العلماء يرصدون كوكباً هائل الكتلة قد يجبرهم على تعديل نظرياتهم

3 دقيقة
العلماء يرصدون كوكباً هائل الكتلة قد يجبرهم على تعديل نظرياتهم
كوكب إل آتش إس 3154 بي هو كوكب ضخم مكتشف حديثاً حجمه أكبر بكثير من أن يسمح له بالتشكّل. جامعة ولاية بنسلفانيا
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تخيل أنك مزارع تبحث عن البيض في خمّ الدجاج، ولكنك تجد بيضة نعامة أكبر بكثير من أي بيضة يمكن أن يضعها الدجاج.يشبه ذلك ما شعر به فريقنا من علماء الفلك عندما اكتشفنا في وقت سابق من عام 2023 كوكباً ضخماً أثقل من الأرض بأكثر من 13 مرة يدور حول نجم أحمر بارد وخافت يتمتّع بكتلة أقل من كتلة الشمس بتسع مرات.هذا النجم الصغير الذي ينتمي لفئة من النجوم تحمل اسم “النجوم إم” (M stars) ليس فقط أصغر من الشمس، بل إنه أقل سطوعاً منها بـ 100 مرة. لا يُفترض أن يحتوي القرص المشكِّل للكواكب الخاص بهذا النجم على الكمية اللازمة من المادة لتشكيل مثل هذا الكوكب الضخم.

مكتشف الكواكب في المناطق الصالحة للحياة

صمم فريقنا على مدى العقد الماضي أداة جديدة وبناها في جامعة ولاية بنسلفانيا، وهي قادرة على تحسس الضوء الذي تصدره هذه النجوم الخافتة والباردة بأطوال موجية تتجاوز حساسية العين البشرية (تساوي أطوال موجات الأشعة تحت الحمراء القريبة)، وهي أغلبية الأطوال الموجية للضوء الذي تصدره النجوم الباردة.

تستطيع هذه الأداة، التي أطلقنا عليها اسم “مكتشف الكواكب في المناطق الصالحة للحياة” (Habitable Zone Planet Finder)، المتصلة بتلسكوب هوبي-إيبرلي الذي يبلغ طوله 10 أمتار في غرب تكساس، قياس التغير الدقيق في سرعة النجوم عندما تجذبها الكواكب بفعل قوّة الجاذبية. هذه التقنية التي تحمل اسم “تقنية سرعة دوبلر الشعاعية”، فعالة للغاية في رصد الكواكب الخارجية.

يصف تعبير “الكوكب الخارجي” أي جسم بحجم كوكب يدور حول نجم غير شمس الأرض.

اقرأ أيضاً: صور التلسكوب الكبير جداً تكشف عن كيفية تأثير النجوم الشقيقة على تشكل الكواكب حولها

تمكّن العلماء باستخدام عمليات الرصد المعتمدة على تقنية سرعة دوبلر الشعاعية من اكتشاف كوكب 51 بيغاسي بي قبل 30 عاماً، وهو أول كوكب خارجي يدور حول نجم يشبه الشمس يُكتشف على الإطلاق. وعزز علماء الفلك مثلنا فعالية هذه التقنية في العقود التي تلت هذا الاكتشاف. يتمثّل الهدف المهم لإجراء هذه القياسات التي تزداد دقة بمرور الزمن في منح العلماء القدرة على اكتشاف الكواكب الصخرية في المناطق الصالحة للحياة، وهي المناطق المحيطة بالنجوم حيث يمكن أن يبقى الماء في حالته السائلة على سطح الكواكب.

لا يستطيع الباحثون حالياً تطبيق تقنية دوبلر لاكتشاف الكواكب في المناطق الصالحة للحياة التي تساوي كتلتها كتلة الأرض وتدور حول نجوم بحجم الشمس. لكن الإشارات التي تدل على مفعول دوبلر الصادرة من نجوم إم الباردة والخافتة تكون أشدّ، وذلك حتى لو كان حجم الكوكب الذي يؤثر فيها بجاذبيته مساوياً لحجم الأرض. تتأثر النجوم ذات الكتلة الأخفض بجاذبية الكواكب حولها أكثر. ويؤدي الضياء المنخفض لهذه النجوم إلى اقتراب المنطقة الصالحة للحياة منها وانخفاض أطوال مدارات الكواكب حولها، ما يجعل رصد هذه الكواكب أسهل أيضاً.

