كيف يساعدنا تلسكوب جيمس ويب على فهم سر توسع الكون؟

رحلة تلسكوب جيمس ويب الفضائي نحو كشف سر توسع الكون
تحتوي مجرة إن جي سي 5584 الحلزونية التي تبعد 72 مليون سنة ضوئية عن الأرض على نجوم نابضة تحمل اسم المتغيّرات السيفيديّة. وكالة ناسا، وكالة الفضاء الأوروبية، وكالة الفضاء الكندية، آدم ريس (جامعة جونز هوبكنز، معهد مراصد علوم الفضاء).
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أكد تلسكوب جيمس ويب الفضائي الشهير التابع إلى وكالة ناسا وجود مشكلة في فهمنا لعملية توسع الكون. وعلى الرغم من دقة قياسات تلسكوب جيمس ويب الجديدة في هذا المجال، فإنها لا توضح التباين الغامض في الطريقتين اللتين يستخدمهما العلماء لقياس هذا التوسع الكوني.

في عام 1929، اكتشف عالم الفلك، إدوين هابل (Edwin Hubble)، أن المجرات التي تُمكننا رؤيتها جميعها تتحرك بعيداً عنا. تُعرف العلاقة بين المسافة إلى المجرة ومدى سرعة حركتها الآن باسم “قانون هابل” (Hubble’s law). يُستخدم هذا القانون المقياس الذي يحمل اسم “ثابت هابل” (Hubble constant) أيضاً لوصف معدل توسع الكون. يوفر لنا مقياس ثابت هابل أيضاً معلومات حول عمر الكون؛ إذ يمكن لعلماء الفلك استخدام هذا المقياس لإعادة الزمن إلى اللحظة التي كان فيها الكون عبارة عن نقطة واحدة في الفضاء، وهي لحظة الانفجار العظيم.

طرق قياس ثابت هابل

يستخدم علماء الفلك طريقتين أساسيتين لقياس هذا الثابت الذي يتعلق بتوسع الكون: تتمثل الطريقة الأولى في تتبع التغيرات الصغيرة في بداية الكون؛ أما الطريقة الأخرى، فتتمثل في مراقبة النجوم الوامضة التي تسمَّى “النجوم القيفاوية” (Cepheids)، وتختلف هاتان الطريقتان في نتائجهما. يُعرف هذا الاختلاف الغامض بين النتائج المتعلقة بمعدل توسع الكون باسم “توتر هابل” (Hubble tension)، ومن غير الواضح إذا كان هذا التوتر ناتجاً من مشكلة في نماذجنا الحالية للكون أو في قياساتنا للمتغيرات.

إذا كانت المشكلة تتعلق بقياساتنا، فربما يكون الخطأ ناتجاً من الطريقة التي نرصد بها النجوم القيفاوية. يعتقد علماء الفلك أن هذه الأجسام هي نوع من “الشموع القياسية” (standard candle)، وهي أجسام في الفضاء يكون سطوعها الحقيقي معروفاً بدقة؛ إذ تُمكننا ملاحظة مدى سطوع أحد هذه النجوم عند رصدها في السماء. إذا كان النجم خافتاً، فهو أبعد. أما إذا كان أكثر سطوعاً، فهو أقرب.

تقول عالمة الفلك، ومسؤولة البرنامج في الأكاديميات الوطنية للعلوم والهندسة والطب، تاريني كونشادي (Tarini Konchady): “عندما نستخدم النجوم القيفاوية لتحديد المسافات في الكون، يجب أن نكون متأكدين من ضرورة قياس سطوعها بالطريقة الصحيحة؛ وإلا فإن قياسات المسافة التي نحصل عليها ستكون غير دقيقة.

على الرغم من ذلك، يمكن أن تكون النجوم القيفاوية (Cepheids) في أجزاء مزدحمة من المجرات التي توجد فيها، وإذا لم تكن التلسكوبات التي نستخدمها حساسة بما فيه الكفاية، فلن نتمكن من تمييز النجوم القيفاوية عن النجوم المحيطة بها بوضوح”. قبل استخدام تلسكوب جيمس ويب، كان تلسكوب هابل الفضائي (HST) يُعد المصدر الأساسي للقياسات الدقيقة للنجوم القيفاوية. لم يتمكن تلسكوب هابل من التمييز بين النجوم القيفاوية الفردية عند تجمعها في مناطق مزدحمة بالنجوم، على عكس تلسكوب جيمس ويب الذي فعل ذلك مؤخراً.

