلك المتخصصة في دراسة الكواكب الخارجية في مركز الفضاء الألماني، والمؤلفة الرئيسية للورقة الجديدة التي نُشرت في 3 ديسمبر/كانون الأول الجاري في دورية «العلوم» (Science)، من بين هذه العوالم الصغيرة، «كوكبنا هو الوحيد الذي نعرف بالضبط كتلته ونصف قطره»، وهي قياسات يمكن أن يستخدمها الفريق للتنبّؤ بتركيب باطن الكواكب.
ربما لن يكون ما سيبدو وكأنه وفرة في أعياد ميلاد الكائنات الفضائية على هذا الكوكب مشكلة في الواقع، وذلك لأن درجة حرارة سطحه المواجه للشمس تزيد عن 1426 درجة مئوية، ووفقاً لـ لام، هذه درجة حرارة قريبة من درجة الحرارة التي «يبدأ المعدن في الذوبان» عندها.
وفقاً لـ «ميرسيدس لوبيز-موراليس»، عالمة الفيزياء الفلكية في مركز الفيزياء الفلكية التابع لمرصد جامعة هارفارد ومرصد معهد «سميثسونيان»، والمتخصصة في الكواكب الخارجية (لم تشارك في الدراسة الجديدة)، فإن جي جاي 367 بي هو كوكب فريد من نوعه لم يرَ العلماء مثله من قبل، وتضيف أن الأدلة على وجوده رصينة أيضاً.
اقرأ أيضاً: بحثاً عن علامات الحياة: كواكب خارجية رصدت الأرض
ما هي تقنيات القياس المستخدمة؟
حدد الفريق حجم الكوكب باستخدام تلسكوب تي إي إس إس (تيس TESS)، ثم استخدموا جهازاً على الأرض في «المرصد الأوروبي الجنوبي» يُدعى «هاربس» (High Accuracy Radial Velocity Planet Searcher) لقياس كتلة الكوكب عن طريق قياس تذبذب ضوء نجمه المضيف.
المصدر: منظمة «فيغا» الفلكية/ناندور دينيس وغابريللا بالوغ.
بالنسبة للنجوم والكواكب النموذجية، فإن الأجهزة التي استخدمها العلماء لا تتمتّع بالحساسية الكافية لرصد وقياس خواص كوكب خارجي دون أرضي. ولكن في هذه الحالة، كان العلماء محظوظين، إذ أن النجم المضيف كان قزماً أحمراً ساطعاً وصغيراً بالنسبة للنجوم الأخرى. وفقاً لـ لام، تسمح هذه الميزات للإشارات الآتية من الكوكب أن تبرز وتصبح أكثر وضوحاً.
قدّر الفريق كثافة الكوكب انطلاقاً من نصف قطره وكتلته. لا يستطيع علماء الفلك أن يرصدوا باطن الكوكب بشكل مباشر من الأرض، ولكنهم يستطيعون استخدام نماذج لاستنتاج تركيب الطبقات التي يتشكل منها الكوكب. يعتقد العلماء أن المقطع العرضي لهذا الكوكب يتألف على الأرجح من الحديد بنسبة 86%. وفقاً لـ لام، يشبه هذا التركيب تركيب كوكب عطارد في نظامنا الشمسي، والذي يتألف من الحديد بنسبة 83%. مع ذلك، توضّح لوبيز-موراليس أن كتلة جي جاي 367 بي تفوق كتلة عطارد بـ 10 أضعاف.
تنوي لام أن تستخدم تلسكوب «جيمس ويب الفضائي» لدراسة تركيب الغلاف الجوي للكوكب الجديد، وذلك إذا كان يمتلك غلافاً جوياً. وفقاً للوبيز-موراليس، يُفترض أن يكون الغلاف الجوي لهذا الكوكب قد زال منذ زمن طويل، ولكن من المحتمل أن تشكل عناصر متبخّرة من سطحه الساخن غلافاً جوياً ثانوياً.
لا يمتلك العلماء ما يكفي من الأدلة لفهم كيفية تشكّل الكوكب الجديد. تعتقد لوبيز-موراليس أنه من غير المرجح أن يكون قد تشكّل بالقرب من نجمه، وذلك لأن هذه المنطقة لا تحتوي عادة على كمية كافية من المواد المطلوبة لتشكّل الكواكب.
وفقاً للوبيز-موراليس، من المحتمل أن الكوكب كان بحجم الأرض من قبل، وأُزيلت طبقة الوشاح الصخرية خاصته بسبب تصادم هائل، ربما مع كوكب صغير آخر فقد وشاحه بسبب نفس حدث التصادم واندمج مع جي جاي 367 بي. من المحتمل أيضاً أن يكون من بقايا كوكب غازي أكبر بكثير تلاشى بسبب أشعة النجم.
وفقاً لـ «لي زينغ»، باحث يدرس الكواكب الخارجية في قسم علوم الأرض والكواكب في جامعة هارفارد، والذي لم يشارك في الدراسة الجديدة، فإن المحاججة التي تنص على استحالة تشكّل الكوكب بالقرب من نجمه مبنية على بعض نماذج تشكّل الكواكب الحاسوبية، وليس على الأدلة المباشرة. يقول زينغ: «الجواب الصريح هو أننا لا نعلم ببساطة كيف تشكل هذا الكوكب».
وفقاً للوبيز-موراليس، إذا كان جي جاي 367 بي عملاقاً غازياً يوما ما، بغض النظر عن موقع تشكّله، فهذا قد يغير بشكل جذري فهم العلماء لبنى الكواكب الغازية، وذلك لأنه «يعطينا تلميحاً على أن الكواكب الغازية العملاقة لها أنوية تتشكّل من العناصر الثقيلة».