كيف يمكن أن يؤثّر السفر للفضاء في الجهاز المناعي؟

كيف يمكن أن يؤثّر السفر للفضاء في الجهاز المناعي؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Dima Zel
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

الفضاء الخارجي هو وسط قاسٍ جداً على أجسام البشر. وتفرض تأثيرات السفر عبر الفضاء في الصحة تحدّيات كبيرة لمستقبل البشر في الكون. يتعرّض رواد الفضاء خارج الأرض إلى فقدان العظام والعضلات، كما أنهم يتعرضون للإشعاعات التي قد تتسبب بالسرطان. يجب على علماء الأحياء الاستعداد للحفاظ على سلامة هؤلاء المستكشفين في الرحلات الطويلة التي يخططون لخوضها، مثل الرحلات إلى القمر والمريخ التي ستجريها مهمات برنامج أرتميس التابع لوكالة ناسا.

ضرورة فهم تأثير الفضاء في أجسام البشر

تتمثّل إحدى خطوات الاستعداد لهذه الرحلات في التوصل لفهم عميق لتأثير الفضاء في أجسام البشر، بدءاً من التأثيرات الجهرية في أعضائها وصولاً إلى الخلايا المجهرية. لتحقيق هذا الهدف، أجرى علماء الأحياء السويديون تجربة تهدف إلى محاكاة ما يحدث لجهاز المناعة البشري في ظروف الجاذبية الصغرى، أو “انعدام الوزن” الذي يختبره المسافرون عبر الفضاء. وجد الباحثون في دراسة جديدة نُشرت بتاريخ 25 أغسطس/ آب 2023 في مجلة ساينس أدفانسز (Science Advances)، أن الجاذبية الصغرى لها تأثيرات كبيرة في الخلايا المناعية. 

جهاز المناعة هو جهاز مهم في جسم الإنسان؛ فهو يحمينا من أنواع كثيرة من البكتيريا والفيروسات التي تعيش في كوكبنا الغني بأشكال الحياة. إذا تضرّر الجهاز المناعي لرائد فضاء بسبب ظروف الفضاء الخارجي، فقد لا يتمكن من مقاومة العدوى عند عودته إلى الأرض، وقد يصاب مجدداً بعدوى الفيروسات التي كانت كامنة في جسمه.

اقرأ أيضاً: تجارب سلطان النيادي في الفضاء: كيف يمكن أن تفيد البشرية؟

تغيرات في الجهاز المناعي نتيجة تأثير ظروف الفضاء

لدراسة ذلك على الأرض، عاش المتطوعون في الاختبار في ظروف شبيهة بتلك السائدة في الفضاء لمدة 21 يوماً، وقضوا أغلبية وقتهم وهم يطوفون على أجهزة تحمل اسم أسرّة “الغَمر الجاف”. حلل الباحثون دم المشاركين ووجدوا أن المورِّثات الموجودة في خلاياهم التائية، التي تنتمي إلى نوع من خلايا الدم البيضاء المقاومة للجراثيم، تغيّرت بطرق قد تجعلها أقل فعالية في الحماية من مسبّبات الأمراض.

تقول عالمة المناعة في معهد كارولينسكا السويدي والمؤلفة المشاركة للدراسة الجديدة، ليسا فيستربرغ: “تغيّر التعبير الوراثي في الخلايا التائية بشدّة بعد 7 أيام و14 يوماً من العيش في ظروف انعدام الوزن، ما يعني أن المورثات التي كانت نشطة وتلك التي لم تكن نشطة تغيّرت. أصبحت الخلايا التائية تشبه الخلايا التائية الساذجة، أي التي لم تواجه أي مواد دخيلة بعد. قد يؤدي ذلك إلى خفض فعالية هذه الخلايا في مقاومة الخلايا السرطانية وحالات العدوى”.

مع ذلك، هناك أخبار سارّة؛ إذ لاحظت فيستربرغ وزملاؤها أنه بعد العودة إلى ظروف الجاذبية المعتادة، عاد بعض التغييرات في الخلايا إلى الوضع الطبيعي. يشير ذلك إلى أن أجسام البشر قد تتمتّع بالقدرة على التكيّف مجدداً بمجرد عودتها إلى الأرض، على الأقل بناءً على هذه الدراسة؛ أي بعد رحلات مدتها 21 يوماً. لا يزال من غير الواضح كيف ستؤثر الرحلات الفضائية الطويلة المدى، مثل الرحلة المحفوفة بالمخاطر إلى المريخ والعودة منه التي قد تستغرق سنوات، في أجسام رواد الفضاء ومورثاتهم وأجهزتهم المناعية.

تغيرات على مستوى الحمض النووي البشري نتيجة السفر إلى الفضاء

هذه ليست المرة الأولى التي يلاحظ فيها العلماء تغيّرات في الحمض النووي البشري بسبب السفر إلى الفضاء؛ إذ كشفت “دراسة التوأم” الشهيرة التي أجرتها وكالة ناسا، التي عاش ضمنها رائد الفضاء، سكوت كيلي، على متن محطة الفضاء الدولية بينما بقي شقيقه التوأم، مارك كيلي، على الأرض، أن قضاء عام في الفضاء يؤثّر في المورثات ويتلفها أحياناً. نعلم أيضاً أن قضاء الوقت في الفضاء يمكن أن يلحق الضرر بخلايا الدم والنخاع العظمي ويقتلها، ما قد يؤدي إلى تعرّض رواد الفضاء لخطر الإصابة بما يسمى “فقر الدم الفضائي”. (على الرغم من أن الأبحاث الجديدة تبين أنه قد تكون هناك طريقة لمكافحة ذلك باستخدام الخلايا الدهنية).

ما يميّز هذه الدراسة هو الطريقة التي ربط فيها الباحثون التغيّرات الخلوية بوظائف جسم الإنسان الأشمل، ما أتاح للباحثين التفكير في حلول للمشكلة على المستوى الخلوي. يُجرى حالياً العديد من التجارب السريرية على الأدوية والعلاجات الجديدة التي تهدف إلى علاج مشكلات مماثلة متعلقة بالخلايا، مثل بعض أنواع السرطان والحساسية واضطرابات المناعة الذاتية. تقول فيستربرغ: “نعتقد أن هذه الدراسة يمكن أن تمهّد الطريق لتطوير علاجات جديدة تعكس هذه التغييرات في البرنامج الوراثي للخلايا المناعية”.

اقرأ أيضاً: كيف تؤثر الأشعة الكونية على أجسام الإناث في الفضاء؟

بالنتيجة، فإن التحضير للذهاب إلى المريخ أو ما هو أبعد قد يعود بالفوائد على كل من المرضى على الأرض والمسافرين عبر الفضاء؛ إذ إنه سيمكننا من التوصل إلى فهم أعمق لجسم الإنسان بغض النظر عن موقعه في الكون.