الكواكب التي تدور حول هذه النجوم الصغيرة هي الكواكب التي صمم فريقنا مكتشف الكواكب في المناطق الصالحة للحياة لاكتشافها. مثّل اكتشافنا الجديد، الذي نُشر في مجلة ساينس (Science)، لكوكب ضخم بمدار قريب يدور حول نجم خافت وبارد يحمل اسم “إل آتش إس 3154” (LHS 3154) وينتمي إلى مجموعة النجوم إم، مفاجأة حقيقية.

إل آتش إس 315 بي: الكوكب الذي ينبغي ألا يكون موجوداً

تتشكّل الكواكب من أقراص تتألف من الغاز والغبار. تتجمّع في هذه الأقراص حبيبات الغبار التي يتنامى حجمها مشكلة حصوات تتجمع بدورها على بعضها مشكلة نواة كوكبية صلبة. بمجرد تشكّل النواة، يكتسب الكوكب القدرة على جذب الغبار الصلب والغازات المحيطة به مثل الهيدروجين والهيليوم. لكنه يجب أن يتمتّع بكتلة كبيرة ويحتوي على كمية كبيرة من المادة ليتمكّن من فعل ذلك. تحمل آلية تشكّل الكواكب هذه اسم تنامي النواة.

يفترض أن يكون النجم الذي يتمتّع بكتلة منخفضة مثل إل آتش إس 3154 (الذي كتلته أصغر من كتلة الشمس بتسع مرات) محاطاً بقرص مشكّل للكواكب منخفض الكتلة على نحو متناسب مع حجمه الصغير.

رسم تمثيلي فني لكوكب إل آتش إس 3154 بي. حقوق الصورة: آبي مينيك (Abby Minnich).

لا يُفترض أن يتمتّع القرص النموذجي حول نجم منخفض الكتلة مثل إل آتش إس 3154 بكمية كافية من المواد الصلبة أو كتلة كبيرة بما يكفي لتتشكّل ضمنه نواة ثقيلة بما يكفي لتشكيل مثل هذا الكوكب. استنتجنا باستخدام عمليات المحاكاة الحاسوبية التي أجريناها أن مثل هذا الكوكب يجب أن يتشكّل من قرص يتمتّع بكتلة تبلغ 10 أضعاف على الأقل من تلك التي يقدّرها العلماء باستخدام الأرصاد المباشرة للأقراص المشكّلة للكواكب.

هناك فرضية أخرى لتشكّل الكوكب تحمل اسم “فرضية عدم الاستقرار الثقالي” وتنص على أن الغاز والغبار في القرص ينهاران مباشرة لتشكيل الكواكب، ولكنها تعجز أيضاً عن تفسير تشكّل كوكب مثل إل آتش إس 3154 بي دون وجود قرص يتمتّع بكتلة كبيرة.

الكواكب التي تدور حول النجوم الأكثر شيوعاً

نجوم إم الباردة والخافتة هي النجوم الأكثر شيوعاً في مجرة درب التبانة. يدور كوكب كريبتون الذي جاء منه الرجل الخارق الموصوف في قصص دي سي المصوّرة (DC comics) حول نجم قزم من نجوم إم.

اكتشف علماء الفلك باستخدام أرصاد أداة مكتشف الكواكب في المناطق الصالحة للحياة وغيرها من الأدوات أن الكواكب العملاقة التي تتخذ مدارات قريبة حول نجوم إم ذات الكتل الأكبر أندر بعشر مرات على الأقل من تلك التي تدور حول النجوم الشبيهة بالشمس. ولم نكتشف أي كواكب ذات كتلة كبيرة تتخذ مدارات قريبة حول نجوم إم التي تتمتع بكتل أصغر حتى رصد كوكب إل آتش إس 3154 بي.

اقرأ أيضاً: هل يمكن أن يفيد تصنيع الحمم البركانية في فهم الكواكب الخارجية؟

سيساعدنا فهم كيفية تشكّل الكواكب حول النجوم الأبرد القريبة منا على فهم كيفية تشكل الكواكب عموماً وكيفية تشكّل العوالم الصخرية حول أكثر أنواع النجوم وفرة وتطور هذه العوالم بمرور الزمن. كما أن هذا النوع من الأبحاث سيساعد علماء الفلك أيضاً على تحديد إن كانت النجوم إم قادرة على دعم تشكّل الحياة.