علماء الفلك يكتشفون طريقة جديدة للبحث عن الحضارات الأخرى في الكون

علماء الفلك يكتشفون طريقة جديدة للبحث عن الحضارات الأخرى في الكون
التلسكوب الراديوي، الذي يبلغ طوله 42 متراً تقريباً في مرصد غرين بانك (Green Bank) بولاية فيرجينيا، بدأ البحث عن منارات في المجرة. المرصد الوطني لعلم الفلك الراديوي/ الجامعات المنتسبة/ مؤسسة العلوم الوطنية
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

البحث عن الكائنات الفضائية ليس مجرد فضول أو تخمينات كما يعتقد البعض، وهو ليس عملية بسيطة. في الواقع، يبتكر علماء الفلك باستمرار أساليب عملية للبحث عن حياة ذكية في الفضاء. يصف البحث، الذي نُشر مؤخراً في المجلة الفلكية (Astronomical Journal)، طريقة رائدة للبحث عن مصادر للإشارات الراديوية في مركز مجرة درب التبانة، وهي فكرة جديدة حول الطريقة التي قد ترسل بها الكائنات الفضائية إشارات إلى الأرض. (ملاحظة: لم يعثر مؤلفو الدراسة على أي إشارة حتى الآن!)

رسائل تكنولوجية واردة من النجوم

استخدم علماء الفلك التلسكوبات الراديوية لإجراء عمليات مسح السماء منذ بداية مشروع البحث عن حياة ذكية خارج كوكب الأرض أو ما يسمى اختصاراً “إس إي تي آي” (SETI)، في ستينيات القرن الماضي، وذلك عندما شرعوا في الاستماع إلى الرسائل التكنولوجية الواردة من النجوم. كان العلماء يبحثون بالتحديد عمّا يسمى بالإشارات الضيقة النطاق، وهي إشارات متقطعة من الموجات الراديوية، التي تحدث على نطاق ترددي صغير جداً، ولا يمكن أن تكون ناتجة عن ظواهر طبيعية. عادةً، تستهدف الرسائل الضيقة النطاق نجماً محدداً، في حين يمكن أن تغطي الإشارات الراديوية المركزية مساحة شاسعة من المجرة.

تقول عالمة الفلك في مشروع البحث عن الحياة الذكية خارج الأرض (SETI)، والمؤلفة المشاركة في الدراسة الجديدة، صوفيا شيخ (Sofia Sheikh): “هذه الدراسة مهمة للغاية للبحث عن حياة ذكية خارج كوكب الأرض لأنها تحتوي على أول مسح كبير لبصمات الإشارات الراديوية المتكررة بانتظام، وهذا يعني أنها تومض بصورة متقطعة ومتواترة مع مرور الوقت، مثل المنارة، وليست مستمرة الإضاءة مثل مصابيح الشوارع”.

اقرأ أيضاً: هل سترد الكائنات الفضائية على رسائل كوكب الأرض في الموعد الذي توقعه العلماء؟

ومضات الانبعاثات الراديوية الدوارة

تعتقد صوفيا وزملاؤها، ومنهم عالم الفلك في جامعة كورنيل (Cornell University)، أكشاي سوريش (Akshay Suresh)، أن تكون ومضات الانبعاثات الراديوية المتكررة ناتجة عن وجود ما يشبه المنارة الدوارة، التي تومض وتنطفئ بصورة دورية. إذا كانت مثل هذه المنارة تقع في مركز المجرة، فمن الممكن أن تكون وسيلة فعالة للتواصل عبر مسافات شاسعة. قد يكون العثور على الإشارات من هذه المنارة أسهل في أثناء تحليل البيانات الراديوية، التي تشوشها غالباً تداخلات راديوية ناجمة عن استخدام التكنولوجيا في الأرض.

كما ستكون هذه المنارات أكثر كفاءة في استخدام الطاقة مقارنةً بالإشارات الضيقة النطاق، التي بحث عنها علماء الفلك سابقاً، والتي تومض بتردد ثابت ومستمر. تقول صوفيا: “بالإضافة إلى ذلك، من السهل اكتشافها باستخدام الخوارزميات بسبب طبيعة الإضاءة المتكررة بانتظام، كما يمكن تمييزها عن التداخل الراديوي، الذي ينتج عن الأنشطة البشرية، بحيث تكون واضحة بوصفها شيئاً غريباً”. يُعد النظر نحو مركز المجرة طريقة رائعة لزيادة فرص اكتشاف وجود شيء ما، لأن تركيز النجوم يكون أكبر في منتصف مجرة درب التبانة. أي أن كثرة النجوم تعني وجود مزيد من الكواكب التي تدور حولها، وبالتالي، زيادة فرص وجود الحياة في هذه المنطقة.

تؤيد عالمة الفلك في جامعة ولاية بنسلفانيا، التي لم تشارك في الدراسة، ميسي هيوستن (Macy Huston) ذلك وتقول: “إنها تقنية منطقية للبحث عن الأحداث أو عمليات إرسال الإشارات، التي لا يمكننا التنبؤ بها بطريقة أخرى”. لكن، ثمة مشكلة، فعلى الرغم من كثرة النجوم في مركز المجرة، يعتقد العديد من علماء الفلك أن الإشعاعات الموجودة هناك تعني أن تلك المنطقة غير آمنة لوجود حياة فيها، ما يجعلها خارج ما يسمى “المناطق الصالحة للسكن في المجرة” (Galactic Habitable Zone).

اقرأ أيضاً: “أومواموا” ليس دليلاً على الكائنات الفضائية التي نبحث عنها

منارات في المجرة

لكن ذلك لم يثنِ صوفيا وسوريش وفريقهما عن متابعة بحثهم، إذ استخدموا أكبر طبق راديوي قابل للتوجيه في العالم، وهو تلسكوب غرين بانك (Green Bank) في ولاية فرجينيا الغربية، لاختبار مسبارهم بحثاً عن أي إشارات على وجود “منارات” في المجرة تنبعث منها إشعاعات راديوية متكررة.

بعد النظر إلى مركز مجرة درب التبانة، الذي يحتوي على 600,000 نجم، لمدة 5 ساعات، لم يكتشف الفريق أي شيء غير عادي في البيانات المستخلصة. وعلى الرغم من ذلك، لا يمكن استبعاد نظرية وجود ما يشبه المنارات في المجرة فقط لمجرد أن هذا البحث الأولي لم يكتشف أياً منها، فهو لم يفحص سوى عيّنة صغيرة جداً من نجوم المجرة الهائلة. يشعر سوريش بالحماس لأن الخوارزميات التي طُوّرت من أجل هذا البحث ستسمح لعلماء الفلك بدراسة البيانات بسهولة بحثاً عن إشارات نابضة في عمليات المسح المستقبلية.

تقول صوفيا: “لا يزال الجميع في انتظار الجواب النهائي حول انتشار الحياة التكنولوجية في الكون بصورة عامة”. على الرغم من أن التقدم قد يكون بطيئاً، فإن تحليل مجموعة النجوم بأكملها في المجرة باستمرار هو الطريقة الوحيدة التي سنتمكن من خلالها من تأكيد انتشار الحياة التكنولوجية، وهذه الدراسة تقرّبنا خطوة نحو تلك الغاية”.