اقرأ أيضاً: كيف يحافظ تلسكوب هابل على مشروع مراقبة النجوم؟

قياسات النجوم القيفاوية

رصد تلسكوب جيمس ويب مجرتين بعيدتين، وأجرى قياسات لثابت هابل بدقة تزيد 2.5 مرة على قدرة تلسكوب هابل الفضائي (HST). يقول قائد المشروع، وعالم الفلك في جامعة جونز هوبكنز (Johns Hopkins University)، آدم ريس (Adam Riess)، في بيان صحفي لوكالة ناسا: “حقق تلسكوب جيمس ويب تقدماً ملحوظاً في تحسين دقة قياسات النجوم القيفاوية وتقليص نسبة الأخطاء إلى حد كبير. هذه هي التحسينات التي يحلم بها علماء الفلك!”.

تتمثل إحدى المزايا الأساسية لتلسكوب جيمس ويب في قدرته على رصد الكون باستخدام الأشعة تحت الحمراء؛ ما يساعد على تجاوز الغبار الموجود بين التلسكوبات والنجوم القيفاوية. يقول ريس: “إن الرؤية العالية الوضوح باستخدام الأشعة تحت الحمراء هي إحدى القدرات الرائعة التي يتمتع بها تلسكوب جيمس ويب الفضائي”.

استخدام تلسكوب جيمس ويب الفضائي لحل مشكلة توتر هابل

على الرغم من ذلك، تطابقت القياسات الجديدة مع القياسات التي حصلنا عليها باستخدام تلسكوب هابل لكن مع نسبة خطأ أصغر. لذلك؛ لا يمكننا الاعتماد على تلك القياسات القديمة لتفسير اللغز المتعلق بمعدل توسع الكون. تمثل النتائج الجديدة التي توصل إليها ريس وفريقه البداية فقط؛ إذ ما يزال لديهم العديد من المجرات لرصدها باستخدام تلسكوب جيمس ويب الفضائي.

اقرا أيضاً: 13 صورة رائعة من تلسكوب جيمس ويب تكشف عن عجائب كوننا الفسيح

تقول عالمة الفلك بجامعة شيكاغو، أبيجيل لي (Abigail Lee): “ما يزال النقاش قائماً حول مدى قدرة تلسكوب جيمس ويب الفضائي على حل مشكلة التوتر في قياسات تلسكوب هابل من خلال التغلب على مشكلة ازدحام النجوم. سيسهم تحليل البيانات المتعلقة ببقية المجرات التي يبلغ عددها 42، (التي من المقرر مراقبتها باستخدام تلسكوب جيمس ويب)، في توضيح إذا كان التوتر في قياسات هابل حقيقياً وقائماً أو كانت توجد أخطاء فقط في قياسات النجوم القيفاوية”.

لا يتوقف مصير الكون، أو على الأقل توتر هابل، فقط على تلسكوب جيمس ويب الفضائي. سيبدأ عمل العديد من المرافق الأخرى في السنوات القليلة المقبلة؛ ما يوفر مزيداً من الدلائل لدعم الأبحاث المتعلقة بمصير الكون وتوتر هابل. على سبيل المثال؛ سيعمل مرصد فيرا روبين (The Vera Rubin Observatory) على مسح السماء الجنوبية بأكملها كل بضع ليال عند افتتاحه في العام المقبل، ومن المرجح أن يكتشف العديد من النجوم القيفاوية.

تقول كونشادي: “نحن في مرحلة تتطلب من علماء الفلك التعامل مع بيانات أكثر حساسية وشمولية مما سبق”. ربما لا توجد إجابة واضحة لتفسير هذا اللغز حتى الآن؛ لكنّ علماء الفلك يعملون بجد للوصول إلى إجابة نهائية وواضحة.