يبدو الطفو في الفضاء أمراً ممتعاً، ولكنه يؤثّر بشكل كبير على جسم الإنسان. وقد وجدت دراسة نُشرت في 30 يونيو/حزيران 2022 في مجلة تقارير علمية أن قضاء بضعة أشهر فقط في الفضاء يغير في بنية عظام رواد الفضاء، ما يتسبب في انخفاض في كثافتها يكافئ الانخفاض الذي يعاني منه البشر خلال عقدين من الزمن على الأرض. والأكثر إثارة للقلق أنه بعد قضاء سنة من الزمن في الفضاء، لا يستطيع رواد الفضاء تعويض الخسارة في كتلة العظم التي عانوا منها تماماً.
تمت دراسة العلاقة بين كتلة العظم والسفر عبر الفضاء لزمن طويل، وقدّرت إحدى الدراسات الأخرى التي أجرتها وكالة ناسا في 2007 أن نسبة فقدان كتلة العظم التي يعاني منها رواد الفضاء خلال 9 أشهر من السفر عبر الفضاء تبلغ 2-9%. قام الباحثون في دراسة أخرى نُشرت في 2020 بمحاكاة تأثير رحلة إلى المريخ مدتها 3 سنوات على رواد الفضاء، ووجدوا أن خطر الإصابة بهشاشة العظام يبلغ 33%. يُضعف الانخفاض في كثافة العظام بنية الهيكل العظمي ويمكن أن يزيد من خطر الإصابة بآلام الظهر وكسور العظام وانخفاض الطول.
اقرأ أيضاً: دراسة جديدة تقدر وجود 300 مليون كوكب صالح للسكن في مجرتنا
صحة عظام رواد الفضاء
على الأرجح أن تردّي صحة العظام ينتج من انخفاض الجاذبية في الفضاء. على الرغم من أن رواد الفضاء يتحركون في الفضاء، فإن انعدام الوزن يزيل الضغط الذي يُطبق على الأرجل خلال الوقوف أو المشي، ما يحاكي آثار الخمول الجسدي الشديد. قالت غيميت غوكولان-كوش، رئيسة الأبحاث الطبية في مركز دراسات الفضاء الفرنسي والتي لم تشارك في الدراسة الحديثة التي نشرت في 30 يونيو/حزيران 2022 في مقالة مع صحيفة ذا غارديان: "حتى إذا مارس رواد الفضاء التمارين الرياضية لمدة ساعتين يومياً، فسيُعتبرون وكأنهم طريحي الفراش خلال الـ 22 ساعة المتبقية". قد تعرّض هذه النتائج الجديدة مستقبل إرسال البشر إلى المريخ في 2030 للخطر ما لم يكتشف العلماء ما إذا كانت كتلة العظم المفقودة قابلة للتعويض تماماً. قالت غوكولان-كوش في نفس المقابلة: "لن يكون من السهل على طاقم رواد الفضاء المشي على المريخ عندما يصلون، إذ إن فقدان كتلة العظام يعيق بشدّة".
اقرأ أيضاً: هل اتباع نظام غذائي نباتي ينعكس سلباً على صحة عظامك؟
إحدى الفرضيات التي اختبرتها الدراسة الجديدة هي ما إذا كان رواد الفضاء يستطيعون تعويض كتلة العظم التي سيفقدونها بقضاء ما يكفي من الوقت على الأرض. قام أخصائيون طبيّون يعملون مع وكالة ناسا والهيئات المتعاونة معها بمسح معاصم وكواحل 17 رائد فضاء (أغلبهم من الرجال) قبل وأثناء وبعد قضائهم عدة أشهر في محطة الفضاء الدولية. وبعد قضاء سنة واحدة على الأرض، لم يتمكن 9 من رواد الفضاء من تعويض كثافة العظم المفقودة في عظام الظُّنبوب في الساق. كانت نسبة كتلة العظم التي فقدها رواد الفضاء الـ 9 تقارب النسبة التي يفقدها الشخص العادي خلال عقد من الزمن على الأرض.
كان تعويض كثافة العظام أبطأ لدى رواد الفضاء الذين أمضوا أطول وقت في محطة الفضاء الدولية (4-7 أشهر). لا يزال من غير الواضح ما إذا كان هناك حد أقصى من فقدان كتلة العظم يمكن أن يتحمّله الشخص في الفضاء. قال "ستيفن بويد"، مدير معهد "مكيج" لصحة العظام والمفاصل في جامعة كالغاري والمؤلف المشارك في الدراسة الجديدة لصحيفة ذا غارديان: "لا نعلم ما إذا كان انخفاض كثافة العظم سيستمر مع الزمن أم لا"، وأضاف: "من المحتمل أن يستقر معدل الانخفاض في كثافة العظم بعد فترة، كما أنه من المحتمل أن يستمر. لكني لا أعتقد أن الانخفاض سيستمر حتى يفنى العظم تماماً".
هل يمكن تعويض كتلة العظام المفقودة؟
أحد الأخبار السارة هو أن بعض التمارين الرياضية كانت فعّالة أكثر من غيرها في مساعدة رواد الفضاء على تعويض كتلة العظام المفقودة. يبدو أن تمرين حمل الأوزان واقفاً أكثر فعالية في تقوية كتلة العظم المتبقية مقارنة بركوب الدراجة أو الجري، ما يشير إلى أن تمارين الجزء السفلي من الجسم القاسية ستكون فعّالة في الاستعداد لمهمات الفضاء الطويلة.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن للخس المعدل وراثياً حماية رواد الفضاء من هشاشة العظام؟
لم يبدُ أن رواد الفضاء في الأربعينيات من العمر والذين كانوا يتمتعون بلياقة بدنية مرتفعة قد تأثروا بنفس الطريقة بفقدان كتلة العظم. قال "روبرت ثيرسك"، المستشار السابق في جامعة كالغاري ورائد فضاء سابق في وكالة الفضاء الكندية في بيان صحفي: "كان كل من الإعياء والدوخة وعدم التوازن أولى المشكلات التي واجهتها بعد عودتي. يستغرق تعافي العظام والعضلات وقتاً أطول بعد رحلات الفضاء"، وأضاف: "لكن خلال يوم واحد بعد العودة إلى الأرض، شعرت بالراحة مرة أخرى كأي إنسان في الأرض".