قد يتمتّع بعض الأجسام في الفضاء الخارجي برائحة كريهة نوعاً ما؛ إذ قد تنبعث رائحة البيض الفاسد من الكوكب الخارجي الذي يحمل اسم "آتش دي 189733 بي" (HD 189733 b). يتمتّع هذا الكوكب الخارجي القريب المعروف بطقسه المضطرب بغلاف جوي يتألف بأغلبه من كبريتيد الهيدروجين، وهو مركّب له رائحة كريهة.
يوفّر وجود هذا المركّب دلائل جديدة عن كيفية تأثير الكبريت، وهو أحد العناصر الكيميائية الرئيسية التي تتألف منها الكواكب، في الغلاف الجوي والآليات الداخلية للعمالقة الغازية خارج مجموعتنا الشمسية. فصّلت دراسة نشرتها مجلة نيتشر (Nature) بتاريخ 8 يوليو/تموز 2024، النتائج.
اقرأ المقال: اكتشاف كوكب خارجي عملاق بكثافة حلوى غزل البنات يحيّر العلماء
غيوم كريهة الرائحة وأمطار من الزجاج
يبعد كوكب آتش دي 189733 بي عن الأرض مسافة 64 سنة ضوئية فقط، ما يجعله أقرب كوكب من فئة "كواكب المشتري الساخنة" خارج مجموعتنا الشمسية يستطيع علماء الفلك رصده في أثناء مروره أمام النجم الذي يدور حوله. مثّل هذا الكوكب مقياساً معيارياً لدراسة الأغلفة الجوية للكواكب الخارجية منذ اكتشافه أول مرة في عام 2005.
وهو أقرب إلى نجمه بنحو 13 مرة من قرب كوكب عطارد من الشمس، وتستغرق دورة واحدة له حول نجمه نحو يومين أرضيين فقط. يتمتع آتش دي 189733 بي بدرجة حرارة معتدلة تبلغ 926 درجة مئوية ويسوده طقس متطرف؛ إذ إنه يشهد أمطاراً من الزجاج الذي يتطاير بمسارات عرضية بسبب الرياح التي تبلغ سرعتها 8,046 كيلومتر في الساعة.
جمع تلسكوب جيمس ويب الفضائي البيانات المستخدمة في الدراسة الجديدة بأدواته القادرة على رصد الأشعة تحت الحمراء لتحسّس آثار الجزيئات والعناصر الكيميائية. يتيح ذلك لعلماء الفلك تحديد المواد الكيميائية الموجودة في الغلاف الجوي للكوكب الخارجي، بما أنهم غير قادرين على جمع العيّنات من الغلاف الجوي ودراستها في الأرض.
قال عالم الفيزياء الفلكية في جامعة جونز هوبكنز والمؤلف المشارك للدراسة، غوانغويه فو، في بيان صحفي: "كبريتيد الهيدروجين هو جزيء رئيسي لم نعرف بوجوده في هذا الكوكب. توقّعنا أن يكون هذا الجزيء موجوداً، ونعلم أنه موجود في كوكب المشتري، لكننا لم نرصده خارج المجموعة الشمسية من قبل. نحن لا نبحث عن الحياة في هذا الكوكب لأنه أحر من أن يأويها، ولكن العثور على كبريتيد الهيدروجين هو نقطة انطلاق للعثور عليه في كواكب أخرى وتعميق فهمنا لعلمية تشكّل أنواع مختلفة من الكواكب".
اقرأ أيضاً: اكتشاف كوكب خارجي عملاق بكثافة حلوى غزل البنات يحيّر العلماء
بدايات الكواكب الخارجية
الكبريت هو عنصر بالغ الأهمية لتشكيل الجزيئات الأعقد. يجب على العلماء أيضاً دراسة الكبريت بالطريقة نفسها التي يتبعونها لدارسة النيتروجين والكربون والفوسفات والأوكسجين للتوصل إلى فهم أعمق لعملية تشكل الكواكب ومكوناتها. يوفّر تلسكوب جيمس ويب أداة جديدة لكشف كبريتيد الهيدروجين وقياس كمية الكبريت في الكواكب الخارجية الغازية.
قال فو: "لنفترض أننا ندرس 100 كوكب من كواكب المشتري الحارّة التي تحتوي على الكبريت. ما الذي يشير إليه ذلك فيما يتعلق بمنشأ هذه الكواكب وتشكّلها بالمقارنة مع كوكب المشتري؟".
بيّنت أيضاً أرصاد تلسكوب جيمس ويب بالأشعة تحت الحمراء أن وجود الميثان في كوكب آتش دي 189733 بي مستبعد. تتناقض هذه البيانات الجديدة مع الادعاءات السابقة حول وفرة هذا الجزيء في الغلاف الجوي للكوكب.
وأردف فو: "اعتقدنا أن هذا الكوكب حار لدرجة تمنع تشكّل الميثان بتركيزات مرتفعة، وأصبحنا نعلم الآن أنه لا يحتوي على هذا الغاز بالفعل".
المعادن والكتلة
اكتشف الفريق أيضاً باستخدام بيانات الأشعة تحت الحمراء أن كوكب آتش دي 189733 بي يحتوي على نسب من المعادن الثقيلة مقاربة لنظيراتها في كوكب المشتري. وفقاً لفو، تحتوي الكواكب الجليدية العملاقة الأصغر مثل أورانوس ونبتون على كمية أكبر من المعادن مقارنة بالكواكب الغازية العملاقة مثل المشتري وزحل. يشير ارتفاع نسبة المعادن الأثقل من الهيدروجين والهيليوم إلى أن أورانوس ونبتون ربما اكتسبا كمية كبيرة من الجليد والصخور والعناصر الثقيلة خلال تشكلهما. ينظر العلماء الآن في إمكانية أن تتمتع الكواكب الخارجية الأخرى في الكون بالسمة نفسها.
اقرأ أيضاً: علماء الفلك يكتشفون 12 قمراً جديداً لكوكب المشتري
قال فو: "هذا الكوكب الذي يتمتع بكتلة تساوي كتلة المشتري تقريباً قريب للغاية من الأرض ودرسه العلماء على نحو مكثّف. يبيّن القياس الجديد أن تركيزات المعادن في هذا الكوكب توفر بالفعل حلقة ربط مهمة للغاية في دراسة اختلاف التركيب الكيميائي للكواكب باختلاف كتلها وأنصاف أقطارها. تعزز النتائج الجديدة فهمنا لعملية تشكل الكواكب من خلال اكتسابها المواد الأكثر صلابة بعد التشكل الأولي للنواة، ولعملية زيادة نسب المعادن الثقيلة الطبيعية فيها".
يخطط الفريق لرصد الكبريت في كواكب خارجية أخرى في الدراسات المستقبلية، وذلك لتحديد تأثير النسب المرتفعة من هذا العنصر على قرب موقع تشكّل هذه الكواكب من نجومها.
وأضاف فو: "نريد أن نعرف كيف تطورت هذه الكواكب لتصبح كما نرصدها اليوم، وسيساعدنا فهم التركيب الكيميائي لأغلفتها الجوية على الإجابة عن هذا السؤال".